زاد الاردن الاخباري -
بين قرارات آتية ومعلنة وقرارات سابقة تثير الجدل، وأخرى مجحفة، تصدرت حملات المقاطعة الساحة الأردنية في الآونة الأخيرة لتثير من الجدل ما يفيض عن حاجة الأردنيين وطباعهم حتى انتهى الأمر بسلسلة اعتقالات أثارت الضجة لرموز نشطاء المواقع الالكترونية في مسار المقاطعة.
الأوضاع الراهنة اقتصاديا وماليا ولدت الكثير من حملات المقاطعة على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة التي تطالب الجمهور بمقاطعة سلع وخدمات ارتفعت أو سترتفع أسعارها، تحت هاشتاغ يرتبط بنوعية المقاطعة، فهي بمثابة المنبر الوحيد لرفض قرارات تثقب جيب المواطن الأردني. وفي سابقة هي الأولى من نوعها في الأردن حملات تجاوز عدد المشتركين فيها حاجز المليون شخص في غضون أيام.
حملات حديثة
ظاهرة حملات المقاطعة في الأردن ما تزال حديثة، وبدأت تتكرس وتنتشر فعلًا خلال الفترة الماضية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبشكل واضح انطلاقا من مبادرة «طفّي الضو» عقب توقيع الاتفاق مع شركة «نوبل انيرجي» الأمريكية لشراء الغاز من إسرائيل.
ومن ثم حملة مقاطعة البيض والبطاطا تنديداً بارتفاع أسعارها، اضافة إلى حملة «سكر خطك» رفضاً لقرار فرض ضرائب اضافية جديدة على التطبيقات المجانية في الهواتف المحمولة، وآخرها حملة «صف سيارتك» لوقف قرار رفع أسعار المحروقات.
وفي التفاصيل تمثلت الحملة الواسعة بإطفاء الأضواء لمدة ساعة احتجاجا على شراء الغاز من إسرائيل.
وظلت المبادرة حاضرة، واستجابت لها شريحة واسعة من المجتمع، حتى أغرقت صور الظلمة مواقع التواصل الاجتماعي، تأكيدًا للالتزام بالدعوة، انطلاقا من أن إبرام الصفقة يسير عكس المطالب الشعبية.
وقال مشاركون في الحملة:» صحيح أن الحملة لم تتمكن من إلغاء الاتفاق، لكنها وضعت الحكومة الأردنية تحت ضغط كبير اضطرها إلى مراجعة بنود الصفقة لتكون أكثر انصافا للأردن وما تزال الحملة ماضية بسلمية، تعبيرا عن رفض الاتفاق من حيث المبدأ».
والحملة الأكثر جدلاً صاحبت هاشتاغ #سكر خطك، وبعد ان عايشت شركات الاتصالات في الأردن حملة مقاطعة شعبية، قال وزير الدولة لشؤون الإعلام الناطق باسم الحكومة الدكتور محمد المومني معلقاً أن بعض حملات المقاطعة خرجت عن أهدافها، وكان هناك تجاوز للقانون وتطاول أخرج هذه الحملات عن سياقها الاقتصادي، وهذا غير مقبول ولا يخدم مصلحة أياً كان.
وأضاف المومني: «علينا أن ننتبه إلى أن لا تخرج حملات المقاطعة الاقتصادية الحضارية عن مساقها لتصبح حملات للسب والشتم والتشهير، فهذا غير مقبول ويطبق عليه القانون».
رأي الحكومة
في تعليق خص به «القدس العربي» قال المومني ان المسألة لا علاقة لها بحرية الرأي والتعبير وحتى مقاطعة السلع بقدر ما لها علاقة بعبثية الصمت عن ممارسات خارج القانون وانفعالات في التعبير خارج الشرعية والشخصنة.
وهو يتوسع في الحديث عن حرية التعبير المصانة دستوريا ويطالب بإنصاف في التفريق بين حقوق وحريات التعبير.
تلك الحملات تسجل حضوراً ليس بالهين في دول أخرى غير الأردن، فالسعودية عاشت مرحلة مشاحنات وعناد بين شركات الاتصالات والعملاء انتهت بعدم رضوخ الشركات لمطالب عملائها حيث هدفت الحملة السعودية إلى الحث على التوقف عن استخدام شبكات الاتصال والانترنت ساعات مُعيّنة، ومواصلة ذلك لإلغاء متابعة حسابات ومسؤولي تلك الشركات على منصّة «تويتر»، لتتجاوز في مجملها حاجز المليون متابع على أقل تقدير احتجاجاً على «تقييد الخدمة» كما وصفوها، من خلال القيام بإنشاء وسوم مقاطعة لتلك الشركات، الأمر الذي جعل موقع «تويتر» يضج بالوسوم المقاطعة على «ترند تويتر» وتجاوزت 100 ألف تغريدة احتجاجية في زمن قياسي.
