بعد ساعات قليلة تلتئم "القمة" العربية في منتجع البحر الميت، وعندما نحاول أن نبحث عن مزايا استضافة القمة في الوقت الراهن لا نجد ما يثير الحماس، بل أن المواطن العربي في شتى اقطاره لم يعد يلتفت إلى حدث القمة، نسبة لما تعوّد عليه من انتهاء المهرجان أو الاحتفال دون ما يستحق الذكر أو الشكر.
منذ القمة الأولى في الاستراحة الملكية في إنشاص (مصر) عام 46، وحتى القمة الراهنة اليوم، عُقدت عشرات القمم تحت مسميات كثيرة عادية وطارئة واقتصادية لم نرصد يوما الفارق بينها وأصدرت عشرات القرارات وكان جدولها على الدوام يحفل بعشرات القضايا التي تكسر الظهر لكن قضية فلسطين بقيت بندا ثابتا حتى صار حالها اليوم تصدق فيه مقولة "إلى الخلف در".
لا يعرف المرء كيف يمكن تناول مؤسسة القمة إن ترغب النكش في الماضي لا تجده يختلف عن الحاضر تحاول تقصي الإنجازات ليس من أثر تفتش عن أهمية القمة في حياة الشعوب فلا تلمس شيئا فكل العناوين الكبيرة تم نزع الدسم منها دون الاكتراث بآمال الأمة والآمها فلا وحدة أنجزنا ولا أراضٍ حررنا ولا عملا مشتركا حققنا.
امّا قصة القمة من بدايتها فقد كان العرب يتداولون في لقاءاتهم واجتماعاتهم شكلاً من الوحدة بينهم وشروطها وبإيحاء خارجي واضح من صديقتهم ومستعمرتهم القديمة (بريطانيا العظمى آنذاك) تم انشاء جامعة عربية بقيت لا تضر ولا تنفع كان عنوانها جامعة لكنها كرست الفرقة.
امتدت فصول القصة فاُحتلت فلسطين ليصبح لديهم قضية أرض وعرض وكرامة يلتئم العرب في قمتهم من أجل خطة تحرير فلسطين لنكتشف أنه لم تكن هناك مثل هذه الخطة ابدا بل يخرج علينا الزعيم آنذاك ليقول بفمِ مليان "أكذب إن قلت لكم أن لدي خطة لتحرير فلسطين ولا تصدقوا أحدا يقول غير ذلك" لتضيف القصة فصولا أخرى فيلتهم العدو أراض عربية جديدة تزيد عن مساحة فلسطين فيتحول الخطاب عندها إلى إزالة أثار العدوان ويختفي الحديث عن تحرير كل فلسطين فتفقد الأمة آمالها العراض.
في ظل كل هذا الضعف والعجز يبدا الحديث عن أضعف الايمان وهو ما أُطلق عليه "العمل العربي المشترك" الذي سرعان ما فقد مضمونه بل كانت هناك مغامرات ممقوتة لم تبق للتوافق موضعا ولم تترك للصلح مطرحا انعكس ذلك فرقةً وانقساماً في الشعب العربي الواحد من محيطه إلى خليجه.
تاريخياً لم تصنع القمم فارقا في مسار الأمة وكان هناك دائما خطابا علنيا وأخر سريا وخطابا داخليا وأخر إلى الخارج بل من يطلع على محاضر الجلسات السرية بعد نشرها بسنوات طويلة يجد أن الحوار بينهم لم يخرج عن كونه مماحكات ومهاترات أدت إلى تسليم القياد إلى الخارج معظم الأمر وما خفي دائما كان أشد وأعظم.
في ظل "قمم" ما سمي الربيع العربي الذي تم الانقلاب عليه لصالح بقاء أنظمة شعارها "نحكمكم أو نقتلكم" وصلنا اليوم إلى شعار جديد وهو ما يطلق عليه "بث الحياة في النظام العربي الرسمي" لكن حتى اللحظة لم نعرف أو نسمع عن قيام الموتى من مرقدهم.
في السياق كان مكان عقد القمة محل تنافس وموضع خلاف حيث كان السباق دائما على شرف من يستضيف القمة الى أن وصلنا اليوم لمرحلة التهرب من استضافتها كما التهرب من حضورها.
كم كانت خيبتنا كبيرة إذ انتظرنا صنع المعجزات على يد حكام كان همهم ابدا أن يحققوا أهدافهم الخاصة بالتثبيت والتوريث ولم يكن بحسابهم ابدا كرامة الأمة أو مصالحها فافشلوا أفكار الوحدة والتحرير والدفاع المشترك والعمل المشترك وحاولوا بإعلام مضلل رخيص أن يقنعونا أن مجرد لقائهم هو خير لنا وكم كنا غارقين في الوهم عندما كنا نصفق لمشاهد التمثيل أمام الكاميرات.
الدوحة - قطر