زاد الاردن الاخباري -
"ارفع شعارك وانتظر" قالها الشاعر محمود درويش بثقة مفرطة ذات مرة، غير أنَّ هناك من يرفع شعاره من دون أن ينظر أو يفكر في معطيات الفكر السياسي بداله ومدلوله، ومدى تغلغله في النخب السياسية والاجتماعية المتوجهة أصلا لتمثيل الناس، بعيدا عن النائب الذي يعد والناخب الموعود، وعن حتمية العلاقة النفعية أو الخدماتية التي تربط الاثنين معا.
أين الثقافة في ما يُرى على أعمدة الكهرباء والجدران وأبواب المحلات التجارية؟، وهل موجودة أصلا أم أنها عابرة في قواميس الانتخابات النيابية الأردنية؟، وفي كل مادة إعلانية تستهتر بالعقل وتسكن الأطراف لأربع سنوات مقبلة، وفقَ ما يؤكد د. توفيق شومر الذي يرى أيضا أنها تحولت إلى "موضوع ثانوي جداً أو معدوم في الحملات الانتخابية للمرشحين لمجلس النواب".
ويعتقد شومر أنَّ ذلك الإهمال "متعمد ويجيء كتتويج للإهمال الذي تعاني منه الثقافة على الصعيد الأردني"، مبينا أنها "بلا دعم حقيقي ولا يوجد أي أهتمام في أن تكون الثقافة والنشاطات الثقافية مركبا أساسيا في التعليم".
ويؤكد ضرورة تهيئة المؤسسات الثقافية للعب دور في تنشيط الحياة الثقافية بشكل فاعل، وعدم القبول بوضعها كجزر معزولة هنا وهناك.
ويقول شومر "إن على المثقفين فرض وجودهم كحركة ثقافية على الواقع الانتخابي الأردني"، مطالبا بتوحيد جهودهم ضمن تجمع ثقافي له وزنه.
ويدعو رابطة الكتاب أنْ تبادرَ إلى دعوة الهيئات الثقافية الفاعلة في الأردن للعمل على تأسيس اتحاد للجمعيات الثقافية، بهدف تفعيل دورها ومعاضدة ومؤازرة بعضها لبعضها الآخر، من أجل أن تتحول في المفهوم الانتخابي إلى قوة انتخابية يمكنها فرض مطالبها على المرشحين.
ولا يستغربُ الباحث موفق محادين غياب الثقافة من شعارات المرشحين، مشيرا إلى أنَّ الشعارات السياسية غابت أيضا لمصلحة شعارات "حاراتية خدماتية".
ويجدُ أنَّ الالتزام بالثقافة "هامشي ومصطنع في الحياة السياسية الأردنية عموما"، لافتا إلى أنَّ حقيبة وزارة الثقافة تعطى كترضية، وغالبا ما يترك لها الفتات من مجموع الميزانية. ويخلص إلى أن "الثقافة من الشؤون الهامشية التي لم تتجذر بعد في الحياة السياسية الأردنية".
بدوره يرى الروائي هاشم غرايبة أننا ندور في "حلقة مفرغة"، والحلقة باعتقاده تسمى حلقة لأنها مفرغة؛ وإذا لم تكن مفرغة فهي ليست حلقة.
ويضيف إنَّ الدائرة لا تصيرُ دائرة إلا أذا أغلقت، مبينا أننا "نقول فلان يرتدي معطفا شتوياً وكأنَّ هناك معطفا صيفيا"!.
ويقول "إن مثل ذلك الهذر كثير جدا حين نقبله من باب الفنتازيا، ولكن أنْ تكتب له يافطات وتقام من أجله الولائم وتفتح لبلاغته المقرات فهذا كثير".
ويضيف "إن كل مشاكل الغلاء والبطالة وقضايا والفساد ومشاكل المياه والطاقة ليست بذي بال، حتى شعارات الخدمات والتنفيعات غابت عن الساحة"، رائيا أنه من المنطقي غياب الهمِّ الثقافي الذي يقع في أعلى هرم الاحتياجات الإنسانية عن اهتمام المرشحين.
ويلفت غرايبة إلى "نسيان المرشحين ما يجري على الضفة الأخرى من نهرنا المقدس"، مبينا أن "ما يحدث في فلسطين والعراق والسودان وابتلاع القدس ويهودية دولة العدو والأزمات الاقتصادية العالمية والعربية ليست من شأنهم".
ويستدرك غرايبة أن الأمر لا يخلو من شعار هنا وبرنامج انتخابي معقول هناك، مشيرا إلى أنَّ السائد العام وما يطفو على السطح ويقدم هو الغياب لكل ما هو جدي. وبيَّنَ أنَّ هناك سخرية من الأحلام الكبرى في الوحدة والتحرير والعدالة الاجتماعية، وكأننا مقدمون على برلمان تسيير أعمال.
ويصر غرايبة على تلازم السياسة والثقافة، رائيا أنه كلما إذا ضاقت الرؤى السياسية، غاب الاهتمام بالشأن الثقافي.
الغد