زاد الاردن الاخباري -
دخل دونالد ترمب البيت الأبيض منذ 100 يوم وحقق إنجازاً ضخماً بتبنّي سياسة خارجية وأمنية واضحة المعالم وتقوم على "الدبلوماسية المدعومة بالقوة العسكرية"، وربما يكون أفضل تعبير عن هذه العقيدة قول بعض الضباط في القيادة العسكرية الأميركية أمام أصدقائهم "إن كان علينا إسقاط طائرتين لروسيا فوق سوريا فعلينا أن نفعل ذلك".
هناك ملامح كثيرة على هذه العقيدة لدى ترمب ومنها إرسال قطع من الأسطول الأميركي إلى كوريا لمواجهة الصواريخ التي تطلقها بيونغ يانغ في كل اتجاه، بالإضافة إلى ضرب الأميركيين مطار الشعيرات التابع للنظام السوري ثم التحدّث إلى موسكو عن مطالب وحلول.
إنجاز الفريق
يعود هذا الإنجاز في "العقيدة السياسية" إلى تسلسل أحداث مهمة، فالرئيس الأميركي دخل إلى البيت الأبيض ومعه مجموعة من المساعدين الرئيسيين، وعند تشكيل مجلس الأمن القومي في ظل الجنرال فلين، استبعد ترمب كبار الضباط وقيادات الاستخبارات وأضاف مستشاره السياسي ستيف بانون.
بعد عدة أسابيع استقال الجنرال فلين وعيّن الرئيس الأميركي مستشاراً آخر للأمن القومي هو الجنرال ماكماستر الذي أعاد تنظيم مجلس الأمن القومي، وأعاد قادة الاستخبارات ورئاسة الأركان المشتركة و"طرد" المستشار السياسي.
عندما ضرب النظام السوري خان شيخون بغاز الأعصاب، كان الفريق الجديد في مكانه، ووصل الرئيس الأميركي إلى قرار قصف مطار الشعيرات بصواريخ توماهوك ، وعندما أطلقت كوريا الشمالية صورايخها، قرّر الرئيس الأميركي إرسال قطع من الأسطول إلى كوريا وأعلنت الولايات المتحدة أن كل الخيارات مفتوحة، كما أرسلت نظام "ثاد" المضاد للصواريخ لحماية كوريا الجنوبية و اليابان.
كل هذا يعود إلى "الفريق" وهو يقوم على مستشار الأمن القومي الجنرال ماكماستر، ووزير الدفاع جيمس ماتيس، ووزير الخارجية ريكس تيلرسون وقادة الاستخبارات أي مدير السي أي ايه CIA مايك بومبيو ومدير الاستخبارات الوطنية دان كوتس.
هذا الفريق يتمتّع بمهنية عالية دفعت بعض أعضاء الكونغرس الجمهوريين للقول "الآن نستطيع أن نطمئن!"، فأعضاء الكونغرس كانوا يشككون بقدرات ترمب على فهم وإدارة شؤون الأمن القومي والآن أيقنوا أن الرئيس الأميركي أصبح محاطاً بمجموعة عاقلة وتتبنّى عقيدة "الدبلوماسية المدعومة بالقوة العسكرية".
روسيا المعادية
بدا دونالد ترمب خلال الحملة الانتخابية ، وحتى الأسابيع الأولى من رئاسته محابياً لروسيا، وأثار حفيظة الكثيرين في الكونغرس الأميركي، خصوصاً رؤساء لجان القوات المسلحة والخارجية، فالسيناتور جون ماكين يعتبر تصرفات روسيا معادية، وقال في تصريح له إن الرئيس الروسي "يعتقد أن الوصول إلى هدفه بإعادة روسيا كقوة عظمى يعني إضعاف القوة الأميركية".
خلال الوقت القصير له في البيت الأبيض، اكتشف دونالد ترمب أن روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين ليسا الأصدقاء الذين تصوّرهم، بل اتضح له أن روسيا تشكّل تهديداً لنفوذ ومصالح الولايات المتحدة.
وفي مؤتمر صحافي مع أمين عام حلف شمال الأطلسي تراجع ترمب عن مقولة "إن الناتو بالٍ". غابت الجدّية عن المقولة بسبب الطريقة التي أعلن فيها ترمب تبنّيه لسياسته الجديدة حيث قال ترمب: "قلت إنه بال والآن لم يعد بال".
لكن المقولة تخفي في حقيقتها فهم الرئيس الجديد للتهديد الروسي وقراره بمواجهة هذا التهديد من خلال حلف شمال الأطلسي، وبات ترمب يعتبر الآن أن ضعف حلف الناتو لم يكن بسبب الحلف القائم منذ العام 1949 بل بسبب ضعف قيادة الولايات المتحدة في ظل الرئيس السابق باراك أوباما وهو الآن مصرّ على إحيائه تحت قيادة الولايات المتحدة وفي ظلّه.
يعتبر الآن مجلس الأمن القومي الأميركي أن من الضروري تحسين القدرات العسكرية لحلف الأطلسي لمواجهة روسيا، أما طلب الرئيس الأميركي زيادة الميزانية العسكرية لوزارة الدفاع الأميركية فيأتي في إطار هذا التصعيد حتى إن ضباطاً كبارا يقولون إنه "لو اضطرت الولايات المتحدة لأخذ بعض الخيارات الصعبة أو السيئة فليكن ذلك".
