بقلم الدكتور محمد مساعده
فنحن نقلد الغرب تقليدا أعمى في كل شيء. وهنا نسينا أن الغربيين أنفسهم لم يعطوا حق التصويت للجميع إلا بعد تطبيق التعليم الإلزامي على الجميع. لا يوجد بينهم أميون مثلما يوجد عندنا. لم يكسب الجميع هذا الحق حتى في بريطانيا، أم الديمقراطيات، إلا في أواخر القرن الـ19، أي بعد تنفيذ التعليم الإلزامي. وعندما طالب العمال بهذا الحق وتظاهروا من أجله عام 1830 ضربوهم بالقنابل في مذبحة بيتربورو. ولم تمارس المرأة البريطانية حق التصويت حتى 1930. وبقيت المرأة السويسرية ممنوعة من التصويت حتى الأربعينات. ونص القانون في الولايات المتحدة على شرط معرفة القراءة والكتابة حتى عام 1964.
لماذا كان هذا التعنت من الغربيين في حصر التصويت بالمتعلمين؟ السبب هو معرفتهم بأن ممارسة الاقتراع بصورة ناجعة يتطلب درجة معقولة من المعرفة والإدراك، وبالتالي درجة من التعليم والقراءة. دون ذلك تحصل على حكم الغوغاء والمعممين. الملاحظ أن الأحزاب الدينية تعارض دائما أي تغيير في حق الجميع في التصويت؛ لأنها تعتمد أساسا على الأكثرية الأمية.
سمعنا شتى الحكايات المضحكة والمؤسفة التي مارس فيها الأميون في العراق حق التصويت. فتح ذلك الأبواب للحصول على برلمان كسيح ونواب فاسدين. وسيستمر هذا العيب ما لم تتم معالجة هذا النقص بجرأة وإيمان. المتفق عليه أن مستوى شعوب الشرق الأوسط لا يختلف كثيرًا، ثقافيا وعلميا ووعيا، عن مستوى أوروبا في القرون الوسطى، عندما كان التصويت محصورا بالأقلية المتعلمة. «العهد الأعظم» (الماغناكارتا) الذي يعتبر من أهم الوثائق الديمقراطية، منحه الملك للوردات فقط. لا نصيب فيه للعوام. وكما قلت، استمر ذلك حتى أواخر القرن الـ19، عندما أصبحت الأكثرية متعلمة. سيبقى حكام مصر ومعظم دول العالم الثالث يعانون من مشكلة الديمقراطية المفتوحة للجميع، حكم الغوغاء. هل ستستطيع مصر معالجة هذه المعضلة. أمامها طريقان: إما أن تحكم بنظام شمولي، على نحو ما كانت عليه في عهد عبد الناصر، وإما أن تخطو هذه الخطوة الجريئة وتتحدى بها عموم العالم الليبرالي وتستصدر نظاما انتخابيا يحصر حق التصويت بالمتعلمين، وتفتح بذلك الأبواب لشتى دول العالم الثالث التي تعاني من كساح الديمقراطية، فتحذو حذو مصر وتحقق ما يلزمها من تنمية سريعة منتظمة.