زاد الاردن الاخباري -
ديما محبوبه- إن كان نزار قباني دخل عالم الحزن من باب الحب كما يقول "علمني حبك أن أحزن"، فإن آخرين قد يدخلونه من أبواب أخرى.
والمهم أنه ما إن يدخل المرء في فلك الحزن، حتى تتنازعه طرق تفكير سلبية، وينخرط في مراحل متعددة من الاكتئاب واليأس. غير أن دراسة أجريت في أستراليا، مؤخرا، كشفت أن الحزن يجعل الناس أقل عرضة للانخداع، ويزيد من قدرتهم على الحكم على الآخرين، كما يقوي الذاكرة.
وتظهر الدراسة، التي أشرف عليها أستاذ علم النفس في جامعة نيو ساوث ويلز جوزيف فورغاس "أن الناس الذين يعانون من المزاج السلبي، يكونون أكثر قدرة على النظر بعين ناقدة في البيئة المحيطة بهم، مقارنة بالسعداء الذين يميلون عادة لتصديق كل ما يسمعونه".
وتكشف الأربعينية ريما عن تجربتها الشخصية مع الحزن، وما ولد فيها من طاقات مكنونة لم تكن تعلمها قبل ذلك.
وتستذكر أنها قبل عشرة أعوام، اكتشف أنها مصابة بمرض "التصلب اللويحي"، ما جعل حياتها تنقلب رأسا على عقب، وتنهار، خصوصا أنها في تلك الأيام فقدت نعمة المشي، وعقب العديد من العلاجات التي أجريت لها في الخارج، استعادت قدرتها على المشي.
وتقول ريما إن "المصاب بهذا المرض يخضع، أيضا، لعلاج نفسي في الدول الغربية، وفي تلك الفترة كنت أشعر بحزن عميق واكتئاب شديد، لكن بعد عدة جلسات، أصبحت راغبة بالخروج من حالتي الصعبة، فطلبت أوراقا وألوانا ورحت أرسم".
واليوم، عادت ريما إلى بلدها، حاملة لقب "فنانة"، ونظمت العديد من المعارض، وأصبحت مسؤولة عن جمعية تهتم بالمعوقين.
ولم تكن ريما وحدها التي عانت من الحزن الشديد، فالثلاثينية هلا، والتي تعمل اليوم مديرة في إحدى المنظمات غير الربحية، تستذكر مشوارها مع الحزن، فتقول "كنت في التوجيهي حين توفي والدي، فدخلت في مرحلة حزن عميق، خصوصا أنني شعرت بأنني أنا من كان سببا في وفاته".
وتوضح السبب بقولها إنها أرادت أن يوصلها إلى إحدى زميلاتها، لكنهما تعرضا لحادث سير، فتوفي والدها ونجت هي.
وهذا الحزن أقعدها لعامين في المنزل، غير أنها أعادت التفكير في موضوع دراستها، وارتأت أن "روح والدها ستفرح بها بعد إتمام دراستها، إذ لطالما تمنى أن تكون ابنته جامعية ويفخر بها".
وتؤكد هلا أن بوسع الحزن أن يقلب حياة الشخص إلى الأفضل، في حال التفكير ببعض الطرق الإيجابية، فهي أكملت دراسة الماجستير في مجال حقوق الإنسان، وتسعى الآن لتقديم رسالة الدكتوراة.
أما الباحث فورغاس فيقول "في حين يعزز المزاج الإيجابي، فيما يبدو، القدرة على الإبداع والمرونة والتعاون، والاعتماد على البديهيات العقلية، يزيد المزاج السلبي من القدرة على التفكير المتيقظ، الحذر، وإيلاء انتباه أكبر للعالم الخارجي".
