زاد الاردن الاخباري -
منذ تشكيلها رسميا العام 2012، رافق اللجنة العليا للتعيين في الوظائف العليا بالقطاع العام، جدل واسع في غير محطة وتعيين، تناول أساسا الحديث عن النزاهة والشفافية في كيفية شغل تلك الوظائف.
ولم تخل عدة تعيينات لوظائف قيادية، وتحديدا في الفترة الاخيرة، من هذا اللغط والجدل، وتخللها اتهامات للحكومة بعدم الشفافية والمحاباة، بخاصة أن بعض التعيينات، جاءت دون اعتماد آلية اللجنة العليا في اختيار من يستحقون تلك الوظائف.
وعلى الرغم من ان نوابا ومهمتين انتقدوا تعيين مسؤولين في وظائف عليا، دون الرجوع لآلية اللجنة، لكن مسؤولا حكوميا، قال انه يوجد في نظام اللجنة لانتقاء موظفي هذه الفئات "نص يبين وجود استثناءات في التعيينات دون اللجوء للجنة، وان هناك مناصب حساسة لا تحتمل تأخيرا في التعيين".
فيما اعتبر عضو سابق في اللجنة رفض نشر اسمه، أن حكومات سابقة وحالية غيبت فيها اللجنة عن التعيينات، اذ كان يجري اختيار شخص للتعيين لمنصب قيادي دون أن تقابله اللجنة اصلا، أو ينسب فيه لمجلس الوزراء، لكن يجري تعيين شخص لم تنسبه اللجنة العليا.
وبين أنه من المفروض على اللجنة "ان تسهم إلى حد ما، بتحقيق العدالة عبر إتاحة الفرصة لأكبر عدد من المؤهلين للمنافسة على الوظيفة ذاتها، ولكن من دون فاعلية حتى الآن".
وأشار الى ان من مهام اللجنة، دراسة السير الذاتية للمرشحين ومقابلتهم، والتأكد من خبراتهم ومؤهلاتهم وقدراتهم الشخصية، لكن ذلك "لا يعني مطلقاً أن من عينوا مؤخرا، قد يكونون أهلا لمناصبهم".
ودعا هذا المسؤول إلى مأسسة تشكيل اللجنة، لتصبح دائمة، بحيث تشكل برئاسة وزير تطوير القطاع العام، وعضوية الوزير المعني، ووزير العدل، ورؤساء هيئة مكافحة الفساد، وديواني المحاسبة، والخدمة المدنية، مقترحا تحديد مهامها وآلية عملها عبر مدونة سلوك تنشر على الملأ.
رئيس ديوان الخدمة المدنية السابق الدكتور هيثم حجازي، بين إن الموظف العام يمثل شخصية رسمية ورمزية للسلطة، ويعكس صفاتها ومقوماتها بإدارته لمؤسساتها والاشراف عليها وتنفيذ سياساتها.
وأوضح حجازي انه بمعزل عن الصفات الشخصية لكل فرد، تتأثر نظرة الموظف للدولة ومؤسساتها، بالطريقة التي يجري اختياره فيها للوظيفة العامة، فإذا كان الاختيار وفق أسس قانونية ومبنية على التنافس وتكافؤ الفرص واحترام مبادئ الشفافية والنزاهة، فإن ذلك يجعل من نظرته لهذه المؤسسات نظرة احترام، ويدفعه للحفاظ على هيبتها ويلزمه بواجباته تجاهها.
وبين أنه اذا كان تعيين الموظف عن طريق الواسطة والمحسوبية وبعيداً عن مبادئ التنافس وتكافؤ الفرص، فستصبح هذه المبادئ مشروعة أيضاً في عمله وتوجهاته تجاه المؤسسة.
وأوضح انه عندما يبدأ الموظف بممارسة المهام الموكلة إليه في الوظيفة، فإنه يمثل هيبة الدولة، وبالتالي يحدد نظرة المواطنين تجاه دولتهم، "ومن ثم فإذا عكست الدولة نزاهتها وحياديتها عن طريق موظفيها في المؤسسات امام المواطنين، يصبح مفهوم الالتزام بقيم النزاهة واحترام مبادئ الشفافية، جزءاً لا يتجزأ من مفهوم الاخلاص لمتطلبات المواطنة وخدمة المواطنين، أما إذا عكست هذه المؤسسات ممثلة بموظفيها قيم المحسوبية والمحاباة، فإن هذه القيم تترسخ كثقافة في المجتمع".
وقال حجازي إن "طبيعة ومستوى نزاهة الموظف العام وشفافية اجراءات تعيينه، تعكس نزاهة الدولة في ادارة مرافقها، لكن هناك عقبات أمام تطبيق النزاهة والشفافية في اجراءات التعيينات الادارية، بخاصة في المناصب العليا، على الرغم من التحسن الملموس الذي طرأ في الأعوام الاخيرة".
لذلك؛ لا بد من مراجعة التشريعات الناظمة لتعيين المناصب العليا واشكالياتها، والاطراف والجهات المؤسساتية ذات العلاقة بالتعيين، وبيئة النزاهة والشفافية، والمساءلة في إجراءات شغل وظائف الفئة العليا، بحسب حجازي.
