كل التطورات التي تحصل على الجانب الآخر من الحدود مع سورية تصب في مصلحة الأردن. تنظيم داعش الإرهابي ينهار في دير الزور، مخيم الحدلات يكاد يتلاشى، و"الركبان" يشهد موجات نزوح إلى الداخل السوري. الجيش السوري يتقدم لمواقع حدودية كان "داعش" يطمح بالسيطرة عليها.
اتفاق عمان لوقف إطلاق النار في الجنوب السوري ما يزال صامدا ومرشحا لمزيد من التطورات الإيجابية. باستثناء جيش خالد بن الوليد الموالي لداعش المحدود عددا وعتادا والمحاصر من كافة الجهات، يمكن القول أن المناطق المحاذية للحدود الأردنية خالية تماما من الدواعش. جبهة النصرة ما تزال هناك لكنها غير قادرة على المناورة، ومحكومة بحسابات الفصائل المهيمنة في درعا، وليس أمامها من خيار مستقبلا سوى ترحيل ما تبقى من عناصرها إلى مدينة إدلب، بانتظار المحرقة الكبرى.
مركز عمان لمراقبة إطلاق النار في الجنوب السوري يعمل بتناغم. موسكو وواشنطن على ثقة بأن عمان شريك جدير بالثقة. المشهد في هذه الجزئية ينطوي على مفارقة تحسب للأردن؛ اتفاق عمان هو نقطة اللقاء الوحيدة في العالم بين روسيا وأميركا وفيما عداها من قضايا ثنائية ودولية وإقليمية هي محل خلاف شديد بين القطبين الدوليين.
خطر الجماعات الإرهابية على الأردن تراجع بنسبة كبيرة بفضل المقاربة الذكية التي تبناها الأردن حيال الأزمة السورية. على مدار سنوات الصراع السبع، لم يفقد الأردن السيطرة على شبر واحد من أراضيه بخلاف كل دول الجوار السوري التي انهارت حدودها تماما وأصبحت مرتعا للجماعات الإرهابية وتجار السلاح والمخدرات.
وفي مجرى المواجهة مع التنظيمات الإرهابية لم يضطر الأردن لعقد أي صفقة معها أو تقديم أي تنازل لها كما هو الحال مع لبنان مثلا.
عملية إعادة الهيكلة والتموضع التي تخضع لها بعض فصائل المعارضة السورية المعتدلة جنوب شرق سورية ومناطق أخرى تؤكد من جديد أن محرك الدور الأردني في سورية كان محاربة الجماعات الإرهابية وإبعادها عن أراضيه. وليس مستبعدا في هذا الإطار أن نشهد تفاهمات غير مسبوقة في الجنوب السوري بين النظام وجماعات معارضة، قد تؤسس مستقبلا لحل للأزمة السورية يحاكي نموذج الجنوب السوري.
لقد حصل تطور يؤشر على ذلك قبيل إجازة عيد الأضحى بقليل، عندما اجتمعت قيادات محسوبة على المعارضة مع ممثلي الحكومة السورية في محافظة درعا لتأمين الأوضاع الأمنية في المدينة على نحو سمح لسكانها الاحتفال ولأول مرة بالعيد.
اتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب يؤشر هو الآخر على أن الهدف الاستراتيجي هو تهيئة الظروف لحالة من الهدوء والاستقرار تمهد لاستئناف حركة النقل والتجارة بين البلدين وفتح المعبر الحدودي الحيوي لاقتصاد الطرفين. خطوة كهذه باتت متوقعة بشكل كبير قبل نهاية العام الحالي.
الدول التي تورطت في الحرب السورية، هى التي غامرت بأمنها واستقرارها لحسابات سياسية وتوسعية على حساب مصالحها العليا. الأردن الوحيد من بين دول الجوار الذي اعتمد مقاربة أساسها أولوية المصالح الأردنية على سواها من المغامرات الطائشة.