هذا الكلام الأميركي يعبّر عن "انتقام" لدى النخبة العسكرية الأميركية من ضعف إدارة أوباما وهم يعتبرون الآن أن روسيا تشكل خطراً مميزاً، فروسيا تسيطر على أراضٍ شاسعة وتستطيع التأثير على منطقة جغرافية مضاعفة وهي كل الدول المحاذية لها من اليابان إلى الصين ومنغوليا، وصولاً إلى وسط آسيا إلى الشرق الأوسط وغرب أوروبا، وليست هناك دولة في العالم تماثل روسيا في محاذاتها لدول أخرى، كما أن روسيا تملك القدرات العسكرية ولديها ملايين من الروس يعيشون خارج أراضيها وتريد استغلالهم في مدّ شبكة نفوذها وإثارة الاضطرابات.
هناك مقولة يردّدها أعضاء مجلس الأمن القومي الأميركي وهي أن روسيا درست الولايات المتحدة وتريد الآن إلحاق الهزيمة بها و"في كل مرّة يترك الأميركيون الغرفة تدخل إليها روسيا"، لكن مجلس الأمن القومي في ظل الجنرال ماكماستر يعتبر أن الزعامة الروسية زعامة كاذبة ويجب مواجهتها.
مواجهة إيران
ويجب مواجهة إيران.. حيث يضع مجلس الأمن القومي الجديد والرئيس الأميركي الخطر الإيراني في خانة الخطر الاستراتيجي الذي تشكّله روسيا.
من الملاحظ أن الأميركيين يرون التصرفات الإيرانية وأهداف إيران مشابهة للتصرفات الروسية، فكل من طهران و موسكو تريدان طرد النفوذ الأميركي، بالإضافة إلى ذلك يرى الأميركيون أن إيران تقوم بدور "الممكّن لروسيا"، فمن الصعب على روسيا أن تحافظ على بشار الأسد من دون إيران، كما أن إيران تستطيع مساعدة روسيا على تحقيق نفوذ أوسع في العراق على حساب النفوذ الأميركي.
قرّر الرئيس الأميركي منذ حملته الانتخابية مواجهة النفوذ الإيراني ، والآن توضّحت أكثر صورة هذه المواجهة، فـ "عقيدة ترمب" لا تريد تغيير النظام الإيراني، بل تريد أن يجلس الإيرانيون داخل حدودهم ويتوقفوا عن التدخّل في شؤون الدول الجارة، وبشكل أخص يريدون منع إيران من تكرار تجربة حزب الله في العراق و اليمن.
تجري الولايات المتحدة الآن مراجعة شاملة للسياسة تجاه إيران ومن ضمنها الاتفاق النووي الايراني، ومن الضروري النظر إلى أن الرئيس الأميركي ما زال يعتبر أن الاتفاق الإيراني سيئ، لكن المشكلة الأساسية في الاتفاق هي أن إيران استغلت رفع العقوبات لتلقي أموال، وتستعمل هذه الأموال لمتابعة تدخلها في شؤون جيرانها وتمويل التنظيمات التي تضعها واشنطن على لائحة الإرهاب مثل حزب الله.
سوريا والعراق
يجب القول أيضاً إن المحور الثالث في سياسة ترمب الخارجية هو كوريا الشمالية، فهذه "الدولة المارقة" تشبه بتصرفاتها روسيا وإيران، وكلما أطلقت صاروخاً هدّدت جيرانها وهي تهدّد أيضاً بامتلاك قنبلة نووية تضعها على صاروخ عابر للقارات قادر على الوصول إلى أراضي الولايات المتحدة.
أما سياسة الرئيس الأميركي ومجلس الأمن القومي في سوريا والعراق فهي محكومة بالمحاور الاستراتيجية، وليست محوراً بحدّ ذاتها، ويريد الأميركيون معالجة مشاكل سوريا والعراق وفي بالهم إيران وروسيا.
من الواضح أن الرئيس الأميركي تأثّر كثيراً بمشاهد الأطفال القتلى في خان شيخون وحقق التفافاً كاملاً في موقفه من بشار الأسد بسبب تكراره الهجوم بالأسلحة الكيمياوية على شعبه، وبات ترمب وفريقه معارضين لبقاء الأسد وهم الآن على قناعة أن بقاءه سيعني استمرار الأزمة السورية.
الأميركيون وضعوا خطة من ثلاث مراحل لحلّ مشكلتي سوريا والعراق وهي القضاء عل الإرهاب أولاً ثم إنشاء مناطق هدوء على غرار منبج وثالثاً الوصول إلى حل شامل. وهناك قناعة الآن لدى الأميركيين أنه لا يمكن ولا يجب تكرار خطأ الخروج من العراق في العام 2011، فمع خروجهم وفي غياب مؤسسات حكومية متينة ووفاق وطني في العراق، انفتح الباب من جديد للتطرف واللجوء إلى الإرهاب في مواجهة القهر السياسي.
وتبدو معارضة الأميركيين لبقاء الأسد شديدة لأنهم اقتنعوا أن كل الجهد لدحر داعش سيذهب هباء لو بقي الأسد ولو لم يتوصّل العراقيون إلى وفاق سياسي.
العربية . نت