وشهد لبنان تفاعلاً كبيراً مع حملة مقاطعة تحمل أيضا اسم «سكر خطك» التي دعا إليها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي،
هدفت للضغط على الحكومة من أجل تخفيض فاتورة الاتصالات التي تعدّ الأعلى في العالم، كما أشار الناشطون إلى أن هذه الخطوة لن تبقى يتيمة، فالخطوة الثانية حسب تغريداتهم هي أن نقاطع في يوم عمل وليس في عطلة نهاية الأسبوع ما سيلحق خسائر أكبر، ومن ضمن التعليقات التي انتشرت دعوات إلى تكثيف الحملة وعدم اقتصارها على يوم واحد لكي تكون أكثر فعالية وتضمن تحقيق المطالب.
في الحالة الأردنية وبعد إستجابة الشارع لحملة #سكر خطك، التي لاقت رواجاً شعبياً كبيراً، قامت الأجهزة الأمنية الأردنية مؤخرا باعتقال عصام الزبن مؤسس صفحة المقاطعة بعد ساعات من بدء الحملة، ووصل عدد المشتركين في مجموعة المقاطعة على موقع «فيسبوك» إلى ما يزيد على مليون مشترك.
وقال القائمون على الحملة إنها «تأتي في ظل الظروف التي تعصف بالوطن، والسياسة التي تتبعها «حكومة التشليح» التي يترأسها الدكتور هاني الملقي، وفي ظل خذلان مجلس النواب للشعب الأردني، كما فعلت المجالس السابقة بواسطة تمرير موازنة رفع الأسعار، التي لم تكترث لما يعاني منه المواطن الأردني من ظروف اقتصادية صعبة.
وانضم الكثير من الصحافيين والناشطين السياسيين إلى حملة المقاطعة وإغلاق الهاتف المحمول مطالبين الحكومة «بقراءة الرسالة جيدا، والالتفات لهذا التأييد الشعبي للحملة» جازمين أن الحملات تسير ضمن خطوات مدروسة.
«صف سيارتك»
وتشهد حملة «صف سيارتك» تفاعلاً كبيراً عبر «السوشال ميديا» كما يوضح الراصد الإلكتروني خضر القيسي لـ «القدس العربي» وهذا الوسم يعود لآخر حملة أردنية تدعو لرفض رفع أسعار المحروقات عن طريق ركن سياراتهم، وهي بمثابة حلقة مكملة لسلسة حلقات من المقاطعة، بينما رأى البعض الآخر أنها حملة لن تؤثر على قرارات الحكومة الاقتصادية.
القيسي يعرف ان هذه الحملات قد لا تؤثر على القرار الرسمي لكن المسألة طويلة الأمد والهدف إبلاغ الرأي العام الأردني بإمكانية الاعتراض بلغة حضارية وبنشاط مدني.
«تم» المحطة الجديدة
رموز الحملات طالبوا مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي الاستعانة بكلمة «تم» وقد كانت الغاية منها إيصال فكرة الحملات إلى أكبر شريحة ممكنة من رواد الانترنت، بالاضافة لمعناها الآخر بان مستخدمها ينوي المشاركة فعلياً بالحملة، علاوةً على تأكيد المستخدم رغبته في متابعة آخر أحداث حملات المقاطعة.
بمعنى ان من يعلق بكلمة «تم» حسب القيسي على منشور داخل أي صفحة ترنو لمقاطعة أمر معين، فالفرصة تصبح أكبر بانتشار فكرة المقاطعة ووصولها لاكبر عدد، وبالتالي المنشور يصبح مرئياً بصورة أكبر، أي أن «تم» تعني الانتشار.
كلمة «تم» من حرفين فقط لكنها باتت اليوم الشيفرة المكشوفة والرائجة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي استفتاء أجرته «القدس العربي» عبر موقع «فيسبوك» عن مدى تأثير حملات المقاطعة على بعض القرارات الحكومية، ومدى معرفة المتواصلين بعلاقة «تم» بالانتشار، أجمع المشاركون على أن الحملات مفيدة جداً والدليل على ذلك قيام الأجهزة الأمنية الأردنية بإغلاق صفحة «سكر خطك» واعتقال صاحبها، فالقوة الشعبية غالباً ما تنتصر إذا كانت الوحدة هي المسيطرة.
في حين أكد كثيرون ان منشورات المقاطعة كانت تصلهم بالصدفة من خلال قيام بعض الأصدقاء في القائمة لديهم باشهارهم عن انضمامهم للحملات من خلال «تم» فبات معروفاً أن المفردة الالكترونية من حرفين بمثابة صك اعتراف بالانضمام لصفحات المقاطعة، أو حتى أي صفحات أخرى على مواقع التواصل الاجتماعي.
قرارات تثير جدلا عاصفا
المقاطعة توسعت على أكثر من نطاق وصعيد في الأردن بعدما قررت الحكومة على نحو مباغت حزمة رفع الأسعار الأخيرة للعديد من السلع ومن بينها السجائر والمشروبات الغازية وخدمات الانترنت والاتصالات.
القرار أثار جدلا عاصفا وعلى كل المستويات الشعبية في الأردن وأعاد إنتاج ظاهرة المقاطعة بل وساهم في تنظيمها حسب الكثير من المختصين والمراقبين، ومنحها زخما إضافيا له علاقة بمسارات جديدة وسعي المواطنين للتعبير عن مخاوفهم وضيقهم من قرارات رفع الأسعار.
