زاد الاردن الاخباري -
لا احد سياسيا ورسميا في العاصمة الاردنية عمان يعرف بصورة محددة كيف يمكن "ادخال" الاسلاميين في اطار لعبة الانتخابات قبل اقل من ثمانية اسابيع على يوم الاقتراع وبدون تقديم تنازلات جوهرية وجذرية لحركة الاخوان المسلمين. لكن المفارقة ان الجميع سياسيا ورسميا يتلمس يوميا الرغبة الجامحة على مستوى صناعة القرار بأن يشارك الاسلاميون في هذه الانتخابات وبأي صيغة ممكنة، فيما يسترسل التيار الاخواني بلعبة "التمنع" لليوم الرابع على التوالي بعد الحوار مع رئيس الحكومة سمير الرفاعي. هذا الاسترسال اصبح بحد ذاته لعبة الاخوان المسلمين المفضلة، فصباح امس الثلاثاء فاجأت الجماعة الاخوانية المراقبين باعلان على موقعها الالكترونية يقول بأن الاجتماع المقبل لمجلس شورى الجماعة والذي سيحصل غدا الخميس لا يوجد على جدول اعماله بند مخصص لمقاطعة الانتخابات. الناطق باسم الجماعة الشيخ جميل ابو بكر قرر تعقيد الموقف اكثر باشارته الى ان مسألة المقاطعة "قد تبحث" على هامش اجتماع التقرير السياسي في الاجتماعات المقبلة للشورى. بطبعية الحال يمكن وضع عشرات الخطوط تحت كلمة "قد" خصوصا وان الشيخ ابو بكر زاد قائلا: الاسباب التي دعت للمقاطعة ما زالت قائمة وما يهمنا حصريا هو الاصلاح السياسي الذي ينبغي ان يبدأ باصلاح قانون الانتخاب. لا يوجد الا معنى واحد لذلك، وهو ان الاسلاميين ليسوا بصدد اتخاذ قرار بالمشاركة او حتى مناقشة اعادة النظر بالمقاطعة خلال الايام العشرة المقبلة مما يساعد في "تبخر" امال الحكومة وحتى مؤسسات القرار في تعديل الموقف. الغريب هنا ان موقف الاسلاميين التكتيكي يتحالف تماما مع موقف القوى التي ترى مصلحتها في منع حكومة الرفاعي من اجراء انتخابات "جيدة" ان لم تكن ممتازة رغم ان هذه القوى هي المسؤولة عمليا عن استهداف الاسلاميين في انتخابات 2007 وبالتالي تشكيل موقف سلبي تماما لديهم بعدما قامت القوى نفسها بتزوير الانتخابات ضد مرشحي التيار الاسلامي المعتدلين حصريا مثل ارحيل الغرايبة وعبد اللطيف عربيات. ورغم توفر ارادة سياسية عليا هذه المرة برؤية الاسلاميين في البرلمان القادم الا ان مؤسسات القرار وحتى الآن داخل الحكومة وخارجها لا تجد الوسيلة الافضل لتحقيق ذلك بدون تحقيق اصعب شرطين طرحهما الاخوان المسلمون وهما تغيير قانون الانتخاب واعادة جمعيتهم الام التي اخترقتها بعد حلها حكومة سابقة. هل يؤشر ذلك على ضعف الفريق السياسي الذي ادار المفاوضات مع الاسلاميين، ام على سلسلة من التخبط في ادارة الملفات السياسية مؤسسة على مرحلة 2007؟. سؤال مطروح بقوة داخل مستويات القرار السياسي في البلاد لكن الاجابة مرهونة فيما يبدو بمستويات اعمق قليلا في لعبة الصراع والتجاذب حتى داخل نخب القرار ومؤسساته. ومن الواضح ان التجاذبات التي استهدفت شخصيات اساسية في ادارة الحكم عام 2007 اصبحت ظاهرة من الصعب احتوائها داخل المؤسسة عموما، فالبعض يرى ان حكومة الرفاعي مستهدفة من الداخل والخارج وان حلقات الحكم الاخرى لا تتعاون معها علما بأن بعض حلقات الوزارة نفسها اما معطلة لا تعمل بالكفاءة المطلوبة واو تساهم في انتاج الشغب على تجربة وزارة الرفاعي. هذا الوضع العام المربك هو الذي يحبط مشروع الانتخابات النزيهة بعدما ادركت بل اعترفت المؤسسة نفسها ضمنيا بأن تكرار انتخابات 2007 ينطوي على جنون رسمي وان الحاجة ملحة لانتخابات نظيفة حتى لا يقع ملف الاصلاح السياسي بين يدي المعارضة فقط مما يفسر الاهتمام الرفيع بعودة الاسلاميين عن مقاطعة الانتخابات. رغم كل ذلك لا زالت مسألة اعادة الاسلاميين لاحضان اللعبة المألوفة منذ عقود هي المسألة الاكثر اهمية مرحليا علما بأن عدم وجود "وصفة جاهزة" او منتجة للسياق يؤشر على ضعف الخيارات الاستراتيجية التي وضعت بين يدي صانع القرار والتركيز على خيارات احادية دوما فيما يتعلق بالملفات والقضايا المهمة. ولم يعد سرا بالتوازي بان هذه الخيارات الاحادية فرضت عدة مرات وفي عدة مسارات على صاحب القرار المؤسسي من قبل نخب ورموز تبين لاحقا انها تعمل لصالح اجندات شخصية وهي عملية نتج عنها عدة انهيارات منذ عام 2007 سببها الرئيسي انحياز النخب التي اتيحت لها فرصة الحكم والادارة منذ ذلك الوقت للاستعانة بأدوات وشخصيات "اضعف منها" دوما لكي تضمن البقاء لاطول فترة ممكنة وعلى حساب النظام. هذا الامر انتهى باقصاء وابعاد شخصيات وطنية مؤثرة تكنوقراطيا واجتماعيا عن حلقات الحكم والقرار فانتشرت الفوضى الحالية بالمستوى السياسي بحيث اصبحت المؤسسة وليس فقط الحكومة عاجزة عن ابتكار وصفة تنجح في اعادة رجلين فقط مغرقين في الاعتدال ويعتبران نفسيهما من حلقات النظام او "السيستم"على حد تعبير طاهر المصري في التيار الاسلامي لحلبة اللعبة القديمة هما الغرايبة وعربيات. القدس العربي