زاد الاردن الاخباري -
يشكل سائقو سيارات الأجرة "التكسي" في مناطق العاصمة المتعددة ، دلالات ومضامين حقيقية ، تعكس أمزجة الناس ، نظرا لما تشكله من ثقافات متعددة وشرائح متنوعة لقطاع العاملين في هذا القطاع.
وباتت المهنة تستقطب شرائح مختلفة من المواطنين ، حيث يلجأ الى هذه المهنة الشريفة معلم مدرسة بعد نهاية عمله الرسمي ليرفد دخله ، او صاحب مهنة او حرفة ، شهد سوقها ركودا اقتصاديا ، فيلجأ للحصول على "ضمان" سيارة التكسي ، ليواصل رحلته في البحث عن ابواب الرزق ، وآخر جامعي لم يجد له بدا سوى العمل في هذه المهنة.
المستويات الفكرية والتعليمية والثقافية ، لتلك الشريحة من المجتمع كرنفالية ، متنوعة ومتعددة ، والامر يظهر جليا للراكب ، فيكفي ان يستقل احدهم سيارة الاجرة ، ليتابع حلقة من صميم الحياة تستحق التدوين والرصد.
ولا شك ان الامر يتجاوز الاستماع في بعض الحالات ، فالسائق يسترسل في كلامه عن الحدث الذي يطغى على سطح الاحداث يوميا ، يشاركه الراكب في النقاش قدر المستطاع ، وغالباً ما تكون "الثرثرة" متبادلة بين السائق والزبون ، انطلاقاً من اعتبار "التكسي" محطة "فضفضة" للتخلص من ضغطوطات الحياة اليومية ، بلا ضوابط او قيود ، لتكون سيارات التكسي اشبه بجلسة "طق حنك" شبيهة بالصالونات السياسية..مع الفارق.
وبعيدا عن المقدمات التي درجت العادة ان يستهل السائق حديثه بها فور صعود الزبون الى السيارة ، مثل "الحركة نايمة اليوم" ، و"صدقني لسه ما طلعت ضمان السيارة" ، و"قبل شوي وقفني مراقب سير"،.. وما الى ذلك من عبارات استهلالية للسائق مع الراكب ، ايذانا ببدء الحوار في حديث الساعة.. فإن المرحلة الراهنة النابضة بالاحداث ، وابرزها "الانتخابات النيابية" و"العرس الديمقراطي" ، الذي يعيشه بلدنا هذه الايام ، تستأثر بحديث التكاسي الذي بات ينحصر تقريبا بالانتخابات النيابية ، ومن خلال مرور السيارة في دوائر انتخابية متعددة ، تتنوع يافطات وصور المرشحين في الشوارع ، حيث يستهل السائق حديثه بالاستفسار من الراكب في اي دائرة مسجل.. ومن سينتخب.. فيما يتطوع السائق بالقول انه سينتخب ذلك المرشح ، كونه قد ساعده في امر ما.
وتتشعب الاحاديث داخل "صالون التكسي" ، مع امتداد مسافة التوصيل ، حيث يشير السائق بيده نحو صورة مرشح ما "باع ارضه عشان يترشح"..وآخر "اخذ قرض من البنك"،..ثم يتنهد مطولا ليطرح سؤالا منبثقا من جملة الحيرة: "أبصر قديش صار دافع"،..
ويستمر مسلسل الدردشة الذي تكون بطولته في معظم الاحيان مسنودة لسائق التكسي ، الذي يستعرض ثراء المرشحين من خلال فخامة المقرات ، وضخامة الولائم.
وتبقى سيارة التكسي صالون ثرثرة تحليليا لكافة الاحداث المحلية والعربية والدولية ايضا ، يصعب ضبطه ، وتتباين فيه وجهات النظر ، وتشتعل فيه الحروب الكلامية المتنوعة ، لدرجة استحالة التوصل الى حل وسط في تناقض وجهات النظر ، ولا عقد "هدنة" او اخذ "عطوة" بين السائق والراكب ، حتى اشعار آخر،.
عمان - الدستور - محمود كريشان