زاد الاردن الاخباري -
عانى الأردن من استمرار الأزمة السورية وبقائها في سياق الصراع العسكري والاستقطابات الدولية والاقليمية وما يرافقها من تدخلات منذ ست سنوات.
وعانى أيضا من استشراء الإرهاب واقتراب التنظيمات الارهابية والميليشيات المذهبية من حدوده. وكان وما يزال يريد جيش الدولة السورية على الحدود الطويلة (التي تزيد عن 375 كليومترا) مع هذا الواقع خلال السنوات الست الماضية.
كما كلفه عبء استضافة أكثر من مليون ونصف المليون لاجىء كثيرا وبما يجاوز طاقته.
ويبذل الأردن مجهودات سياسية وعسكرية وأمنية كبيرة لضمان أمن الحدود وعلى الجانبين دون الدخول في العمق السوري.
وعلى رغم ذلك، بقي الأردن متموضعا خلف الحل السياسي في ظل تقلبات الأزمة الميدانية والسياسية والاستقطابين الاقليمي والدولي الشديدين.
واستثمر الأردن علاقاته وأبوابه المفتوحة مع دول العالم، وبخاصة روسيا والولايات المتحدة، لمنع تضرر العلاقات الأردنية جراء هذه الاستقطابات وإبقاء التركيز على الحل السياسي مع تأمين المصالح والأمن الوطني الأردنيين من أي تداعيات للأزمة السورية.
تحول دولي
الموقف الأردني استوعب مبكرا، حتى الآن، التغييرات الجديدة..
فاليوم يقر العالم بقواه الرئيسة وبخاصة الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا بأن روسيا هي صاحبة اليد العليا في الأزمة السورية.
وهذا بدأ تدريجيا منذ تدخلت روسيا عسكريا في الأزمة (أيلول 2015) وأنقذت النظام الذي كان على وشك الانهيار حينها وقواه منهكة ومشتتة في ظل تقدم كبير حققته داعش من جهة والمعارضة السورية وقواها المسلحة من جهة بدعم غربي وإقليمي مقابل ايران التي تدخلت بقوة لحماية النظام بقوات حزب الله ومليشيات مذهبية مختلفة وقوات وخبراء من الحرس الثوري، خصوصا عام 2013
لكنها لم تستطع حسم الأزمة عسكريا بذلك التدخل ما استدعى الدعم الروسي لانقاذ الموقف وهو ماحصل فعلا رغم التباين في مفاصل رئيسة بين الأجندتين الروسية والإيرانية حيال سوريا وتوقعات بأن يأخذ هذا التحالف شكل التنافس مستقبلا.
التجاذبات السياسية المختلفة أثرت ضد تسريع إيجاد حل لهذه الأزمة، فكانت الولايات المتحدة تمول فصائل المعارضة من جهة، وروسيا بوجودها العسكري الضخم تدعم النظام وأتباعه ويتغاضى عن الكثير من الممارسات التي أثرت سلبا على الجانب الإنساني وأدت الى قتل وتشريد الملايين من السوريين على مدار 6 سنوات.
وكان المحلل الأميركي في «فورين أفيرز» فابريس بالانش وصف قرار إدارة ترمب الأخير بوقف برنامج تدريب وتسليح المعارضة المعتدلة، على تواضعه، أنه تسليم براغماتي للواقع العسكري، وأشار إلى أن الأردن جمّد منذ ثلاث سنوات تقريبا دعمه لتلك الفصائل، وأغلق حدوده أمام مرور المساعدات العسكرية للثوار، إثر اتفاق بين الأردن وروسيا والنظام السوري في أيلول 2015 يقضي بوقف إطلاق النار في درعا.
وطلب الأردن من تلك الفصائل التوقف عن مهاجمة الجيش السوري والتفرغ لمحاربة الجماعات الإرهابية.
معلومات «فورين أفيرز» بهذا الشأن تتفق مع سياسة الأردن المعلنة في السنوات الأخيرة، التي تعتبر القضاء على الإرهاب في سوريا وعموم المنطقة أول أولوياتها.
