زاد الاردن الاخباري -
التوصية التي حظي بها وزير الداخلية الاردني نايف القاضي قبل انضمامه لفريق الحوار الهام الذي جرى السبت مع وفد المعارضة الاسلامية كانت تقضي بأن يظهر المرونة قدر الامكان ويتجنب اتهام الوفد الاخواني رفيع المستوى واستفزازه مع اظهار ما تيسر من النعومة السياسية .
الهدف من ذلك تجنب التجاذب او ملامح التشنج التي حصلت سابقا بين الحكومة وقادة النقابات المهنية عندما رد الوزير بخشونة على ملاحظات النقباء على امل التمكن من تمهيد الطريق لتفاهمات ميدانية على الاقل اذا كان التفاهم على الانتخابات متعذرا وعلى اساس الخضوع الثنائي لرغبة مؤسسة القصر الملكي وتوجيهاته بخصوص التلاقي ومحاولة التفاهم قبل نحو سبعة اسابيع من يوم الاقتراع.
الطرفان حضرا حوار السبت بتوجيهات سياسية مرجعية على الارجح فالحكومة وجهت بلقاء المعارضة الاسلامية بعد ان رفعت الفيتو مبكرا عن هذا الامر.
والاخوان المسلمون ليسوا في موقع تحمل كلفة تجاهل رسائل الود الملكية التي خاطبتهم مؤخرا ابتداء من جلوس رمزهم الشيخ حمزة منصور على مائدة الافطار الملكية في رمضان وانتهاء بالمحادثة الملكية التي حظي بها الشيخ عبد اللطيف عربيات على هامش لقاء ملكي جماهيري في مسقط رأسه مدينة السلط غربي العاصمة.
والطرفان قرآ لقاء السبت المهم جيدا قبل حصوله ومن زاويتين مختلفتين بطبيعة الحال.. الحكومة وقبل اللقاء بساعات، قالت وعلى لسان مستشارها السياسي سميح المعايطة انها قرأت اللقاء جيدا وتأملت بأن يتجاوز تبليغ المواقف .. والجبهة الاسلامية انشغلت على مدار خمسة ايام في ورشة عمل غرقت في التفاصيل والسيناريوهات الى حد تجهيز صيغ البيانات التي ستصدر حسب بوصلة اللقاء وما يحصل فيه.
مسبقا قرر مطبخ رئيس الحكومة سمير الرفاعي: اذا كانوا ايجابيين سنمطرهم بالكثير من الدبلوماسية والعبارات الناعمة بحيث يتفهمون جدية الحكومة في الرغبة بمشاركتهم في الانتخابات، ومسبقا قرر المطبخ نفسه ان لا تنازلات كبيرة بكل الاحوال الا في بند واحد وهو منظومة النزاهة .. في وقت سابق قال الرفاعي: في مسألة اجراءات النزاهة مستعدون للغرق في التفاصيل اما مسألة تعديل القانون وتأجيل الانتخابات فلا مجال.
ومسبقا قدر المطبخ الاخواني بأن تقاسم التمثيل بين الصقور والحمائم قد يكون التكتيك الاكثر كفاءة فاذا صعدت الحكومة لهجتها يرد الصقور واذا حصل العكس يقود الحمائم المعتدلون زمام المبادرة.. لذلك تقرر تشكيل الوفد اصلا على اساس مقعدين للصقور حظي بهما زكي بني ارشيد وجميل ابو بكر ومقعدين للحمائم جلس عليهما حمزة منصور وارحيل الغرايبة.
خلال اللقاء الذي استمر ثلاث ساعات ظهر الرفاعي ناعما كما لم يحصل من قبل.. لم يختلف مع وفد المشايخ باي قضية طرحها.. اتفق معهم على كل المحاور العامة.. كرر ثلاث مرات رغبته في مشاركتهم بالانتخابات.. تحدث مرتين على الاقل عن مواقع التوافق معهم في التشخيص والحاجة للاصلاح السياسي الحقيقي.. سمح بتمدد اللقاء من ساعة الى ثلاث.. اكثر من المجاملة وامتدح دور الاخوان المسلمين في استقرار البلاد وبناء الوطن.
هذه اللغة الناعمة حسب قيادي اخواني قابلها الاسلاميون بالدبلوماسية الخبيرة للشيخ حمزة منصور الذي يحظى باحترام بالغ حتى داخل مؤسسات القرار والذي تصدى للحديث في اكثر من محور بل قاده احيانا حتى لا تفلت عبارات قاسية او جارحة هنا وهناك تحديدا من الشيخ زكي بني ارشيد الذي يمكن القول انه يدخل مقر رئاسة الوزراء كمحاور على طاولة الحكومة لاول مرة تقريبا.
