زاد الاردن الاخباري -
بسام البدارين –
صدى ملامح المرحلة التي حددها جلالة الملك عبد الله الثاني أمس الأول في البحر الميت عندما تحدث عن المساءلة والمحاسبة تردد فورا عند بعض الخائفين من وصول حملة مكافحة الفساد الى أثوابهم من سياسيين او رجال أعمال او وسطاء تحوم حولهم الشبهات في اكثر من قضية فساد أعلنت عنها حكومة الرئيس سمير الرفاعي وتعهدت بمتابعتها حتى النهاية.
وهذا الصدى لم يعد يقلق أحدا على ارض الواقع فشعار الحفاظ على السمعة الاستثمارية للبلاد عبر التغطية على الفساد او تجاهله لم يعد صالحا للاستهلاك المحلي بعد تقارير المتابعة التي تبحثها ارفع مؤسسات القرار في البلاد، وهي تقدر بأن الوسيلة الافضل في مرحلة الضائقة المالية والاقتصادية لجذب الاستثمارات تفعيل منطق الجدية في محاربة الفساد وبشفافية لا يناهزها الا وضوح بعض التعبيرات الاعلامية المغمورة وهي تحاول تضليل الرأي العام بخصوص ملفات اساسية قيد البحث.
في هيئات الرقابة مثل البنك المركزي ولجان مكافحة الفساد وفي اوساط الفريق الاقتصادي الوزاري الذي يقوده المخضرم رجائي المعشر يتحدث المعنيون عن ضجر الهرم القيادي ومطبخ الدولة من تقاعس الحكومات في الماضي عن معالجة حقيقية لملفات الفساد.
وفي نفس الاوساط يبلغ كبار المسؤولين صغارهم بأن الغطاء السياسي الحامي لتحقيقات الفساد متوفر هذه المرة وتوجيهات الرفاعي لوزرائه اعتبرت بأن الاجندة المطلوبة مرحليا هي الذهاب لأي مدى تتطلبه تحقيقات الفساد في عدة اتجاهات بشرط واحد فقط وضعه صانع القرار المركزي وهو الجدية والشفافية والتاكد من الحيثيات والتفاصيل وتجنب اغتيال الشخصية واحكام الاعلام والرأي العام. ما دون ذلك لا يوجد كبير يمكن ان تستثنيه تدقيقات الشفافية المالية للدولة ومراكزها- قالها الرفاعي لعدة هيئات تتولى الرقابة والتحقيق قبل ان يلمح في حديث علني الى ان السماح لاستمرار الفساد بالافلات بدون عقاب يعني ان شيئا لا يمكن ان يتقدم.
وفي دوائر اضيق قيل للمسؤولين عن التحقيق في عدة جبهات بأن عليهم المضي قدما بدون تردد ما دامت الخطوات القضائية مستكملة في الملفات التي تخضع للتدقيق، وفي دوائر مختصة اكثر يقال الآن بان الاوضاع المالية والاقتصادية لا تسمح بالتراخي في مسألة الفساد ما دامت البلاد بصدد اجواء تعبوية تحاول حشد الرأي العام خلف متطلبات التقشف الاقتصادي وارتفاع اسعار المحروقات او بمزاج التصدي لاكثر من معركة وجبهة مفتوحة من طراز التحرش الاسرائيلي او الحملة على الارهاب وقواعد الاشتباك مع تنظيم القاعدة.
لذلك.. ولذلك فقط يعتقد ان واحدة من الرسائل الضمنية المهمة التي بثها الملك شخصيا قبل يومين تتعلق بالتعبئة ضد الفساد وبتقديم دعم مباشر وشخصي لجهود مكافحة الفساد الحكومية، وهي ايضا رسالة يمكن ان يفهم منها اطلاق تحذير نهائي لمن يحاول الترويج لثقافة الفساد او التوسع فيها او الافلات من عواقبها، الامر الذي يفسر تركيز الملك في خطابه الاخير على ابلاغ الجميع بان المرحلة الحالية والمقبلة هي مرحلة المساءلة والمحاسبة.
والقصد هنا واضح وهو دعم وحماية خطاب ومشاريع وزارة الرفاعي في هذا الاتجاه خصوصا وان الوزارة تهيىء الرأي العام لمشاهد من طراز خاص قد تنتهي برؤية رؤوس كبيرة قريبا قيد التحقيق او خلف القضبان، وهو ما يمكن اشتمامه من داخل المطبخ الحكومي المصغر وعلى اساسه يمكن استعراض بعض المعلبات التي يرددها البعض كلما حلم الاردنيون بمكافحة جذرية للفساد وتحديدا من طراز التخويف على مستقبل جذب الاستثمارات.
ويمكن القول ان القرار الاستراتيجي لحكومة الرفاعي يبدو واضحا في السياق وهو الحفاظ على سمعة البلاد الاقتصادية عبر تدقيق فعلي وحقيقي في ملفات الفساد وليس العكس ولذلك كانت اول زيارات ميدانية للرفاعي بعد تشكيل حكومته للمؤسسات الرقابية والقضائية المعنية بالحرب على الفساد.
الجديد الآن الذي اتضح من تحشد مثير في البحر الميت بدعوة شخصية من الملك يشير الى ان خطاب حكومة الرفاعي ليس مفتعلا او استعراضيا او نكائيا كما يعتقد البعض بل يشكل خطة عمل مقررة كلفت الحكومة بتنفيذها.. هذا على الاقل الانطباع الذي خرجت به شخصيات تقرا الممحي حضرت مأدبة الغداء التي اقامها الملك لما لا يقل عن 2000 شخصية وطنية ومحلية من مختلف المحافظات.
وفي هذا التحشد المسيس يمكن تجاهل الاعتبارات العادية مثل التواصل الموسمي المعتاد بين القمة والقاعدة النخبوية او اجواء التعبئة الوطنية التي تتطلبها المرحلة لصالح التوقف عند الحدود التي رسمت لمرحلة المساءلة، وهي حدود ربطها النص الملكي مباشرة بوجود فريق جديد الآن لا بد من تعاون الجميع معه والمقصود فريق وزارة الرفاعي الذي حصل في البحر الميت امس الاول على جرعة دعم ملكية لم يحظى بها اقرانه في الماضي.
بطبيعة الحال خطبة الملك لم تقف عند حدود هذا الدعم فقد رتبت مأدبة الغداء الحاشدة في البحر الميت تحديدا وبعد ثلاثة ايام من انفجار العدسية التي تشكل الطريق الاساسي لمنطقة البحر الميت في رسالة ثقة بالنفس واضحة للجميع لان المناسبة عقدت باقل اجراءات امنية ممكنة وحتى باقل من الاجراءات المعتادة في مثل هذه المناسبات.
داخل اجواء المدعوين توافق الحضور على ان التوقيت والمكان والترتيبات الامنية المتقلصة وعدد الحضور وتجنب الغاء المناسبة رسائل لمن يهمه الامر سواء في واشنطن او اسرائيل التي تشكك بالامن الاردني، او للبعض في الداخل من الذين يتحدثون عن خطأ حسابات النظام في ما يتعلق بتنظيم القاعدة وهي رسائل ختمها الملك بعبارة قال فيها بان الاردن سيبقى مرفوع الرأس كما كان دوما.
القدس العربي