بعد أن قرأت ملّخص لدراسةٌ أجراها اتحاد تنمية الموارد البشرية في مصر والتي اتّضح منها أنّ معدل إنتاجية الموظف الحكومي العربي تتراوح بين (18) إلى (25) دقيقة يومياً. وأيضا تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي الأردني لعام 2016 ، والذي يقرّ بانخفاض مستوى انتاجيّة الموّظف الحكومي في الأردن خلال العشر سنوات الأخيرة ووصولها الى مستويات اقل بكثير مما كان مأمولا . تذّكرت مسرحيّة لكلّ مجتهد نصيب للكاتب الكبير توفيق الحكيم رحمه الله. وفيها شعبان أفندي الموّظف الذي كان من المجتهدين في عملهم وينهي جميع الملفّات التي ترد اليه قبل الساعة الحادية عشرة من كلّ يوم ، ولكنّه لم يحصل على ترقيّة الّا بعد أن استمع لنصيحة صديقة بترك جزء كبير من الملفّات الى اليوم الآخر ، لتتراكم ، ثّمّ يطلب موّظفين جدد يعيّنون بالواسطة وانتاجيتهم قليلة فيصبح رئيسا للقلم ويرقّى الى درجة أعلى .
الانتاجيّة هي القيام بأعمال صحيحة بطريقة صحيحة بوقت ملائم . وتعتمد على مستوى التعليم والخبرة والمهارة المكتسبة بالتدريب المستمرّ قبل وأثناء العمل ، واستخدام التكنولوجيا الحديثة بالإنتاج ، وأساليب الانتاج الملائمة للعمل ، والقدرات الشخصية للعاملين ، والتي يجب أن تتناسب مع الأعمال التي يقومون بها ، والوصف الوظيفي للأعمال ، والابتعاد عن الواسطة والمحسوبيّة في تعيين الأشخاص في وظائف لا يستطيعون القيام بأعبائها ، والاستثمار في رأس المال البشري ومخرجات التعليم ، وتقدير العامل المجدّ وتمييزه عن الخامل بأسس واضحة وشفّافة ، وزيادة الرواتب والمكافآت وربطها بالقدرة على الانتاج والكفاءة ، والايمان بقدرة الانسان العربي .
اذا توّفرت للعامل الأردني رواتب مجزية تساعده في التغلّب على غلاء المعيشة ، و ادارة قادرة على تفهّم احتياجاته ، وجو عمل مريح وتأمين صحّي مناسب وضمان اجتماعي وحوافز تشجيعيّة للعامل المجد وتنبيه المقصّر ومحاسبته ، فانّه سيتغلّب على الثقافة المجتمعيّة التي لا ترفع من قيمة العمل ولا تحث على انجاز الأعمال بالشكل الصحيح ، وسيقوم بتحسين المنتج ويحاول الابداع في العمل وابتكار طرق جديدة لتطويره ، ويحلّ كثير من العمالة المحليّة محلّ العمالة الوافدة في الأعمال التي تتطلّب مهارة ودقّة .
بالعودة الى مسرحيّة لكل مجتهد نصيب ، فإنني أذكر أنّه تقرر في مؤسسة حكوميّة كبيرة مهمّة ، تكريم الموّظفين المميزين بحوافز ماليّة وبشهادات تقديريّة في احتفال كبير حضره كبار المسؤولين في تلك المؤسسة . كان أوّل المكرمين موّظف كثير التغيّب ، بسبب وبدون سبب ، ولا يقوم بالأعمال التي يجب عليه القيام بها ، والغريب في الأمر أنّ عريف الحفل قال أنّه أحسن من يقوم بعمله وأنّه مخلص لوطنه ، ليتبيّن بعد ذلك أنّه عين وجاسوس المسؤول الأوّل في المؤسسة على الموظّفين ، مما كان له أثر كبير في تراجع عمل بقيّة الموّظفين في السنة التي تلت سنة التكريم ، وبالتالي تراجع الانتاجيّة .
أمثلة كثيرة يسردها الناس في مجالسهم عن مثل هؤلاء الموّظفين الذين لا يقومون بأعمالهم ، ثمّ يصلون الى أعلى المراتب ، متجاوزين المخلصين المتفانين ، الذين لا يملكون واسطة ولا يحسنون التملّق للمسؤولين ، ثمّ نريد تحسين في الانتاجيّة علّها تصل الى ساعة في اليوم .