فشلت الهيئة المستقّلة للانتخابات فشلا ذريعا في ادارة انتخابات البلديّة والمجالس المحلّية ومجالس المحافظات . ويبدوا أنّ القائمين على ادارة هذه الهيئة لا يقومون بالتخطيط الجيّد للانتخابات وذلك امّا بسبب جهلهم لمجرياتها أو عدم توّفر الكفاءات القادرة على اخراج العمليّة الانتخابيّة بالصورة التي يجب أن تتوفّر في أي انتخابات عصريّة ، تجري بموجب قانون تمّت دراسته لمدّة طويلة في دوائر حكوميّة ، ثمّ أخذ صيغته النهائيّة بموافقة مجلس الأمّة بشقيّه النوّاب والاعيان عليه . تخبّط الهيئة المستقلّة للانتخاب ، وعدم فهم كوادرها للقانون ، جعل من الاجراءات الانتخابيّة التي كان يجب أن يتقيّد بها مفكّري الهيئة تتبدّل وتتغيّر حسب مقتضى الحال ، أو بعد أن يجري الاعتراض عليها من المواطنين .
ثمّ جاء يوم الانتخاب ليبيّن أنّ الاعداد الجيّد لهذا الاستحقاق الوطني كان غير كاف ، فمثلا تباين أعداد الناخبين في الصناديق المختلفة ، حيث احتوى بعضها ، في بعض الدوائر ، على أكثر من ألف ناخب وآخر في نفس الدائرة الانتخابيّة على مائة ناخب أو أكثر بقليل . مما كان له الأثر في اكتظاظ الناخبين على أبواب بعض المدارس التي جرى بها الانتخاب ، وعدم قدرة الكثيرين على التصويت بالرغم من رغبتهم بذلك ، وذلك لطول الاجراءات التي كانت العمليّة الانتخابية تطلبها بسبب سوء تخطيط الهيئة التي أقّرت في بداية التحضير للانتخابات شكل ورقة اقتراع أعضاء المجلس البلدي بالفصل بين الجنسين المترشحين للانتخابات بالرغم من مخالفة ذلك للقانون .
ثمّ عادت وأقرّت ان للناخب حريّة الاختيار بعدد يساوي أعضاء المجلس ، بغضّ النظر عن الجنس وكان ذلك عن طريق كتابة الأسماء ، مما سبب طولا في المدّة التي يحتاجها الناخب لكتابة كلّ أسماء الأعضاء الذين يرغب في انتخابهم . ولو أنّ ورقة اقتراع أعضاء المجلس البلدي والمجالس المحليّة كانت مثل ورقة اقتراع الرئيس أو اللامركزيّة ، أي أنّها احتوت صور للمترشّحين ، لاختصرت من العمليّة الانتخابيّة الوقت الكثير ، ووفرّت الجهد وخففت من تدافع الناخبين ووقوفهم لساعات طويلة أمام أبواب المدارس .
في الماضي ، وقبل أن نبتلى بالهيئة المستقلّة للانتخابات كانت تجري العملية بسلاسة وهدوء ،لأن اشراف وزارة الداخليّة عليها كان يتميّز بالدقّة والتخطيط الجيّد بحيث ، مثلا ، يقّسم أعداد الناخبين في الدائرة الواحدة على عدد الصناديق التي تكون عادة كافية ، وتوّزع على المدارس بالتساوي من أجل تخفيف الضغط على عليها . وكان يتم انتقاء أعضاء اللجان المشرفة على الصناديق من خارج الدائرة الانتخابيّة منعا للانحياز لجهة مرشّح ما . وكانت تنقّح سجلّات الناخبين بشكل جيّد بحيث لا يكون فيها تكرار أو أموات ، وبعضهم مات من أربعين سنة ، ولم تزال أسماؤهم بالرغم من التنويه الى ذلك سابقا ومنذ الانتخابات النيابيّة السابقة .
أن يحاول الناخبين أو المترشّحين التأثير أو التزوير في العمليّة الانتخابيّة أمر يمكن أن يحصل . أمّا أن ترتكب الهيئة المستقلّة أخطاء تعيق العمليّة الانتخابيّة ، وهي التي يجب أن تكون الحريصة على انجاحها فهو أمر غير مقبول .
أدعو الله أن لا تبقى الهيئة على ضعفها في ادارة العمليّة الانتخابيّة ، أو أن تعود ادارة العمليّة على الأقل الى وزارة الداخليّة ، لأنّها الأجدر على ذلك .