زاد الاردن الاخباري -
المنطقة الاكثر حساسية في لعبة "عض الاصابع" السياسية المتواصلة بين الحكومة الاردنية وجماعة الاخوان المسلمين عشية الانتخابات العامة تتمثل في نقطة الدهاء السياسي الاخواني التي تركز على خطاب الاصلاح السياسي، فتكتيك وفد الاخوان المسلمين خلال جولة التفاوض الاخيرة مع الحكومة استخدم مسألة الاصلاح السياسي كورقة مركزية ورابحة.
وبعد اللقاء التفاوضي مع رئيس الوزراء سمير الرفاعي وطاقمه اغرق قادة الاخوان الساحة الاعلامية ببيانات وخطابات وتصريحات ترفع شعار غياب الاصلاح السياسي وشملت العملية صقور الجماعة وحمائمها في نفس الوقت بحيث يبدو المشهد ان الحركة الاخوانية هي راعية ورائدة المطالبة بالاصلاح السياسي في مواجهة مؤسسة قرار لا تريد هذا النمط من الاصلاح او على الاقل تماطل في مستلزماته واستحقاقاته.
ومن المرجح ان مربع صناع القرار الضيق يتابع بحرص لغة ومفردات الاصلاح السياسي التي يتبناها رموز الحركة الاسلامية وسط انطباع لا يخفيه بعض المسؤولين والسياسيين بأن لعبة التفاوض في مقر رسمي وعلى موضوع محلي بحت يتعلق بالانتخابات الاردنية لكن خيوط اللعبة برمتها موقتة على البوصلة الامريكية اولا ثم الاوروبية لاحقا.
من هنا يعتقد رسميا بأن قادة الاخوان المسلمين يستعيرون مفردات الاصلاح السياسي في خطابهم وادبياتهم حتى عندما تكون "امريكية" لتحسين وضعهم التفاوضي وسط حالة قلق رسمية من ان تقتنع قوى مهمة في الخارج تهتم جدا بالانتخابات الاردنية بأن الدولة الاردنية لا تريد اصلاحات سياسية وانتخابية جذرية بينما يريدها المعارضون الاسلاميون.
ومن هنا يؤكد المستشار السياسي للحكومة سميح المعايطة بان حزب جبهة العمل الاسلامي ركز في حوار السبت الماضي على ملف الاصلاح السياسي، مشيرا الى ان الحكومة توافقت مع الحزب على الجملة الاكبر في تشخيص الوضع العام.
وفكرة هذا الانطباع في المطبخ الرسمي ان الاخوان المسلمين يستشعرون مستوى وحجم الضغط الامريكي "الاصلاحي" في معادلة قانون الانتخاب الاردنية، وهم بهذا المعنى يدركون اهميتهم الميدانية في لعبة الانتخابات ويعلمون مسبقا بان المؤسسات الوطنية المرجعية هي التي تضغط على الحكومة لضمان مشاركتهم في الانتخابات المقبلة، لكن قرار المشايخ حتى الآن هو "التمنع" رغم وجود رغبة بالنزول عن شجرة مقاطعة الانتخابات.
وتكتيك التمنع الذي يمكن رصده من تعليقات رموز الاخوان مثل زكي بني ارشيد وارحيل الغرايبة وحتى حمزة منصور من بين الذين فاوضوا الرفاعي يشكل برأي المحلل السياسي المتخصص بالانتخابات مصطفى عياد الورقة التكتيكية الاهم بيد الاخوان على هامش لعبة عض الاصابع التي يخوضها الاسلاميون وهم يرددون على موجتهم الحزبية والاعلامية بكثافة اغنية الاصلاح السياسي. يقابلها في يد الحكومة سلسلة اوراق "محلية " الطابع تتعلق بالوضع الداخلي المحتقن في التيار الاسلامي ومستوى الصراعات بين بعض اجنحته وظهور مؤشرات "شخصنة" المواقف السياسية وسيطرة الحكومة على المؤسسة الاخوانية الاهم وهي جمعية المركز الاسلامي التي تشكل العصب الحيوي لامبراطورية الجماعة الاخوانية الخيرية في الشارع الاردني.
والمشهد الآن صراعي بين الجانبين ويمكن ببساطة تلمس مواطن عض الاصابع التي يتخللها تبادل مشترك للنوايا الطيبة والمجاملات اللفظية غرقت فيها ساحة الاعلام دون التوصل الى تفاهم محدد بعد.
ويعتقد على نطاق واسع سياسيا ان الحركة الاخوانية تخطط لتجاوز مأزق التوقيت تنظيميا باقناع دوائر صناعة القرار بتأجيل الانتخابات ولو لعدة اشهر تحت عنوان البحث مجددا في حوار وطني على قانون الانتخاب وهو مطلب تحدث عنه بصورة مباشرة خلال المفاوضات الشيخ حمزة منصور والقيادي الاخواني البارز جميل ابو بكر.
موقف الرفاعي كان الاعتذار عن تلبية المطلبين والاصرار على عدم تأجيل الانتخابات لكن في وسط النخبة السياسية ثمة اقاويل عن صراع رسمي بين فكرتين تقول الاولى بالضغط على الاخوان المسلمين للمشاركة في الانتخابات.
وتحتمل الثانية مطلب التأجيل لانضاج الفكرة اكثر وبشكل ينهي حالة "التمنع" الاخوانية ويحقق هدفا اكثر عمقا في المجالين الاستراتيجي والامني وهو باختصار خطف ملف لغة الاصلاح السياسي من يدي الاخوان المسلمين وعدم السماح لهم بأن يظهروا امام الشارع الداخلي والاهم الشارع الخارجي وتحديدا الامريكي بمظهر دعاة الاصلاح ورواده.
المرجح ان دوائر القرار السياسي مهتمة جدا هذه الايام بأن لا يسمح للاسلاميين بخطف ملف الاصلاح السياسي وثمة من يتحدث عن ضرورة ذلك بأي ثمن او كلفة سياسية او انتخابية لكن المشكلة تكمن في تفصيل صغير جدا قوامه التوصل لقناعة بان اللعبة الساذجة في انتخابات 2007 هي التي ورطت الجميع بالاستحقاق الحالي عام 2010.
ثمة تفصيل اخر لا يقل اهمية فقد تكرست وقائع على الارض ضد منهجية حقيقية للاصلاح السياسي والرد المتاح على الاخوان المسلمين لمنعهم من استثمار خطابهم الاصلاحي بالخارج تحديدا يتطلب بعض التكاليف وخطوات حرجة اصلاحيا لا وقت لها ولم تتقرر بقناعة الدولة وستثير عاصفة من التداعيات لو تقررت... هذا حصريا المأزق الخطير الذي تسببت به عمليات العبث والتزوير الغريبة عام 2007.
بسام البدارين- القدس العربي