ويضيف أن البحث توصل إلى أن الحزن "يعزز استراتيجيات معالجة المعلومات الأكثر ملاءمة للتعامل مع المواقف الأشد إلحاحا"، ومن إحدى التجارب التي أجراها، استحداث شعور الحزن أو السعادة، عن طريق مشاهدة أفلام أو تذكر أحداث إيجابية أو سلبية. وفي إحدى التجارب، طلب من المشاركين الحكم على أساطير وشائعات، ووجد أن الأشخاص الذين يعانون من حالة مزاجية سلبية أقل تصديقا لهذه الروايات.
كما اكتشف، أن هؤلاء كانوا أقل اتخاذا للقرارات السريعة المبنية على أساس عنصري أو ديني، كما كانوا أقل خطأ في تذكر الأحداث.
ووجدت الدراسة أيضا أن من يعانون من مشاعر الحزن، كانوا أفضل في وصف حالتهم كتابة، وهو الأمر الذي قال فورغاس، إنه يظهر أن "المزاج السلبي، إلى حد ما، قد يعزز فعلا أسلوب اتصال أكثر واقعية وتفاعلا، وفي النهاية أكثر نجاحا".
وكتب فورغاس "المزاج الإيجابي، على إطلاقه، غير مرغوب فيه.. فذوو المزاج السلبي أقل عرضة للخطأ في الحكم على الآخرين، وأكثر مقاومة لاختلال الذاكرة، كما أنهم أفضل في توجيه رسائل مقنعة".
بدوره، يبين اختصاصي علم النفس د. محمد حباشنة، أن الحزن وحده ليس من يقوي الشخص، بل إن أي تجربة تحمل مشاعر إنسانية، مرشحة أن يتقبلها العقل ويعتبرها تجربة مثرية، أو أن يلفظها ويعتبرها تجربة معقدة، وهناك تجارب فردية مع الحزن والصدمات.
ويشير إلى أن أي تجربة حياتية، مهما كانت مريرة، يجب أن تعد خبرة إضافية للشخص، وأن يحفظها على هيئة "تغذية راجعة"، تزيد من أدواته على التأقلم، و"تفتح لنا تجارب، وتمنحنا طرقا للتعويض الحياتي، وتخرج مكنوناتنا الداخلية، ومنها ما يصبح إبداعات للشخص المثالي الذي يتجاوز الصدمة والأزمة، مهما كانت متعبة ومرهقة".
ويؤكد الحباشنة أن هناك العديد من الأشخاص الذين يعانون من اكتئاب وحزن شديدين جراء صدمات معينة اعترضت حياتهم في وقت مبكر، ومن يحدث له ذلك، عليه بأن يعلم أن هذا الأمر يمنحه سلاحا يقاوم به قسوة الدنيا المستقبلية، والتجربة المرهقة تجعل العالم أكثر سعادة.
ويقول عز وجل "لقد خلقنا الإنسان في كبد"، ويبين الحباشنة أن الحزن والكبد هما طبيعة الحياة "فالداخل على الحياة يجب أن يعلم أن الحزن فيها ليس عبارة عن حالة استثنائية، وأن التعب والإرهاق هما القاعدة"، وينصح بأن "نجعل من قدراتنا وسيلة للارتقاء وليس للهبوط".
ويؤكد أن "علينا بأن نعلم أن المشاعر الإنسانية كثيفة ومتداخلة، وأن تجاربها الكاملة لم تمارس كلها".
أما عن "صناعة" التفاؤل، فيقدم حباشنة نصائح بهذا الشأن "من خلال التركيز على فترة الحاضر، مهما كان حزينا، ويجب أن نمر بالتجربة بجميع تفاصيلها، ولا نقفز عن المستقبل، ولا نستذكر الماضي إلا في حال استشراف المستقبل بوصفه جميلا، لا أن ننطلق من نظرة قلقة، ومن الواجب تحريك المزاج، لا أن يكون المزاج هو المحرك، وأن لا يتوقف الشخص عن العمل، ويتحاشى مقابلة الناس".
الغد