تزامناً مع استمرار ما يسمى بـ المجموعة الدولية لدعم سورية باجتماعاتها حول سورية وتركيزها على تسهيل إيصال المساعدات دون تحديد موعد جديد لاستئناف المحادثات السياسية .. بدا واضحآ بهذه الجولة من جولات فيينا حجم الخلاف الروسي – الامريكي حول المراحل المستقبلية المطلوب تنفيذها بسبيل أنهاء الحرب على الدولة السورية ،ولهذا تسود حالة من التشاؤم في خصوص الجدوى من عقد هذه المؤتمرات، وبرغم زحمة هذه المؤتمرات نستنتج من تجارب ودروس التاريخ أن جميع هذه المؤتمرات لا يمكن التعويل عليها، كنافذة للخروج من تداعيات الحرب على سورية، والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم وبقوة: ماذا بعد كل هذه المؤتمرات؟ وماذا استفاد السوريون الذين هم في وسط هذه الحرب ويتحمّلون كلّ تداعياتها من هذه المؤتمرات؟.
ومن خلال استعراض اللقاءات والمؤتمرات التي عقدت، في هذا الإطار، نجد أنّ كلّ ما قامت به هو إشباع الإعلام بالصور النادرة عن نجاحات الدول الوسيطة في التفاوض وعن فرص للتقدّم المأمول، وهذا ما جرى ترويجه للإعلام من خلال مؤتمر «فيينا 2» الأخير، مع أنّ تلك الدول جميعها تدرك أنّ الوصول الى نتائج فعلية ليس ممكناً في هذه المرحلة، وفي حال التوصل الى حلّ ما فإنه سيكون مرحلياً، أو خطوة في طريق طويل صعب ومعقد، ستبقي سورية في معمودية النار حتى وقت غير محدّد.
تعلّمنا من التاريخ دروساً بأن أزمات دولية – إقليمية محلية مركبة الأهداف، كالحرب التي تدار حالياً ضدّ سورية، لا يمكن الوصول الى نتائج نهائية لها بسهولة، لأنها كرة نار متدحرجة قد تتحوّل في أيّ وقت الى انفجار إقليمي، وحينها لا يمكن ضبط تدحرجها أو على الأقلّ التحكم بمسارها، فالحلول والتسويات تخضع للكثير من التجاذبات والأخذ والردّ قبل وصول الأطراف الرئيسية المعنية الى قناعة شاملة بضرورة وقف الحرب، وفي هذه الحال، لا يمكن التوصل الى حل في المدى المنظور، ما لم تنضج ظروف التسويات الإقليمية والدولية.
اليوم هناك أحاديث تدور بمجموعها حول تفاهمات لقوى دولية هدفها الربط بين مقررات «جنيف 1» وبنود مؤتمر «فيينا 2»، الواضح أنّ هذا الحديث وهذا الربط هو مدعاة للسخرية فمؤتمر «جنيف 1» كان شاهداً على مهزلة سياسية وأخلاقية، حيث اتضح أنّ المطلوب، من وجهة نظر المعارضة الخارجية الممثلة بما يسمّى الائتلاف وداعميها، هو تسليمها السلطة، وكان مؤتمر «جنيف 1»، بفصوله كاملة، شاهداً على طريقة تعامل الأمم المتحدة والموفدين الدوليين من كوفي عنان الى الأخضر الإبراهيمي الى استيفان دي ميستورا مع فصول الحرب على الدولة السورية، جنيف بكل فصوله «كان امتحاناً لمؤسسة الأمم المتحدة، والدول الداعمة للإرهاب على أرض سورية لكشف نواياهم الحقيقية وأهدافهم من عقد هذه المؤتمرات بفصولها المختلفة، وتدرك تلك الدول أن أي تسوية فعلية للحرب على الدولة السورية يجب أن تعكس أولاً تفاهماتها على مجموعة من الملفات، وبعد وصولها الى تسويات حقيقية، عندها يتم الحديث عن إمكانية وضع إطار تفاهمي لإنهاء مسارات الحرب على الدولة السورية.
ختاماً، من الواضح أن جميع المعطيات الإقليمية والدولية في هذه المرحلة، تشير الى تصعيد واضح بين الفرقاء الإقليميين والدوليين، خصوصاً بعد التدخل الروسي لمواجهة الإرهاب المتمدد في المنطقة، تزامناً مع حديث حلف واشنطن عن تصعيد وتيرة دعمه للمجاميع المسلحة في سورية، وهذا بدوره سيؤدي الى المزيد من تدهور الوضع في سورية وتدهور أمن المنطقة ككل، وهذا ما تعيه الدولة السورية، فمجموعات القتل المتنقلة في سورية ما زالت تمارس علانية القتل والتخريب التدمير كما جرى مؤخرآ ببلدات ومدن سورية مختلفة “الزارة ودير الزور وغيرها “، ولدى المنظمات الدولية، بما فيها المنظمات التابعة للأمم المتحدة، أدلة كثيرة وموثقة على عمليات القتل والتعذيب والتخريب التي تقوم بها العصابات الإرهابية، ولهذا تستمر عمليات الجيش العربي السوري على الأرض، لأن الحل في النهاية هو بالميدان السوري، وكلما يقوم الجيش العربي السوري وبدعم من حلفائه لتحرير جزء من الجغرافيا السورية المحتلة من قبل العصابات الارهابية العابرة للقارات وداعميها، كلما دفع ذلك الدول الشريكة بالحرب على سورية الى التراجع بمواقفها المعادية للدولة السورية، فاليوم لا يمكن التعويل على مؤتمرات «غامضة» لإنهاء الحرب على سورية بقدر التعويل والرهان الكامل على جهود الجيش العربي السوري بالميدان لحسم هذه الحرب على الأرض .
*كاتب وناشط سياسي – الأردن
hesham.habeshan@yahoo.com