زاد الاردن الاخباري -
"ياالله غيثك يا ربي ... تسقي زرعنا الغربي".. بهذه الترويدة (الدعاء) وشبيهاتها، كانت الأردنيات والأردنيون يستفتحون موسم البذار وقلوبهم متعلقة بالسماء، متوكلين على الله الذي لا ينسى عباده من غوثه ورحمته.
هذا كل ما كان بأيديهم آنذاك، التوجه بالدعاء مع بذر القمح، أن "إعقلها وتوكل".
لكن "إعقلها" مشرعة أبوابها إلى أقصى مدى، وخصوصا العلم والعمل "إقرأ وربك الأكرم" "وأعدوا" إلى جانب الدعاء بيقين الاستجابة.
أخيرا، وبعد تحضيرات دامت سنوات، أنجزت، الأحد، أول تجربة استمطار في منطقة سد الملك طلال بمحافظة جرش في خطوة تهدف لتعزيز الامن المائي في المملكة التي تعد من أشد دول العالم فقرا في مصادر المياه.
الترتيبات والاستعدادات كانت قد أعدت، والخرائط الجوية أظهرت ان ساعة التنفيذ الانسب حانت، فاعتمدت الواحدة من بعد ظهر الأحد موعدا لاختبار مدى جهوزية الخطط والمعدات والأشخاص.
الترقب، والحديث عن تجربة الاستمطار كان حديث الاردنيين أخيرا، شمالا وجنوبا شرقا وغربا. الجميع كان بانتظار هطول الامطار، رغم أن نشرة الطقس التي أصدرتها دائرة الارصاد الجوية كانت تخلو من هطول للأمطار ليوم الاحد بشكل عام، وتحديدا في النصف الثاني من نهاره.
في ذات الوقت كان مركز التنبؤات الجوية خلية نحل لوضع اللمسات الاخيرة على انطلاق اول رحلة جوية بمساعدة من سلاح الجو الملكي لبدء عملية الاستمطار بواسطة طائرة "كاسا 295" يقودها طاقم من أكفأ الطيارين والفنيين الذين خضعوا لتدريبات مكثفة.
قبيل اقلاع الطائرة، الايجاز الذي كان مقررا عن الرحلة، استمر نحو 45 دقيقة، بحضور مدير عام دائرة الارصاد الجوية محمد سماوي ومدير مركز التنبؤات الجوية حسين المومني وخبراء تايلنديين أشرفوا على عملية الاستمطار وقائد الطائرة الرائد بكر الفراية وعدد من الخبراء، جرى تفصيل المعطيات الجوية والاشتراطات المطلوبة المتعلقة بالغيوم والرطوبة والرياح وسرعتها فوق منطقة الحوض الصباب - المساحة من الأرض التي تتقارب وتتجمع فيها المياة السطحية الناتجة عن هطول الأمطار أو ذوبان الثلوج - لسد الملك طلال.
وفي محيط المركز كان فريق من دائرة الارصاد الجوية يعملون على تحضير المواد التي ستحفز الغيوم على هطول المطر وزيادة كمياته، وهي "مواد آمنة بيئيا" كما يقول سماوي.
ولفت إلى أن "نثر مواد كلوريد الكالسيوم والجليد الجاف وملح الطعام واليوريا سيتم على 3 مراحل وعلى ارتفاعات مختلفة تُراوح بين 6 آلاف و10 آلاف قدم".
ويؤكد أن "لا ضرر على الانسان او الحيوان او النبات ولا حتى البيئة من هذه المواد، كونها مواد آمنة ويستخدم بعضها في حياتنا اليومية".
وحض على "عدم الالتفات الى الشائعات والاحاديث السلبية نحو عملية الاستمطار والمعمول بها في السعودية وعُمان والامارات العربية والمغرب العربي منذ سنوات".
وشدد على ضرورة النظر بايجابية الى هذه التجربة ذات الجدوى الاقتصادية الكبيرة، التي يُتوقع مع توالي تنفيذها، أن تزيد المعدل العام للهطول المطري من 15-20 بالمئة.
وتشير الدراسات الاولية الى ان زيادة الامطار بمقدار 5 ملمترات على منطقة تجميع مياه سد الملك طلال فإن مردود الاستمطار سيكون بنحو (2,5) مليون متر مكعب".
حانت ساعة الصفر، انطلقت الطائرة تحمل 14 شخصا من خبراء تايلنديين وأردنيين وطاقم الطائرة، وعدد محدود من الصحفيين، ليشهدوا أول تجربة عملية للاستمطار في المملكة.
وعلى ارتفاعات مختلفة أشرف موظفو دائرة الارصاد الجوية على نثر المواد في عملية استغرقت نحو الساعة ليعودوا بعدها الى مطار ماركا العسكري بانتظار إكمال العملية بناء على رصد عدة مؤشرات تنتهي بنثر مادة اليوريا والثلج الجاف.
وتتيح نتائج التجربة الأولى، التي نفذت الاحد، تنفيذ طلعات جوية أخرى المتوقع ان تكون قريبة جدا.
ويشير سماوي الى ان للمملكة تجربة سابقة مع الاستمطار أجريت في المواسم المطرية منذ 1986 وحتى 1995 وارتفعت كمية الهطول انذاك بين 15 إلى 19 بالمئة.
من جهته يقول المومني أن آلية الاستمطار "لا تقوم على خلق غيوم إنما زيادة الهاطل المطري من غيوم هي موجودة أصلا، ولكنها تعاني من نقص في كثافة أنواع محددة من نوبات التكاثف أو البلورات الجليدية".
ويضيف"قبل ساعات من عملية الاستمطار هناك سلسلة من العمليات تبدأ بالتوقعات الجوية، وحركة الرياح وسرعتها باستخدام نماذج تنبؤ عددية دقيقة للمنطقة، وبدعم من صور الاقمار الصناعية، ناهيك عن خصائص الغيوم المتوقع تشكلها".
في المحصلة، وبغض النظر عن نجاح التجربة او عدمه والمرتبط ارتباطا وثيقا بهطول الامطار فإن المحاولة بحد ذاتها هي إثراء عملي ومعنوي لجهة ضرورة البحث عن مصادر جديدة للمياه يجب طرقها وتجريبها واعتمادها.. "وأن اعملوا..".
الراي