زاد الاردن الاخباري -
بسام البدارين - «إرحل يا ملقي»… عبارة حراكية بامتياز بدأت تطل مجدداً في الواقع الشعبي الأردني وبقوة في مواجهة رئيس وزراء لا يغادره الانفعال أحياناً ويقول إنه يفضل «الانسحاب والاستقالة» عن الامتناع عن «القيام بالواجب» أو المبادرة إلى «لفلفة» المسألة وتأجيل الحلول وترحيلها.
خلال ساعات فقط واعتباراً من مساء الجمعة صدحت العبارة في مدينة الكرك جنوبي البلاد، على هامش تجمع دعا إليه النائب صداح الحباشنة أستاذ العلوم السياسية، الذي أصبح عضواً في البرلمان وغادر تماماً الخطاب السياسي العلمي ويتجه بوضوح نحو الخطاب الشعبوي التعبوي في الشارع تحت يافطة «وزارة الملقي مصاصة دماء».
بدا لافتاً جداً أن أهالي الكرك، المتجمعين لإسقاط حكومة شُكلت أصلاً للتو وتم تعديلها مؤخراً فقط، رفعوا صورة الملك عبد الله الثاني ويافطات تدعو الشعب للالتفاف حول القيادة الهاشمية. هذا الالتفاف يتطلب اليوم، حسب بوصلة مسيرة الكرك برعاية ابن المدينة النائب الشهير صداح، إسقاط حكومة الملقي.
تلك المؤشرات نتيجة «تسوية محلية هندسية» ولا يمكنها أن تبرز من تلقاء نفسها في الكرك على الأقل.
لم يحتج الأمر عمليّاً أكثر من 24 ساعة على تجمع الدكتور صداح في الكرك لتعلن بلدة ذيبان في بيان لنشطائها بدء عودة حراكها الشعبي تحت شعار» الإسقاط»، وخلال دقائق فقط أعلن عن حراك مماثل في الطفيلة جنوبا وفي السلط غربي العاصمة عمان.
تلك أيضا «هندسة» من طراز خاص والاستنتاج السياسي المتسرع بسيط للغاية ومألوف في الحالة الشعبية الأردنية، فقرارات رفع الأسعار الأخيرة تستنفد أجندة وزارة الملقي أجندتها، وتجري عملية التلقيح بالمهمة الأصعب لها وبالتالي يمكن للنشطاء تحريض الجمهور على الدعوة لإسقاطها.
لا أحد يعرف كيف يتلقف الشارع المرهق في أربع محافظات على الأقل وخلال ساعات قليلة دعوات لإسقاط حكومة طازجة تماما بالمعيار الزمني، فيما تلتقط كتلة الإصلاح الوطني البرلمانية المحسوبة على الإخوان المسلمين المفارقة واللحظة المناسبة لتتخذ أولى خطواتها في الاعتراض السياسي الشرعي عبر إعلان مقاطعة جلسة، أمس الأحد، تفاعلاً مع إيقاع الشارع واحتجاجاً على سياسة حكومة الملقي.
لم تقاطع كتلة الإصلاح عمليا جلسات الموازنة التي وفرت مساحة الشرعية لخطة الحكومة الأخيرة المثيرة للجدل في الأسعار والضرائب.
وعملياً لم تقل جماهير الكرك الحراكية التي خرجت لإسقاط الملقي شيئاً بخصوص أبرز شخصية كركية في المؤسسة في عمان العاصمة، حيث عاطف طراونة رئيس مجلس النواب الذي وصف خطوات حكومة الملقي بأنها «جريئة» وتجنب عبر الائتلاف العريض الذي يقوده إعاقة التسعير الجديد الذي ألهب الشارع.
الهندسة الحراكية التي بدأت تنتج الإيقاع الصاخب تحت عنوان إقالة الملقي مجربة ومسبوقة مع غيره في الأردن، حيث يعرف رموز الحراك المباغت مسبقاً بأن المرجعية لن تسقط وزارة بضغط شعبي محدود بكل الأحوال والشرط الملكي العلني لبقاء أو رحيل وزارة الملقي هو قدرتها على تأمين ثقة البرلمان.
