كثر مؤخرا الحديث في وسائل الإعلام عن تقارب أردني إيراني، وبعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لعمان قالت وسائل إعلام تركية إن أردوغان حمل عرضا من إيران للقيادة الأردنية يقضي بانسحاب الجماعات المحسوبة عليها من جنوب سورية مقابل ترتيبات مشتركة.
وبالأمس احتفل الجانبان الأردني والعراقي بإعادة فتح معبر طريبيل إيذانا باستئناف النشاط الاقتصادي بين البلدين الشقيقين.
إيران ليست بعيدة عن هذه الترتيبات، ولن تكون فيما يخص خطوات التقارب الحثيثة بين بغداد وعمان. هناك مشروع أنبوب النفط من البصرة للعقبة، وهو مشروع حيوي للطرفين.
في سورية لا يمكن لأي صفقة أن تنجح بدون تعاون مع إيران. حتى فتح معبر نصيب مستقبلا يتطلب أخذ موقف إيران بعين الاعتبار.
لسنا في وضع يمكننا من تغيير معادلات المنطقة. ثمة قوى كبرى تدير اللعبة، لكن قوة الأردن على الدوام كانت في قدرته على ضمان مصالحه العليا وسط حالة من الاستقطاب والصراع.
بشكل عام نجحت هذه السياسة في تجنيب الأردن أسوأ الخيارات، لكن المستوى الذي بلغته المنطقة، واحتدام المنافسة وضعا الأردن في موقف حرج فرض عليه "مجاملات" سياسية على حساب قناعاته أحيانا.
كما فرضت عليه التطورات الميدانية على حدوده مع سورية اتخاذ كل مايلزم من إجراءات لمنع انتقال الفوضى، أو تمكين الجماعات الإرهابية على الجانب الثاني من الحدود. ومن هذا المنطلق فقط قبل بفتح خطوط الاتصال مع مكونات اجتماعية وعسكرية سورية.
ومع الجانب العراقي تعامل الأردن بصفاء مع حكومة العبادي، ومنحها كل الدعم المطلوب للانتصار في معركتها ضد الجماعات الإرهابية.
محاولاته لخلق محور عربي عقلاني ومعتدل لم تحقق النتائج المرجوة، ومع مرور الوقت شعر الأردن بخيبة أمل من إمكانية حشد المحور العربي خلف أجندة موحدة. وأكثر من ذلك يمكن القول إن الأردنيين على جميع المستويات شعروا بالخذلان، خصوصا مع تفاقم الأزمة الاقتصادية جراء الظروف الإقليمية المحيطة.
الأردن حاليا في لحظة تأمل عميقة، وبمعنى أدق في حالة تمرين ذهني لمقاربة خياراته دون استثناء، تمهيدا لممارسة مهاراته المعهودة في التكيف مع التحولات وتنويع العلاقات بما يساعد في احتواء الآثار المدمرة لحروب الإقليم وأزماته.
في الأصل لم يبلغ الأردن مرحلة القطيعة مع أي من دول المنطقة. الأزمة الحقيقية اليوم هى مع إسرائيل فقط، وهي مرشحة للبقاء فترة من الوقت ما لم تستجب تل أبيب للمطالب الأردنية.
في اعتقادي لم يعد هناك أي مبرر لعدم تطوير العلاقات مع إيران واستعادة الزخم المطلوب، وعودة السفير الأردني إلى طهران تبدو خطوة منطقية.
وبعد إنجاز الترتيبات المطلوبة في الجنوب السوري مع الحليفين الأميركي والروسي، ما من سبب لتأخير فتح معبر نصيب، وتحريك ملف العلاقات الثنائية مع دمشق.
بصرف النظر عن مواقفنا السياسية أو الأخلاقية من الأزمة في سورية، علينا أن نتعامل مع الحقائق والمصالح، هكذا هى السياسة. نظام بشار الأسد انتصر في المواجهة المفتوحة منذ سبع سنوات، ونحن لم نكن من دعاة إسقاط النظام، بل دعمنا عملية سياسية كانت تحظى بموافقة حلفاء دمشق قبل خصومها. وكل دور أردني في سورية كان محصورا في محاربة الجماعات الإرهابية، وها نحن نقترب من تحقيق النصر عليهم.
الوضع الطبيعي هو أن يكون للأردن علاقات طبيعية مع كافة دول المنطقة. هكذا كان الأردن على مر تاريخه.