وانضمت حملة «صف سيارتك» التي بدأت من صباح الجمعة إلى حملة «سكر خطك» وحققت نتائج لم تكن متوقعة مع ترشيد استهلاك مئات المواطنين للمحروقات ولسياراتهم ولهواتفهم المحمولة في الوقت الذي لم تؤثر فيه الاعتقالات للنشطاء على الجهد العام في هذا السياق.
وشوهدت في عمان العاصمة الكثير من الشوارع فارغة من السيارات في الوقت الذي بدا فيه ان آليات المقاطعة تنمو وتتزايد على الصعيد الاجتماعي ما يربك السلطات.
ورغم ان حملات المقاطعة الموجهة عبر فيسبوك تحديدا لا تحقق آثارا رقمية عميقة إلا انها تقلق وتثير الكثير من الجدل في أروقة السلطة السياسية وتثير هواجس القطاع الخاص خصوصا المشرف على سلع وخدمات شملتها موجة ارتفاع الأسعار.
ولا توجد أدوات لقياس تأثير المقاطعة حتى الآن وكذلك لم تقدم الجهات المنظمة لحملات المقاطعة أي بيانات افصاحية ورقمية تكشف عن التأثير وحدوده وسقفه، الأمر الذي يكشف حداثة التجربة وسرها العميق وبصمتها في الوقت نفسه حسب محمد راجح أحد المهتمين بهذه الحملات ومن أبرز المروجين لها على فيسبوك وتويتر.
وهو يصر في قوله لـ «القدس العربي» على ان حداثة عهد حملات المقاطعة في الشارع الأردني هي العنصر المباغت ليس للحكومة فقط ولكن للمواطنين والمقاطعين أكثر ومع الوقت وفي حال حصول تأثير على القرار ستحصل مراجعات وتتراكم هذه الثقافة وهذا في حد ذاته منتج ومنجز جديد. لكن اعتقال بعض النشطاء قد يكون بمثابة الرسالة السياسية والأمنية الأبرز.
وفي الوقت الذي بدأ فيه نواب في الالتحاق بصفة فردية بحملات المقاطعة لم تدخل بعض المؤسسات المدنية الحملة بصفة معلنة. وقد تصبح المقاطعة أعنف من حيث بصمات التأثير إذا استجابات النقابات المهنية مثلا للضغوط التي تمارس عليها من قبل النشطاء بهدف تعميم الحملة وتبني خطابها وأدواتها خصوصا وان جسم النقابات المهنية يقترب من نحو نصف مليون أردني غالبيتهم من الطبقة الوسطى.
بالتوازي لا يوجد جهد على أساس حزبي رغم وجود أكثر من 70 حزبا مرخصا في البلاد وان كان انضمام المؤسسات المدنية وتحديدا النقابات سينقل الملف إلى زاوية حرجة أكثر للحكومة لو حصل فعلا.
وأعلن أعضاء في البرلمان الانضمام لحملة «صف سيارتك» والمقاطعة ونشر نواب صورهم وهم يمشون على الأقدام بدلا من السيارات. ونشر النائب خليل عطية صورة وهو يمشي للمسجد يوم الجمعة بدلا من السيارة. كما نشر النائب جمال قموه صورة له وهو يستخدم المواصلات العامة بدلا من سيارته الشخصية، فيما أعلن النائب خالد رمضان قبل الجميع انضمامه شخصيا لحملات المقاطعة بعد استقالته من لجنة الأسعار البرلمانية التي قيل انها ستراقب التزام الحكومة بجوانب التسعير.
وتم إطلاق الحملة الوطنية للمقاطعة في صفحة جديدة على شبكات التواصل. وأعلن المنظمون ان هدفهم الحصول على مليون توقيع بكلمة «تم» على أساس الموافقة الضمنية على المشاركة بحملات المقاطعة للسلع والخدمات التي يرتفع سعرها.
ووصف يوسف القرنة رئيس اللجنة المالية سابقا للبرلمان حملات المقاطعة بانها نتيجة طبيعية للموازنة غير المدروسة التي قررتها الحكومة عبر البرلمان مشيرا إلى إن نمطية الاستهلاك العام ستتأثر بالطبع بحملات رفع الأسعار.
واعتبر القرنة في تعقيبات خاصة لـ»القدس العربي» ان الحل الاقتصادي الأمثل كان بتحريك القطاعات الإنتاجية في المجتمع والتنسيق مع القطاع الخاص بدلا من التمسك بسياسة رفع الأسعار والضرائب وبصورة قد تؤدي لخلل في العمل ولإغلاق مصالح أو تراجع أرباح القطاع الخاص مما سيؤثر سلبا بالنتيجة على ما يرد للخزينة العامة من واردات وبالتالي على فرص العمل وتضييق الفجوة والشكوى.
وجهة نظر القرنة ان الخلل المسكوت عنه في إدارة ملف الميزانية والعجز على أساس مالي وليس اقتصاديا وطنيا هو الذي أنتج ظواهر مثل المقاطعة فيما يتوسع الحديث تماما عن انماط استهلاك تقشفية.
القدس العربي