محيطون بالملقي بدأوا مبكراً وبقلق يطرحون السؤال الموسمي: هل رفع الغطاء عن الوزارة التي تجرأت على رفع كل الأسعار وبجرة قلم واحدة؟ طبعاً الإجابة مبكرة جداً لكن الحراك على هذا النحو المنسق لا يخرج من تلقاء نفسه ويذكر الجميع بما حصل في وقت آخر قبل سنوات مع حكومة الرئيس سمير الرفاعي.
عموما رئيس الوزراء الذي يتميز بقدر كبير من البراءة والحديث المباشر والذي هدد بالاستقالة ثلاث مرات على الأقل مقابل جديته في العمل، في مقابلة مباغتة مع الشارع مرسومة بقدر تسويات محلية الطابع فكرتها البسيطة عدم وجود ما يمنع الهتاف ضد الحكومة ورئيسها مع الالتزام بهذه الحدود في مرحلة صعبة ومرة وحساسة تتطلب قليلا من «التفريغ».
هذه الوضعية التكتيكية تدفع تلقائيا باتجاه طرح السؤال الثاني المؤرق: هل سيترك الملقي وحيداً في مواجهة الحراك الشعبي المتدحرج كما حصل مع غيره؟
حتى هنا لا تبدو الإجابة فورية ومتاحة فأغلب الظن أن الدولة لا تسمح بسقوط حكومة بسبب ضغوط شارع يصفها وزير المالية عمر ملحس بأنها «شاعرية وعاطفية» إلا إذا اصبحت الأجواء مشحونة تماماً.
لكن حصول ترتيبات «فنية» في شكل الاعتراض مع نواب قريبين من السلطات يقودون الاحتجاج خطوة مستجدة تماما من المرجح أن على الملقي شخصيا قراءتها ببرودة أعصاب لأن حسابات بقاء الحكومة أو رحيلها بصداع أو من دونه مرتبطة بمعادلة الكلفة والاحتقان.
وهي بكل حال معادلة عابرة للملقي ولأي حكومة وقد لا تكون من مسؤوليته بالرغم من كل مظاهر التشدق الوطني بقصة «الولاية العامة».
بعيداً عن الولاية العامة التي تسمح بوصف رمزها الأول تحت القبة بلقب «مصاص دماء» لا يبدو الملقي صبوراً جداً على أي محاولة للمساس بشخصه أوالإساءة إليه تحت القبة أو في الشارع، فهو ليس من الصنف المؤمن بأن السياسي عليه الاحتمال دوما، الأمر الذي يفسر قوله وفي عدة اجتماعات مع النواب بأنه يستطيع الانسحاب ويفضل الاستقالة عن المجاملة والمداهنة بخصوص ما ينبغي ان تفعله حكومته حتى لا تواجه خزينة الدولة الانهيار.
«البدائل» التي يقترحها كثيرون لتسديد عجز الميزانية من النوع الذي لا تستطيع أي حكومة مناقشته أصلاً ولعدة اسباب.
لكن حكومة الملقي ارتكبت عمليا ثلاث هفوات وهي تقرر سياستها الضريبية والتسريعية الجديدة، فهي أولاً غادرت منطقة رفع الأسعار بالقطعة والتدريج كما اعتاد الشارع، وثانياً لم تكن «احترافية» وهي تصدم الشعب بـ»الوقائع والحقائق» حيث لا تمهيد أو شرح منطقي لكل ما جرى، كما أنها ثالثاً «حرقت أوراق» مجلس النواب وبسرعة فأقامت الحجة عليه وعليها معاً في الشارع، وتجاهلت الفارق ما بين «عبور رفع الأسعار» بأقل كلفة شعبية وتمركز» الاحتقان». تلك ببساطة أقرب وصفة لعودة حراك الأطراف والمحافظات.
القدس العربي