وزير تطوير القطاع العام السابق سالم الخزاعلة أشار إلى أن لجنة تعيين الفئات العليا شكلت العام 2012 لغايات تحقيق الشفافية والعدالة، وإتاحة الفرصة لأصحاب القدرات لغاية المنافسة.
ويرى الخزاعلة، ان "بعض الوظائف العليا يحكم طبيعتها تخصص ونوعية معينين من الاشخاص، لتحقيق سياسات معينة في مرحلة ما"، لذلك تقتضي المصلحة العامة اختيار اشخاص لتحقيق هذه السياسات من حيث المبدأ، ولكن تطبيق هذا المبدأ غير دقيق أحيانا "بسبب اختراق من مسؤولين، ولأسباب غير مهمة أو واضحة، ولا يفصح عنها".
وقال الخزاعلة انه عند الاعلان عن تشكيل اللجنة العليا، قيل حينها انه سيلتزم بها على نحو صارم، "لكن أحدا لم يقل أنه سيلتزم بها قدر الإمكان، وان هناك مواقع ستراعى فيها العناصر الاخرى واختيار اشخاص بما يلائم المرحلة والسياسات".
وبين ان التعيينات الاخيرة جرت وفق "مبدأ الولاية العامة وحق مجلس الوزراء في الاختيار، بشكل مباشر دون الرجوع الى اللجنة، أو الإفصاح عن اسباب الاختيار"، مع الاشارة إلى انه حتى "الاختيار عبر اللجنة العليا، تدور حوله شكوك كثيرة، خصوصا في موضوع تلقي توجيهات وتعيين بعض الاشخاص لأسباب غير معروفة او غير معلنة".
واقترح الخزاعلة لغاية تحقيق الاستقرار الوظيفي، أن يعين موظفو الفئات العليا "بعقود لا تقل مدتها عن ثلاثة أعوام ولا تزيد على خمسة، على أن تكون قابلة للتجديد مرة واحدة".
وأوضح أنه خلال ذلك "لا يمكن تغيير الموظف اثناء فترة العقد إلا في حالات استثنائية، تحدد مسبقا، كالفساد وارتكاب الجنح المخلة بالشرف وما شاكلها، وعند ذلك يعرف الموظف، وغيره، الساعة التي سيغادر موقعه فيها من دون أن تطاله الألسن او تطال الحكومة سهام الانتقاد".
من جانبه، أوضح رئيس ديوان المظالم السابق الدكتور علاء العرموطي ان "أسس تشكيل اللجنة منذ البداية غير واضحة، ولا تنسجم مع طبيعة هذه الوظائف"، بخاصة انه يوجد مسابقة ولكن يمكن ان تنسجم بطريقة واحدة، وهي ان تكون مبنية على أسس واضحة وشفافية كاملة.
وأوضح العرموطي أن "نصف اسس ونصف شفافية" سيؤديان لنتيجة معكوسة بشكل قاطع، وستتداخل الأهواء والمحسوبيات في التعيينات، وستجهض الأساس الذي تأسست لأجله اللجنة، معتقدا بأن "الصعوبات العملية التي تواجه اللجنة، أدت للتغاضي عن اللجوء اليها عند التعيينات الأخيرة".
وكان مجلس الوزراء أقر نهاية 2012 آلية ناظمة للاختيار والتعيين والترفيع للوظائف القيادية العليا، لتشكل مرجعية تحكم التعيين في المناصب العليا.
ولفت وزير تطوير القطاع العام السابق خليف الخوالدة حينها، الى أن تطوير هذه الآلية، يشكل الحلقة الأولى في المنظومة المتكاملة لضوابط العمل العام، والهادفة لرفع مستوى الأداء الحكومي وترشيد الإنفاق العام.
وتُشكل اللجنة برئاسة نائب رئيس الوزراء وعضوية وزراء العدل وتطوير القطاع العام والدولة لشؤون رئاسة الوزراء، والمرجع المختص بالتنسيب بالتعيين على الوظيفة الشاغرة لمجلس الوزراء ورئيس ديوان الخدمة وأمين عام رئاسة الوزراء.
وأوضح الخوالدة، أن اللجنة تحدد ترتيب المرشحين حسب متوسط نتائج التقييم، بعد استبعاد أعلى وأدنى تقييم أعطيا لكل مرشح من باب الحرص على مزيد من الموضوعية، وترسل النتائج للمرجع المختص ليقوم بدوره انسجاماً مع التشريعات المعمول بها بالتنسيب لمجلس الوزراء، بتعيين المرشح الحاصل على أعلى نتيجة في تقييم اللجنة.
ونوّه إلى أن أحكام هذه الآلية، تسري على المتقدمين بطلبات لشغل الوظائف الشاغرة من وظائف الفئة العليا/ المجموعة الثانية، وما في حكمها (الأمناء العامين، المديرين العامين، المفوضين) وأي وظائف أخرى يقرر مجلس الوزراء شمولها.
الغد