الإعلان رسميا عن وقف برنامج وكالة المخابرات المركزية لدعم وتسليح الفصائل المعتدلة في سوريا (الموكا)، البرنامج الذي بدأ قبل نحو أربع سنوات وكلف مئات الملايين، فقد قيمته بعد سنة تقريبا.
مناطق خفض التوتر بداية الحل
كان الدور الأردني واضحا في اليوم الذي التقى فيه الرئيسان ترمب وبوتين وحدثت فيه التحولات الكبرى في المسار السوري.
ففي ذلك اللقاء، ومن عمان بالتزامن جرى الإعلان عن منطقة خفض التوتر الأولى من بين ثلاث مناطق أخرى على الساحة السورية في الغوطة الشرقية وحمص وإدلب المنتظرة خلال الأيام المقبلة وقبل جولة استانا السابعة أو خلالها في منتصف الشهر الجاري.
الاتفاق على إنشاء المنطقة في جنوب غرب سوريا كان اتفاقا أردنيا روسيا أميركيا مشتركا، والضمانات أيضا عبر مركز المراقبة الذي أنشىء في عمان بوجود الدول الثلاث.
هذه المناطق لها أهداف استراتيجية تلبي المطالب والمصالح الأردنية، والتي يؤمل الأردن أن تفضي إلى الحل السياسي بتثبيت وقف إطلاق النار والمضي قدما في الحل السياسي الذي فشل الجميع في التوصل اليه خلال سنوات الأزمة الست الماضية.
منطقة جنوب غرب سوريا لخفص التوتر صامدة إلى حد بعيد منذ الإعلان عنها في شهر التحولات الكبرى في سوريا تموز الماضي، وكذلك هناك هدوء نسبي في منطقتي الغوطة الشرقية وحمص والتحضيرات جارية لمنطقة إدلب الأكثر صعوبة وحساسية لكنها قادمة وفق سيناريوهات أكيدة بعد إقرارها في آستانا 6.
أهمية الهدنة في الجنوب السوري التي أفرزها «اتفاق عمان»، لتوحيد الفصائل السورية الجنوبية في تكتل واحد تحت اسم «الجبهة الوطنية لتحرير سوريا»، بتشجيع من أطراف اقليمية لضبط الأوضاع وفوضى السلاح في الجنوب، وأعاد الحياة إلى طبيعتها، خصوصا أن جميع هذه الفصائل تمتلك ذات التوجهات والمنطلقات ومصادر التمويل.
اتفاق عمان مرشح للبقاء والاستمرارية لأن هناك تفاهما أردنيا روسيا أميركيا، ولكن تبقى المخاوف من أن تتحول الاتفاقات المناطقية بداية لتقسيم سوريا.
استمر الجيش النظامي بسيطرته على حدوده الجنوبية مع الأردن حتى 2012، ودخلت عام 2013 فصائل متعددة وسيطرت على منطقة درعا والحدود، ولم يعد هناك تواجد للجيش السوري على طول الحدود وأغلق المعبران مع الأردن (درعا- الرمثا ونصيب- جابر).
ويلفت الباحث الاستراتيجي اللواء الطيار الركن المتقاعد محمود ارديسات، إلى أن الجنوب السوري حاليا غير مسيطر عليه بالكامل من أي جهة، وإنما الصراع مستمر بين مختلف المليشيات، منها من يتمسك بالأرض مثل الفصائل المسلحة، إضافة إلى الصراع المحتدم بين قوات جيش النظام وحلفائه والمعارضة للسيطرة على المعابر ومنها معبر نصيب درعا وصولا إلى ريف السويداء.
هناك ترحيب باتفاق عمان والدور الأردني الإيجابي والمحوري في التوصل له، وضمان استمراريته. لكن هناك حذر أن تكون هناك تفاهمات غير معلنة على تقسيم مناطقي وتفكيك للدولة السورية.
يقول ارديسات ان اتفاق عمان هو اتفاق «روسي أميركي جديد»، ويحتاج إلى جلسات أخرى للاتفاق على شكله النهائي وبجميع التفاصيل خصوصا الجهات التي ستقوم بحماية الاتفاق مع الأخذ بمطالب عمان بعدم وجود مليشيات مذهبية قرب حدوده.