دبلوماسية منصور ونعومة الرفاعي خففت حتى من الحدة التي توقعها البعض عند المفاوض الاخواني جميل ابو بكر الذي اخفى كلاسيكيات الخطاب الاخواني بعد ان كان قد خرج للتو منهكا من معركته الشخصية بعنوان سحب الجنسية فقبل ايام فقط من حوار السبت كان الرفاعي والوزير القاضي يتدخلان لحل اشكالية تجديد جواز السفر الخاص بأبو بكر حامل البطاقة الصفراء بصفته احد ابناء الضفة الغربية في اعلى هرم التنظيم الاخواني الاردني.
لذلك كانت مداخلة ابو بكر الاكثر قيمة في اللقاء تلك التي طرحت على شكل تساؤل: الوقت داهمنا تنظيميا ونحن محشورون ولا يوجد مزيد من الوقت حتى نعود للقواعد ونقنعها بتغيير موقفها من مقاطعة الانتخابات.
بكل الاحوال عالج الوفد الوزاري ابو بكر بحلول مقترحة لاشكالية ضغط الوقت من بينها المشاركة الجزئية في الانتخابات وبدا هنا ان الحكومة تحفظ درسها جيدا فعملية التفاوض بين الطرفين سارت في اتجاهات هادئة وايجابية على حد تعبير المعايطة والاهم انها لا زالت مفتوحة بعد الاتفاق على ذلك كما صرح بني ارشيد بعد اللقاء او ان كل الخيارات مفتوحة لمصلحة المواطنين كما صرح الشيخ ارحيل الغريبة المفاوض الاخواني الاعنف تأييدا للمقاطعة بعد الخذلان الذي اصابه عام 2007.
في المساء حظي الغرايبة باطلالة نادرة على شاشة تلفزيون الحكومة اشار فيها لان الحكومة لم تعط الوفد شيئا ملموسا يمكن العودة به لتعديل مزاج القواعد التي صوتت للمقاطعة.. الجديد هنا تم بث هذا الكلام في استديو الاخبار الرسمية وبرز بان الشيخ الغرايبة يلفت نظر الحكومة ضمنيا قائلا اعطونا شيئا ينزلنا عن شجرة المقاطعة .
انتهى حوار السبت اذاً باحتفالية في الاعلام الرسمي وبعناق سياسي بين الجانبين رغم ان الحكومة أخفقت بمحاولة اقناع الاخوان بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية المقررة في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. وأكد أعضاء جبهة العمل الإسلامي المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين أنهم سيقاطعون الانتخابات ما لم تجر وفقا لقانون انتخابات جديد. ونقلت وكالة الانباء الالمانية عن حمزة منصور، الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي، قوله إن الحوار كان إيجابيا، لكن ما عرضته الحكومة لم يرق لمطالبنا . وأضاف سنتمسك بتوجهنا بإجراء الانتخابات وفقا لقانون انتخابات جديد يحظى بتوافق وطني، وإلا لن يكون بإمكاننا المشاركة في العملية الانتخابية .
الاهم ان الحكومة حققت الحد الادنى الذي تريده.. خففت حدة الاحتقان بصفوف الاسلاميين.. اسست معهم علاقة.. جلست مع رموزهم الذين خاصمتهم الحكومات السابقة.. فتحت معهم خطوط اتصال جديدة وظهرت كحكومة ناعمة ومرنة.
هذا الوضع يسمح لاحقا للحكومة بأن تطالب الاسلاميين بالحد الادنى وفقا للمعادلة التالية: حسنا لا تريدون المشاركة بعرس الانتخابات هذا شأنكم لكن نرجوكم لا تقوموا بتحريض الناس على المقاطعة ولا تستخدموا المساجد ومؤسساتكم في السياق.
الحد الادنى بالنسبة للاخوان وفي اسوأ الاحوال تحقق ايضا وفقا للمعادلة التالية: ظهر اننا الطرف الاهم في الشارع سياسيا وانتخابيا.. تفاهمنا على مقاطعة الانتخابات بدون ضجيج اذا تعذر علينا الاستدراك.. لدينا ملفات عالقة عندكم.. نتوقع مرحلة لاحقة من الهدوء ووقف الاستهداف والى حد ما المكافأة ما دمنا التزمنا بمتطلبات الحوار وسنتحاور لاحقا. اذاً اهم في حوار السبت ان الجميع خرج منها مقتنعا وراضيا.. او هكذا يخيل للطرفين.
بسام البدارين - القدس العربي