منذ أن عرف الإنسان أنماط الحكم المختلفة، وجدت الايجابيات والسلبيات لكل نظام من خلال التجارب والسنوات التي طبق فيها.
ولعل خلفيات الشعوب الثقافية هي من اوجد الاختلاف والتوافق في مبدأ القبول أو الرفض, ومع وجود قيم متجذرة في حياة الشعوب لا تستطيع أي دولة أو أي نظام تجاوزها وأهمها الدين والتعاليم السماوية.
والتي تحول بعضها في الوقت الراهن إلى حلبات من الصراع الدموي بشكل اوجد سياسة فوضوية في بعض البلدان، أو نظام يجمع بين الدين والسياسة معا. ونظام يفصل الدين عن السياسة.
ما مدى انسجام فكرة الدولة المدنية مع العناصر السابقة؟ جاءت الفكرة من إيجاد الدولة المدنية من حالة التسلط والسيطرة بجميع أشكالها والتي تؤثر على حياة الفرد بشكل سلبي وتقوم على فكرة سيطرة الأقوى والبقاء له أي من فكرة شريعة الغاب إذا جاز لي التعبير.
فبرز مفهوم في أفكار بعض الساسة مستمد من مطالب الجماهير ينادي بمبدأ أن يتساوى الناس جميعهم في الحقوق والواجبات بعيدا عن الحالة التي تحكمها مشاعر القوة والغضب والسيطرة وان يكون الحكم للشعب بطريقة ديمقراطية، ويكون أبناء الشعب فيها متساوين في الحقوق، ولا يكون فيها الحكم لرجال الدين أو للعسكر.
فالدولة المدنية عبارة عن مكونات سياسية وقانونية لا تخضع لتأثير القوى والنزعات الفردية أو المذهبية في الدولة، وتستطيع أن تنظم الحياة العامة وتطبق القانون على الجميع.
ولكن ما موقف الدولة المدنية من الديانات السماوية وتعليمها في شؤون الحياة المختلفة؟
إذا أردنا النظر للدولة المدنية بمفهومها الخاص فهي إما غير دينية أو منسجمة دينيا. فإذا أردناها لا دينية فهي ابعد قليلا من العلمانية في نظرتها للدين، وتدعوا إلى فصل تام للدين عن الحياة العامة في الدولة، وهذا أمر لا يقبله العديد من الناس لارتباط حياتهم بالدين ومبدأ الثواب والعقاب الرباني. هكذا تم تصوير الدولة المدنية من بعض الجماعات الدينية والتي اعتبرت سلطة أمير الجماعة وتعاليمه أعلى من سلطة الحاكم العام.
وإذا أردناها منسجمة مع الدين عندها نستطيع بثقافتنا ومبادئنا الدينية تغير مبدأ الخلط في التفكير بمدنية الدولة، فالدولة المدنية بأمس الحاجة إلى الدين وتعاليمه فالدين هو العامل الأساس في بناء قيم الأخلاق في الدولة مما يساهم بشكل كبير في تقدم الدولة والأفراد في الحياة اليومية فالسياسي بحاجة إلى الدين والمواطن العادي لا يستطيع الاستغناء عنه ولكن المقصود هنا أن ألا تجتمع السلطتان السياسية والدينية في قبضة رجل واحد حتى لا يتحول إلى شخص فوق القانون وفوق المحاسبة. ولكن في بعض الدول والأحزاب التي تعتبر المرشد أو الشيخ أعلى سلطة من حاكم الدولة تأخذ من الديمقراطية (عماد الدولة المدنية) آلية للوصول للحكم ثم تستغني عنها وتتبع نظاما أخر فتكون سلطة سياسية ودينية معا.
عندما نقول بان الإنسان بطبعه مدني نعني بذلك في الوقت الراهن بان الإنسان بحاجة إلى نظام سياسي يكفل الفرص والتساوي للجميع، وبحاجة إلى وقانون يطبق على الجميع، وبحاجة إلى تعاليم دينية تكسب الفرد أخلاق وقيم مبادئ مصونة من قبل النظام السياسي ويحميها القانون.
فالدولة المدنية إذا ما تم مأسستها بشكل منسجم مع ثقافة الدولة أصبحت مطلبا مهما لتطبيق النظام على الجميع وتتساوى الفرص وتنعدم عملية التعامل مع الناس وفق مبادئ الجهل والتسلط. فصبح الدولة المدنية نظام ودين وحياة. فالنظام يحمي الدين ويحترم التعدد والدين ينظم الحياة.