العميد في الجيش السوري الحر أكرم خليف رأى أنه رغم استمرارية اتفاق عمان، إلا أن الأمور «ما تزال غير واضحة للآن»، واعتبر نجاح الاتفاق مرتبطا بالقرار الأميركي بما يحقق مصلحتها ومصلحة اسرائيل.
ويعتقد المحلل السياسي الدكتور حسن البراري أنه «بما أن الأردن ليس لديه الكثير من الأوراق، وغير منخرط بالحرب الدائرة وإن كان مطلا على التفاصيل كافة، إلا أن الورقة الأهم أردنيا هي تماسك التحالف مع واشنطن».
والتحدي الأكبر، برأيه، هو «شكل الجنوب السوري من حيث انتشار القوى بعد القضاء على داعش»، ويبقى السؤال «هل ستبقى التنظيمات الشيعية قريبة من الحدود؟ وما هو موقف اسرائيل وكيف سيكون التنسيق الإسرائيلي الأردني لضمان ألا يشكل الجنوب السوري تحديا أمنيا لأي طرف؟».
ويتفق خليف مع البراري بانه ليس للأردن أوراق للعب إلا بقرار أميركي وبريطاني (100%).
يتابع خليف: بكل أسف، عندما نتكلم، فهذه هي الحقيقة الجارحة لنا العرب جميعا، ولنكن واقعيين وبعيدين عن العاطفة، الأردن ليس له أي دور أو أوراق ضغط دولية إنما هناك مصالح غربية وإسرائيلية على أرض الأردن وعندما يتم الحديث فيها تكون باسم الأردن» وهذه حقيقة يعلمها الجميع».
السياسة الأردنية
اعتاد الأردن على تقلبات الأزمة السورية المتسارعة والمفاجئة، لكن في هذه المرحلة التي يتوافق فيها العالم على الحل السياسي في ظل رغبة أميركية روسية لتحقيق نوع من هذا الحل فإن الأردن يضع كل ثقله الدبلوماسي والعملي خلف هذا الحل معتمدا على رؤيته وخياراته التي ثبت صوابيتها للجميع في ظل أبواب مفتوحة في موسكو وواشنطن للدبلوماسية الأردنية.
في هذا السياق وفي ظل ترتيبات تجري مع الدولة السورية لضمان نجاح الحل السياسي وتقدم العلاقات الثنائية المرشحة للتحسن كلما شهدت الأزمة مزيدا من الهدوء والتقدم للحل السياسي وتراجع الاستقطابات الاقليمية والدولية.
صحيح أن الأردن مراقِب في مسار آستانا، إلا أنه منذ إقامة منطقة خفض التوتر في جنوب غرب سوريا التي هي نتاج لهذا المسار، أصبح بمثابة الشريك والضامن للحل والنجاح في التقدم اليه.
وهذا ما يمكن الأردن من التحرك مع القوى الدولية والاقليمية إلى الجولة المقبلة لمسار جنيف السياسي وفق رؤية جديدة لمختلف الأطراف تذهب الى سوريا الجديدة وفق السيناريو السياسي باسقاط الحل العسكري من الأطراف المنخرطة في الأزمة السورية بما فيها النظام والمعارضة وحلفائهم ووكلائهم على الأرض السورية.
هل يكون تشرين الثانيا
شهر الحل للأزمة السورية؟
سؤال لا يمكن الإجابة عليه فورا لأن الأزمة السورية ذات تاريخ متقلب، لكن الشهر الحالي تجمعت فيها عناصر جديدة وكثيرة تذهب باتجاه مقاربة الحل السياسي.
وواضح أن موسكو وواشنطن على وجه الخصوص تريدان اختبار الفرصة في هذه المرحلة وكلتا الدولتين العظميين تكادان تحققان مصالحهما في الأزمة السورية.
