في الوقت الذي عادت فيه الدولة المصرية لتعيش مجدّداً في أجواء الفوضى،تزامنآ مع تأكيد نظرية "الهجوم الارهابي".. في تفجير الطائرة المصرية وخصوصآ بعد العثور على حطام طائرة الخطوط الجوية المصرية جنوب جزيرة كريت اليونانية؟ يبدو واضحآ أن الدولة المصرية تعيش في واقعٍ فوضوي،لم يتوقف عند حدود تفجير الطائرات "المدنية " ولاعند عمليات ممنهجة عدّة ضدّ الجيش المصري في سيناء، وضدّ بعض القضاة والساسة وأجهزة الأمن المصرية في مدنٍ مصرية مختلفة.
ففي الوقت الذي تعيش فيه مصر إطاراً فوضوياً هنا في هذه المرحلة يمكن القول إنّ مصر ، قد دخلت في مرحلة أكثر صعوبة من كلّ المراحل السابقة، فالتحديات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية والثقافية تلقي بظلالها اليوم على مصر .
وعلى غرار ما يجري ويستهدف سورية وليبيا والعراق، انطلقت من جديد حرب استنزاف جديدة، تستهدف مصر الدولة، وبكلّ أركانها، ومع ظهور علامات ومؤشرات واضحة على مشروعٍ واضح، يسعى لإسقاط مصر في جحيم الفوضى، وذلك من خلال إسقاط مفاهيم الفوضى بكلّ تجلياتها المأساوية على الحالة المصرية، كاستنساخٍ عن التجربة العراقية ـ السورية ـ الليبية، لتكون هي النواة الأولى لإسقاط مصر، تحديداً في جحيم هذه الفوضى.
وهنا لنعترف جميعاً، بأنّ استراتيجية الحرب التي تنتهجها بعض القوى الدولية والإقليمية على الدولة المصرية ، ومن خلف الكواليس بدأت تفرض واقعاً جديداً، وإيقاعاً جديداً لطريقة عملها ومخطط سيرها، فلا مجال هنا للحديث عن الحلول السياسية أو الأمنية أو الاقتصادية، الخ… للأزمة المصرية ، فما يجري الآن على الأرض المصرية تحديداً ما هو إلا حرب استنزاف لمصر ودور مصر في المنطقة، وقوة مصر ومكانتها العسكرية والإقليمية، وتضارب مصالحها القومية التاريخية، مع قوى تحالف التآمر على مصر.
فاليوم هناك حقائق موثقة في هذه المرحلة تحديداً، تقول إنّ الدولة المصرية بكلّ أركانها تعصف بها عاصفةٌ إرهابية هوجاء، وهذه الحقائق نفسها تقول إنّ هنالك اليوم ما بين 17 إلى 19 ألف مسلّحٍ راديكالي مصري وغربي وشرق آسيوي وشمال أفريقي، ومن نجد والحجاز وغيرها من البلدان والمنظمات المتطرّفة، يقاتلون بشكل كيانات مستقلة «داعش وفرعها أنصار بيت المقدس»، داخل مصر في سيناء وما حولها، وفي بعض الدول العربية وشمال أفريقيا في ليبيا وتشاد وغيرها من الدول، وهؤلاء بمجموعهم هدفهم الأول والأخير هو مصر، وما حوادث سيناء الأخيرة، وقبلها الكثير من الحوادث إلا رسالة أولى من هذه المجاميع المتطرفة المدعومة صهيونياً وغربياً ومن بعض المتأسلمين الى مصر، بأنهم قادرون على إيذاء مصر بكلّ أركانها، وأنّ حرب مصر مع هؤلاء، هي حرب طويلة ولن تقف عند حدود سيناء، ولن تنتهي عند حدود ليبيا وتشاد.
ونفس هذه الحقائق تقول إنّ هنالك اليوم آلاف المسلّحين في مصر يقاتلون الجيش المصري داخل مصر، فأدوات الحرب المذكورة أعلاه، كادت بفترةٍ ما أن تنجح بأن تسقط الدولة المصرية في أتون الفوضى العارمة.
وهذا يحتاج اليوم إلى يقظة من كلّ أركان الدولة المصرية، لإيقاف مسار هذه الحرب «الخفية» التي تستهدف مصر اليوم ومعظم مناطق المغرب العربي»، مع أنّ هنالك بعض القوى السياسية والفكرية والمجتمعية في مصر، قد أدركت مبكراً، حجم الخطورة المتولّدة عن هذه الحرب، وتنبّهت مبكراً إلى خطورة ما هو آتٍ، وبدأت العمل مبكراً على نهج سياسي سليم للتصدّي لهذه الحرب المتعدّدة الأشكال والفصول، ولكن للأسف بتلك الفترة والى الآن، برزت الى الواجهة، فئات من المسيّسين، استغلت هذا الظرف الصعب من عمر الدولة المصرية ، والتقت أهدافها وحقدها وكراهيتها مع أهداف وحقد وكراهية أعداء مصر ، سعياً إلى تدميرها وتخريبها، ونشر فكر الإرهاب والقتل والتدمير في الداخل المصري.
كلّ ما تحدثنا عنه من تحدّيات أمنية تستهدف مصر، اليوم لا يمكن وضع حلول ملموسة لها وخصوصاً لما يجري في الداخل المصري، من دون بناء مسار تكاملي في البنية السياسية المصرية، وهذا ما يعني البدء بتطبيق مسار فعلي لديمقراطية يكون أساسها الشراكة الوطنية، لبناء مشروع متكامل نهضوي، يخدم طبيعة المرحلة ويغلق كلّ الأبواب أمام كلّ المشاريع التآمرية والمعادية التي تستهدف الدولة المصرية، وهذا للأسف ما زال كلاماً عابراً ومجرّد شعارات لا نرى تطبيقاً لها على أرض الواقع.
ختاماً، إنّ هذه الحقائق بمجموعها للأسف، ومع صعوبة الوضع الاقتصادي للدولة المصرية، يطرح مجموعة تكهّنات لمستقبل الدولة المصرية، وخصوصاً إذا علمنا أنّ مصر تحديداً، موضوعة على سلّم أولويات التقسيم في المنطقة العربية، وهذا ما يؤكد أنّ مصر تنتظرها في المقبل من الأيام، صعوبات وتحديات جمّة ولحظات مصيرية وحاسمة.
هشام الهبيشان