زاد الاردن الاخباري -
منذ تولى الرئيس سمير الرفاعي منصب رئيس الوزراء، افترض البعض، وكنت من ضمنهم، النظرية التي تدعي أن الرفاعي شاب متزن ومتعلم وشبعان، وانه ليس من عصابة التكنوقراط، وأنه سيبدأ بحكمة وتعقل معالجة جميع المشاكل التي تعرضنا ونتعرض لها منذ 40 عاما بمجرد أن يعطى الفرصة الكاملة لمعرفة الخريطة الإنسانية والإجتماعية والسياسية الأردنية.
لم يفترض أحد ما، إحتمالية أن يكون الرفاعي "داهية" من دواهي السياسة ويعرف عنها وعن دهاليزها اكثر بكثير مما نعتقد وانه "فعليا" لا يحتاج إلى خبرة إضافية ولا فرصة ولا منحة ولا شيء، وانه أيضا، لم يكن بحاجة حتى إلى المائة يوم التي يمنحها ميثاق الشرف الصحفي للرئيس الجديد للبدء في تنفيذ رؤى خطاب التكليف السامي، لأنه ببساطة، كما تفترض النظرية الثانية، يحتمل أنه قد حظي بفرصته الكاملة لتعلم شؤون السياسة منذ أن كان في (الكي جي ون)، حين كان مضطرا أن يستمع لشجونها وهو يتناول إفطاره على مائدة الرؤساء الذين يحضرون يناقشون السياسات المحلية والعربية والعالمية مع أبيه الذي ورثها عن أبيه، وكانت شؤون السياسة حينها، في العام 1970 في اوجها وأبغض تقلباتها وأبعادها، ولا شك أنه أضطر، بعد ذلك، أن يتعرف على العمل الديبلوماسي حين إنتقل والده ليعمل سفيرا لدى المملكة المتحدة عام 1971، لكن هذا الإحتمال يفترض أيضا أنه قد عاد عام 1973، حين شكّل والده حكومته الأولى فأُرغم على أن يدرس كل شاردة وواردة وصغيرة وكبيرة تتعلق بالأردن وانظمته وقوانينه وشعبه وخيراته ومصائبه ونوائبه قبل أن يبلغ التاسعة من عمره، وأنه اخذ فرصة استثنائية ليتعرف إلى جغرافية الأردن ومدنه وقراه وأن يحفظ، قبل سن العاشرة، تاريخ الأردن السياسي وشخصياته جميعا: الموالين والمعارضين و(اللي مالهم دخل)، وأنه قبل أن يبدأ المراهقة كان له مدرسا خاصا يعلمه الأيدلوجيات والأنظمة السياسية العالمية ومدارسها ومشاربها ويعرف عن (تشي جيفارا) اكثر من معظم الثورجية الشيوعيين، وأنه بحث طويلا في مكونات العشاء الذي تناوله (حسن البنا) مع حافظ عبد الحميد وحسب الله والحصري وإبراهيم وعز والمغربي ليلة الإتفاق والعهد على تأسيس الإخوان المسلمين.
لن نسترسل في هذا السيناريو الذي يشبه سيناريو الأفلام السينمائية، لكن بإمكانكم تخيل حجم الثقافة والعلوم التي (قد يكون) سمير زيد الرفاعي قد تعلمها وحصل عليها قبل ان يتخرج من (أكاديمية ديرفيلد) التي تدرس نخبة النخبة، فنحن نظن ان الأموال الطائلة المدفوعة لهذه المدرسة وغيرها تدفع نوعا من الرفاهية، بينما هي تدفع غالبا لإنتاج شخصيات (سوبر في آي بي)-(S.VIP)، عدا عمّا يكون قد حصل عليه من (جامعة هارفارد) أو من العلاقات الدولية في (كلية ترينتي بجامعة كامبردج) من فنون الإتصال النخبوي والجماهيري، وكذلك الأمر في الخبرة التي إكتسبها في معظم المناصب "الحساسة" التي تدرج فيها خلال مسيرته العملية حتى تسلم منصب رئيس الوزراء الأردني.
لماذا حسن النية التي نحن عليها ؟ فنحن نرى دائما ان الشخص الذي امامنا يحتاج الفرصة والوقت الكافي ليعرف أكثر ويطّلع ويفهم، فماذا لو كان سمير الرفاعي يعلم كثيرا ولديه تصورات ونظريات سياسية خاصة به واخرى ينتمي إليها ويسعى إلى تطبيقها؟ وأنه فوق ذلك يظن أن كل هذه الفئات السياسية المثقفة وغير المثقفة الأردنية جاهلة بالمقارنة مع حجم معلوماته وخبرته السياسية الخاصة، واننا مجرد أشخاص عاطفيون ترفعنا كلمة و"تسخطنا" أخرى، و"نعوم على شبر مية"؟
لماذا (لا) نفترض أن سمير الرفاعي يؤمن منذ نعومة أظفاره أن القوى المحركة للتاريخ هي "المصلحة المادية" و"السلطة"، وأن ماهو مفيد فهو ضروري، وان الشعب الأردني غير مفيد إذا حاول معارضة السلطة؟ أليس الإصرار مثلا على إجراء الإنتخابات بقانون الصوت الواحد "المتوحد" وبدون مشاركة الإخوان المسلمين وبدون إصلاح إقتصادي وسياسي هو نتاج خالص لنظرية أن الغاية تبرر الوسيلة؟ وبالتالي، وحسب وجهة نظر (ميكافاعي) الأردن المتعلم، فإنه ليس هناك غاية عليا يمكن تحقيقها مثل قيام مجلس نواب أردني حسب الجدول الزمني الموضوع بغض النظر عن أي وسائل تستخدم لتحقيق هذه الغاية.
وكيف نقول عنه أنه متعلم ويحتاج الفرصة مع أنه يعاند شعب بأكمله، فلا نقابة للمعلمين، ولا حلول لمصادر دخل وبدائل للضرائب، ولا نظريات لسداد الدين، وحتى المواقع الصحفية الأردنية، حجبها بـ (جرة قلم) كما لا يقبل "ميكافيلي" نفسه ولن نقول "هتلر" حتى لا يقول أننا نبالغ، كما فعل حين شرعنا نتحدث عن (غول) الواسطة والمحسوبية في الأردن!
هل علينا ان نخشى الرفاعي كي نحبه؟ كيف؟ هل يسعى ليصبح ميكافيلي الأردن؟ لأننا لا نظن أن أحدا، تحت أي ظرف، يقبل ان تكون "النظرية الثالثة" هي الصحيحة، هل تتخيلون ما تقوله "النظرية الثالثة"؟