زاد الاردن الاخباري -
كصندوق خشبي قديم عثرت عليه في سرداب، خبئت فيه وثائق وصور اصفرت وتآكلت بتقادم الزمن. هكذا هي ملفات اغتيال الرئيس جون أف كينيدي عام 1963، التي تكشف وقائع ظل بعضها غامضا حتى اليوم.
الوثائق التي كشفت عنها إدارة الأرشيف الوطني الأميركية مساء الخميس، بعد أن وقع الرئيس دونالد ترامب مذكرة تسمح بنشر ملفات التحقيقات المرتبطة بجريمة قتل الرئيس الـ35 للولايات المتحدة، تضم كنزا من المعلومات بشأن ما جرى خلال تلك الفترة، لكنها لا تقدم صورة كاملة تماما لما حدث، إذ طلبت وكالات الاستخبارات إبقاء السرية على بعض الملفات نظرا لما قد تسببه من تداعيات على الأمن القومي، وأيضا على علاقات الولايات المتحدة الخارجية.
جريمة الاغتيال
اغتيل الرئيس جون فتزجيرلد كينيدي يوم الجمعة، في 22 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1963، في مدينة دالاس بولاية تكساس عند الساعة 12:30 بعد الظهر بالتوقيت المحلي.
كان كينيدي في موكب يسير ببطء وسط المدينة، ويستقل سيارة رئاسية مكشوفة برفقة زوجته جاكي وحاكم ولاية تكساس جون كنالي وزوجته نيلي. وفي ضاحية ديلي بلازا أصيب بطلقات نارية قاتلة.
اللجنة الرئاسية التي قادها رئيس المحكمة العليا في حينها القاضي إيرل وارن، للتحقيق في حادث اغتيال كينيدي، خلصت إلى أن مطلق النار هو لي هارفي أوزوولد، وقالت إنه تصرف بمفرده.
ولكن بعض التفاصيل المحيطة بالجريمة كانت محل شك كثير من الأميركيين، ما دفع البعض إلى تصديق سيناريوهات تظل حتى يومنا هذا في إطار نظرية المؤامرة.
لا شك أن تشكيل صورة متكاملة عن جريمة الاغتيال ودوافع القاتل أوزوولد وعملية قتله على يد أحد عناصر الشرطة في دالاس بعد يومين من مقتل الرئيس، ستأخذ وقتا طويلا وتحليلا مستفيضا للأحداث، لكننا سنضع هنا بعض التفاصيل المثيرة للانتباه في الوثائق المنشورة حديثا.
أبلغ مواطن كندي مكتب التحقيقات الفدرالي غداة اغتيال الرئيس كينيدي أنه سمع ثلاثة رجال كانوا يتحدثون قبل ثلاثة أسابيع من عملية الاغتيال عن الرئيس الأميركي، ونقل عنهم القول "إن كينيدي لن يترك دالاس حيا إذا زارها"، مبديا ثقته بأن أحد هؤلاء الرجال الذي كانوا في طريقهم إلى كوبا، لي هارفي أوزوولد. ولكن أبلغ أحد أصدقاء هذا المواطن الكندي مكتب التحقيقات أن لصديقه خيالا واسعا. ورجح عملاء المكتب أن تكون رواية الرجل محض خيال.
تشير وثائق وكالة الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيقات الفدرالي إلى أن للي هارفي أوزوولد ارتباطات بالاتحاد السوفيتي السابق.
قال مدير مكتب التحقيقات الفدرالي حينذاك إدغار هوفر، في رسالة أعقبت اغتيال كينيدي، إن لدى المكتب أدلة تثبت تورط أوزوولد في الجريمة، وارتباطه بكوبا والاتحاد السوفيتي.
أقر ضابط مخابرات كوبي عام 1967 بمعرفته الشخصية بأوزوولد، حسب وثيقة لمكتب التحقيقات الفدرالي.
اعترضت وكالة الاستخبارات المركزية مكالمة هاتفية بين أوزوولد عندما كان في المكسيك وأحد عناصر الاستخبارات الروسية في سفارة موسكو في ميكسيكو ستي. أوزوولد تحدث مع الضابط بلغة روسية ركيكة.
تلقى مكتب التحقيقات الفدرالي تحذيرا من مخطط لقتل منفذ عملية الاغتيال أوزوولد قبل مقتله بيوم على يد الشرطي في شرطة مدينة دالاس جاك روبي.
المكسيك كانت طرفا متعاونا مع الولايات المتحدة على عدة محاور، من المساعدة في التجسس على الاتصالات في السفارتين الروسية والكوبية في المكسيك، إلى محاولة تقفي أثر ارتباطات أوزوولد في البلاد. وأبلغت مصادر وكالة الاستخبارات المركزية أن أوزوولد أودع مبلغ خمسة آلاف دولار في أحد البنوك المكسيكية. وتعقبت السلطات المكسيكية جميع الإيداعات في بنوك البلاد ولم تعثر ما يثبت إيداع القاتل أموالا هناك.
تشير وثيقة لوكالة الاستخبارات المركزية إلى أن شخصا يلقب بـ"أيل مكسيكانو" كان يرافق أوزوولد في رحلته الغامضة إلى المكسيك في أيلول/ سبتمبر عام 1963، أي قبل تنفيذ عملية الاغتيال بشهرين. الوثيقة عرفت "إيل مكسيكانو" على أنه فرانسيكو رودريغاس تامايو، قائد ميليشيا كانت معارضة لنظام كاسترو في كوبا حتى فراره ولجوئه إلى الولايات المتحدة عام 1959. وتعرف وثيقة أخرى هذا الشخص على أنه قائد معسكر تدريب قوة معارضة لكاسترو.
نظرية المؤامرة
رغم أن تحقيقات السلطات في اغتيال الرئيس كينيدي اثبتت أن أوزوولد تصرف بمفرده، ظل كثير من الأميركيين على اعتقاد بوجود طرف آخر في الجريمة. نحو 60 في المئة يعتقدون أن شخصا آخر كان متورطا في عملية الاغتيال.
ويبقى الأميركيون حتى يومنا هذا على انقسام في هذا الشأن، إذ يتهم البعض عصابات الجريمة المنظمة (المافيا) بالوقوف وراء الجريمة، وآخرون يتهمون الحكومة الفدرالية ووكالات الاستخبارات بالتورط فيها، بينما يلوم آخرون كوبا ورئيسها في ذلك الوقت فيدل كاسترو بالتخطيط للعملية.
الحرة