الى روح الأمير الشيخ المقاتل الذي سمانّي أبي على اسمه . الى أخو عليا ، عودة أبو تايه ، رحمه الله ، والذي تصادف ذكرى وفاته يوم الثاني والعشرين من شهر تموز الحالي ، بعد أن أمضى حياته متقدّما على الجميع في الدفاع عن أرضه وعن الوطن ، الذي بذل الروح رخيصة من أجل أن يبنيه . وطنا طالما حلم به ، يحوّل البادية الأردنيّة الى مكان يستطيع أهله أن يفاخروا به الدنيا . تقدّم الصفوف حاملا لراية الثورة العربيّة الكبرى التي آمن بها وبمبادئها ، في الوحدة والحريّة والحياة الفضلى . ولم يكن يعلم أنّه بعد أن يدخل دمشق وحلب فاتحا ، سيعود الى شرق الأردن ليجد محتلّا جديدا يسمّى الانتداب البريطاني ، الذي يوّزع المدن الأردنيّة الثماني الى مراكز للحكم المحلّي ، لكلّ منها لجنة حاكمة وضابط ارتباط بريطاني مهمّته التفريق بين حكومات هذه المدن .
يوّقع شيوخ معان وأميرها على الوثيقة البيعة التي صاغوها ، وأرسلوها الى الشريف الحسين بن علي ، يبايعونه فيها على أن يكون ملكا للعرب ، يحكم بالشريعة الاسلاميّة وبالعدل بين الناس ، فيرسل ابنه الأمير عبدالله الى معان . لا يعجب ذلك بريطانيا ، فيأمروا رجلهم في السلط ، مظهر أرسلان ، ليطلب من الأمير العودة الى الحجاز ، فيرفض ، ويؤسس امارة ، وبعد عام يسلّم الانجليز بمعاونة أرسلان الذي أصبح وزيرا للداخلية ، الثائر العربي ابراهيم هنانو الى السلطات الفرنسيّة ، التي احتّلت سوريّة وأسقطوا الملك العربي فيصل بن الحسين وطردوه من دمشق وعاثوا فيها فسادا .
يقود عودة أبو تايه وسعيد خير وشيوخ الأردن الوطنيين مظاهرات ضد تسليم هنانو ، فيأمر أرسلان قوّاته بإطلاق النار على المتظاهرين ، فيدافعون عن أنفسهم ويصاب قائد القوّات البريطانيّة الضابط فردريك بيك برصاصة . يقوم البريطانيين بزّج احرار العرب في السجن ومنهم علي خلقي الشرايري وصالح النجداوي وتوفيق النجداوي وهم ضباط أردنيون كانوا يعون مخطط الانجليز وأتباعهم ، وعاد أبو عناد الى أهله في جبال الشراة . عندما غادر الأمير عبدالله الأردن الى أوروبا بحثا عن الاستقلال ، استغل وزير الداخلية أرسلان غيابه وأرسل الى عودة أبو تاية دعوة لاحتفال في عمّان ، فلبّى الدعوة بحسن نيّة ، لكنّ تم تسليمه للإنجليز وسجنوه في سجن السلط . فرسان السلط ورجالاتها الذين رفضوا ذلك ، وضعوا خطّة محكمة لتهريبه ، وخلعوا قضبان السجن وأهدوه فرسا ورافقوه الى مضارب بني صخر ، الذين استقبلوه أحسن استقبال وودّعوه الى الجفر . لكنّه لم يطق العيش ، فغادر الى الرطبة في العراق .
علم الشريف الحسين بن علي بالأمر وغضب غضبا شديدا وأمر بعودة الشيخ عودة أبو تايه الى وطنه الذي أفنى عمره في الكفاح من أجل استقلاله والدفاع عنه ، وقاد القوّات من أجل تحقيق شعار الثورة العربيّة الكبرى . استقبله الأمير عبدالله في عمّان وأمر بتسهيل سفره الى القاهرة للعلاج ليعود ويتوّفاه الله في عمّان بعد عملية جراحية .
معارك أبو تايه أيضا كان من جنود الجيش العربي الذين يؤمنون بأنّ من واجبهم حماية وطنهم الاردن ، ومنع كلّ من تسوّل له نفسه من الاقتراب من ثغوره ، أو من بوّابات مناطقه العسكريّة المغلقة ، التي لا نستطيع نحن الأردنيين دخولها . انتسب الى الجيش وعمره ثمانية عشر عاما وخدم فيه عشرين عاما بشرف ، يستحقّ اعادة محاكمته وتغيير الحكم ، لأنّنا مثل رفاق سلاحه و أمّه مقتنعون أنّ ولدها ما خان يوما شرفه العسكري .