زاد الاردن الاخباري -
تشرفت الأسبوع الماضي بلقاء الأستاذ سيدي محمد ولد محم، رئيس محكمة العدل السامية في الجمهورية الإسلامية الموريتانية، وتحدث بشجون كبير عن المرحلة التي تولى فيها الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز رئاسة الجمهورية، وكيف بادر إلى عمليات إصلاحات شاملة في البلاد ساهمت فيها معظم القطاعات الرسمية والشعبية والبرلمانية وكانت المعارضة هي السباقة في دعم الرئيس بعدما تبينت اجندته السياسية في إرساء الديموقراطية والحرية ومكافحة الفساد والمفسدين، وقال الأستاذ ولد محم أن حجم التوفير الذي حققته الدولة في مطاردة الفاسدين كان ملفتاً لدرجة أنه يشكل لوحده موازنة دولة، وان العمل ما زال على قدم وساق لتنظيف البلاد نهائيا من كل من تسول له نفسه العبث بمصالحها القومية والإقتصادية.
ما هو الفساد؟ أليس الذي يسرق "قرشا" واحدا من قوت الأمة هو فاسد؟ أليس الذي يبيع ضميره من اجل تزوير فاتورة أو حصوله على (أي إمتياز) ليس من حقه هو فاسد؟ وهل حقا يمكن أن تحقق مطاردة الفاسدين "جميعا" وفرة في خزينة الدولة تعادل او تزيد عن موازنة دولة؟ مليارات مثلا؟ فلماذا ملف الفساد لدينا يُحمل على ظهر سلحفاة تتمشى وحدها في صحراء قاحلة، وكلنا ننتظر أن تقوم هيئة مكافحة الفساد بفتح الملفات واحدا واحدا، وفي الوقت الذي تنشغل فيه الهيئة بالتحقيق في إحدى الملفات يكون الفاسدين الآخرين يسرحون ويمرحون ويسرقون ويحولون أموالهم خارج الأردن، مراهنين على انهم قاموا بالجريمة الكاملة التي لن يكتشفها أحد، وإذا حدث وتم إكتشافهم فهناك من يحميهم وإذا لم يكن فالأموال قد تم تحويلها إلى الخارج، ولا يهم ما سيحدث بعد ذلك، سنة أو سنوات في السجن وانتهى الأمر.
ما هو الأهم، إنجاز الإنتخابات النيابية والحصول على مجلس نيابي أم تشديد الرقابة إلى حدودها القصوى وفتح ملفات الفساد جميعا دون إستثناء، أيهما يحظى بالأولوية؟ لماذا لا تقوم الحكومة "اليوم" بالضرب بيد من حديد على كل من يثبت تورطه في قضايا المخالفات، بكل انواعها، وإحكام الحصار على النفوس المريضة التي تعبث بقوتنا، بدل إضاعة كل هذا الوقت في مناقشة الإخوان المسلمين وغير المسلمين وإهدار وقت الوزراء والعاملين معهم لإقناع هؤلاء وهؤلاء للمشاركة في الإنتخابات، وهو الوقت الذي ندفع ثمنه من جيوبنا ومن الضرائب التي فُرضت علينا قسرا.
حديث الأستاذ سيدي محمد بشغف شديد عن حجم الإصلاح "الحقيقي" الذي تشهده موريتانيا الشقيقة أثار رغبتي أن أتوجه لدولة رئيس الحكومة ليعرف أن الشعب الأردني قد وصل إلى حالة من اليأس يظنون خلالها ان كل ما يفعلونه بلا قيمة، لأن الإبداع والتطوير وإستقطاب المستثمرين " وتدليعهم" والعمل بجد وإخلاص، كل ذلك يُسرق من الشعب في ليالي مظلمة كقلوب السارقين. ولذا فنحن بحاجة إلى مبادرتين في آن معا، الاولى تطلقها الحكومة في التهديد الحازم لمن يسرق حتى دينارا واحدا، وتعمل الحكومة كلها بكل أذرعها لتنفيذ هذا التهديد، دون أن يغفو مسؤول قبل أن يتأكد أنه لا فساد حوله أو عنده أو لديه او في أي منطقة عمل تتبع له، ويكون ذلك أسوة بالتهديد الذي أطلقته الحكومة لمن يتاجر بالأصوات في الإنتخابات، وكذلك مبادرة من الشعب في الإبلاغ عن أي جريمة فساد، مهما كانت صغيرة، مقابل التخلي عن حالة اليأس التي بتنا نسمعها في كل مكان، وأنه لا جدوى من العمل والإخلاص.
هذا الوطن الطيب، لا يحتمل منا أن تكون مصالحنا الخاصة فوق مصلحته العليا، كلنا، أفرادا ومؤسسات، حكومة وشعبا، فبقاؤه وقوته هي مصلحة خاصة أيضا لأنه بلدنا الغالي الذي نشرب ماءه ونأكل من خيراته وأن أبناءنا واحفادنا باقون فيه، ويأملون مستقبلا لهم فيه، فرحمة به وتلطفا.