بقلم : هشام الهبيشان.
تزامناً مع الوقت الذي لم تنجح فيه كل جهود المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة بجمع " بعض " الاطراف الليبية المتمثلة بأعضاء لجنتي الحوار عن مجلس النواب ومجلس الدولة ،على طاولة تفاهمات مكتملة وتحديداً بخصوص التفاهمات على وضع الجيش والأجهزة الأمنية ووضع الجنرال حفتر على خارطة المشهد السياسي في ليبيا ،هنا يبدو واضحاً ان تعقيدات الملف الليبي بدأت تأخذ عدة مسارات ،وهذه المسارات ستزيد من حالة التعقيد الخاصة بالملف الليبي .
وفي الوقت الذي عادت فيه الأحاديث والتحليلات والتصريحات عقب فشل حوار تونس ،عن إحياء مؤتمرات خاصة لحلّ الأزمة الليبية ، تسود حالة من التشاؤم في خصوص الجدوى من عقد هذه المؤتمرات، لأنّ أغلب المطلعين على تداخلات الملف الليبي يعلمون ويدركون أنّ عقد جلسات مشاورات أو لقاءات أو مؤتمرات تضمّ شخصيات من اطراف المعادلة الليبية أو اطراف اخرى، لن ينجح بسبب وجود صعوبات ومعوقات كثيرة، ومن خلال استعراض اللقاءات والمؤتمرات التي عقدت، في هذا الإطار، نجد أنّ كلّ ما قامت به هو إشباع الإعلام بالصور النادرة عن نجاحات الأمم المتحدة والدول الوسيطة في التفاوض وعن فرص للتقدم المأمول، مع أنّ تلك الدول جميعها تدرك أنّ الوصول إلى نتائج فعلية ليس ممكناً في هذه المرحلة، وفي حال التوصل إلى حلّ ما فإنه سيكون مرحلياً، أو خطوة في طريق طويل صعب ومعقد، ستبقي ليبيا في معمودية النار حتى وقت غير محدّد.
اليوم يقال أن هناك تحضيرات دولية لمؤتمر يجمع بعض الأطراف والقوى الليبية لم تحدد بدقة فترة ومكان انعقاده ، ولكن الواضح أنّ هذا المؤتمر بحال انعقاده لن يتمكن من تحقيق أي إنجازات بظل غياب أطياف يمنية رئيسية ،فـ المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة كان واقعياً عندما قال "أن مؤيدي نظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي يمكنهم المشاركة بالعملية السياسية في ليبيا "،فـ هناك طرف ليبي مؤثر وبقوة بالساحة الليبية ما زال البعض يسعى لتغييب دوره بشكل كامل .
وبالعودة إلى صلب ملف الأزمة الليبية ، فقد تعلمنا من التاريخ دروساً بأنّ أزمات دولية – إقليمية - محلية مركبة الأهداف، كالأزمة الليبية،انه لا يمكن الوصول إلى نتائج نهائية لها بسهولة، لأنها كرة نار متدحرجة قد تتحول في أي وقت إلى انفجار إقليمي، وحينها لا يمكن ضبط تدحرجها أو على الأقلّ التحكم بمسارها، فالحلول والتسويات تخضع للكثير من التجاذبات والأخذ والردّ قبل وصول الأطراف الرئيسية المعنية إلى قناعة شاملة بضرورة الوصول لتفاهمات مكتملة، وفي هذه الحال، لا يمكن التوصل إلى حلّ في المدى المنظور، ما لم تنضج ظروف التسويات الإقليمية والدولية، واليوم من الواضح أنّ جميع المعطيات الإقليمية والدولية في هذه المرحلة، تشير إلى تصعيد واضح بين الفرقاء الإقليميين والدوليين، وهذا بدوره سيؤدي إلى المزيد من تدهور الوضع في ليبيا ، وهذا ما تعيه بعض القوى الوطنية الليبية بشكل واضح .
اليوم ، يبدو واضحاً لجميع المتابعين للحالة الليبية أن " بعض" القوى الاقليمية والدولية ،بدأت تدرك حجم المأساة والكارثة التي أدخلت فيها ليبيا الجغرافيا والإنسان ، وأدرك كذلك الشعب الليبي وللأسف متأخراً الأهداف الحقيقية لأطراف العدوان التي أوصلت ليبيا لهذه الحالة المعاشة اليوم ، وبهذه المرحلة ، لايمكن لأي متابع أن ينكر حجم المأساة التي يعيشها الشعب الليبي منذ إسقاط أطراف العدوان الخارجي سلطة الراحل القذافي ، فهذه المأساة تتجلى تفاصيلها اليوم ، بواقع معيشي صعب يعيشه الليبيين وسط تمدد الميليشيات المسلحة وسطوتها على مفاصل صنع القرار بالمدن الليبية رغم الحديث عن توافقات حول حكومة السراج ، إضافة إلى إنعدام شبه كامل للأمن بمعظم مناطق الجغرافيا الليبية.
ختاماً ، هنا يمكن القول أنه بات من الواضح أن مسار الحلول السياسية والخاصة بالملف الليبي ، قد نعتها مسارات ومشاريع القوى المتصارعة على الساحة الليبية ، فقد عشنا منذ مطلع العام الحالي تحديداً على تطورات دراماتيكية دموية” ، عاشتها الدولة الليبية من شمالها إلى جنوبها ، ومن غربها إلى شرقها ، والواضح أنها ستمتد على إمتداد أيام هذا العام ، فقد إشتعلت عدة جبهات على إمتداد الجغرافيا الليبية ، وبشكل سريع ومفاجئ جداً ، في ظل دخول متغيرات وعوامل جديدة وفرض واقع وإيقاع جديد للخريطة العسكرية الليبية ، وخصوصاً بعد تمدد ومن ثم تراجع وعودة تمدد القوى المتطرفة المدعومة خارجيا” بشكل واسع بمناطق شرق وجنوب شرق ليبيا .
*كاتب وناشط سياسي – الأردن.
hesham.habeshan@yahoo.com