ترى شفتاه ترتجفان وعيناه تغرورقان بالدمع وبدنه يقشعر من شدة تأثره بخطبة جمعة أو بدرس ديني استمع له للتو أو ربما تأثر بمشهد انساني تلفزيوني شاهده أو موقف انساني عايشه. وحالما يصبح خارج المسجد أو بعيدا عن تلك المواقف الانسانية المؤثرة التي عايشها، ينتفض كالديك الذبيح ليتخلص مما اعتبره لحظات ضعفه الانساني فيتبرأ من تلك اللحظات الروحانية الصادقة ويبدأ السعي في مناكبها متناسيا ما كان قد تأثر به وانسكبت الدموع من أجله.
وهنا لا يخطر بباله الا مقولة "ان لم تكن ذئبا ، أكلتك الذئاب" وأن البقاء للأقوى وأنه لا يود أن يكون تلك الفريسة السهلة لغيره في صراع الحياة، وحينها يلقي بهلوسات البراءة والصدق خلف ظهره وينفض عن أكتافه بعض ما علق بهما من رذاذ الطهر وقيم الفضيلة ليغرق من جديد في تفاصيل الحياة ودوامتها.
وحينئذ يسن أسنانه و يكشرعن أنيابه ويبدأ باستخدام قناعه الثاني، قناع الخسة واللؤم، متناسيا تلك اللحظات الروحانية الصادقة التي عاشها مستنكرا تلك الدموع السخية التي انسكبت على وجنتيه وارتجافة شفتيه ليعود الى ممارسة شروره من كذب وغش واحتكار وغيبة ونميمة وايذاء للجار وأكل حقوق الآخرين.
انها الحياة يا سادة متغيرة متقلبة لا تدوم على حال، فاذا ضحك لك الزمان يوما فكن على حذر، لأن الزمان لا يضحك طويلا، ولابد أن يأتي يوما تسقط فيه كل الأقنعة المزيفة. ويحضرني هنا أبيات شعرية لعلي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) يقول فيها:
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها....الا التي قبل الموت بانيها
فإن بناها بخير طاب مسكنها....وإن بناها بشر خاب بانيها