فواشنطن تهزم الإرهاب وموسكو حققت كل مصالحها في سوريا ولا تريد إبقاء الأزمة مفتوحة لما فيه من مخاطر من أن يتحول التدخل الروسي الجذري وعدم استغلال هذه الفرصة للحل إلى تحول الأزمة مجددا الى مستنقع تغرق فيه هذه المرة القوى الدولية أكثر من الوكلاء.
ومن الجانب الآخر ترى الولايات المتحدة والدول الغربية لأول مرة أن نهاية داعش باتت حتمية في سوريا والعراق. ولا تريد أن يتكرر المشهد في العراق الذي لم يكن هناك خطة سياسية للدول التي غزته عام 2003 (الولايات المتحدة وبريطانيا) فتحول العراق مرتعا للإرهاب خصوصا مع حل مؤسسات الدولة العراقية.
وفي هذا البعد يصر الأردن وينصح الفرقاء كافة بضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية لإنجاح سوريا الجديدة وإنجاح الحل المنشود.
لأنه بدون ذلك وبدون بقاء التركيز على الحل السياسي الذي تتوافر له فرصة في هذه المرحلة فإن نتائج آستانا 7، وجنيف، ستشكلان استمرارا لحال الاستعصاء وفشل الدبلوماسية الدولية لحل الأزمة بل وفتح الباب مجددا لجميع المخاطر على مصالح الجميع بما فيها عودة الإرهاب.
وأخيرا صرح الناطق باسم الحكومة الأردنية الدكتور محمد المومني، لبرنامج «أخبار وحوار» الذي بث عبر شاشة التلفزيون الأردني في 25 تشرين أول، أن الأردن لن يتسامح مع «الدواعش العالقين على الحدود» نتيجة مطاردتهم من سوريا والعراق، وأن «أي إرهابي يقترب من حدودنا سيجد حتفه على هذه الحدود..»
وكان رئيس هيئة الأركان المشتركة الفريق الركن محمود الفريحات صرح في وقت سابق أن جيش خالد بن الوليد المبايع لداعش يقيم على مقربة من الحدود الأردنية وبعض مواقعه تبعد مسافة تقل عن كيلومتر واحد عن الأراضي الأردنية، وأن الأردن يتعامل بمنتهى الحذر مع تواجد التنظيمات الموالية لداعش التي تمتلك امكانيات ولديها دبابات وناقلات جنود، مؤكداً أن الجيش الأردني بالمرصاد.
والأردن يصر ويجري اتصالاته للحصول على ضمانات بوقف تقدم الميليشيات الطائفية باتجاه حدوده، خصوصا في درعا وبمحاذاة وسط درعا، وكذلك في النقطة الوعرة بمحاذاة البادية الشمالية. وعدم وجود ميليشيات على نقاط الاشتباك الحدودي والمعابر.
وليس من مصلحة الأردن وجود مليشيات مذهبية ولا تنظيمات إرهابية، ولكن بالامكان أن يتعايش مع وجودهم على بعد لا يقل عن 70 كيلومترا بعمق الأراضي السورية.
وقال ارديسات ان الأردن ينسق مع روسيا، وهي لا تلتزم بالخط السياسي، ويمكن للأردن الضغط على حلفائه للتخفيف من الأحداث المزعجة.
ووصف البراري سياسة الأردن الخارجية بـ»المتوازنة بعض الشيء» ولكنها حذرة من أي اندفاع غير محسوب، فوثقت تنسيقها مع أميركا كحليف موثوق على حساب الخليج المتهور والمنهزم في سوريا..
ورفضُ الأردن للضغوط الخليجية للانخراط بشكل مباشر في الحرب الدائرة مكنه من إعادة التموضع كلما تطلب الأمر بالشكل الذي يحافظ على أمنه الوطني وعلى خياراته المستقبلية.
سيناريو لسوريا المستقبلية
تعدد السيناريوهات المفترضة في جنيف، بعد آستانا، لسوريا بعد الانتهاء من داعش، وتوصل الأطراف المؤثرة (روسيا وأميركا) الى ما يسمى بمناطق منخفضة التصعيد، ولّد خوفا خصوصا للمعارضة السورية من شبح التقسيم.
وكانت مصادر سورية، لفتت إلى مخاوف لدى المعارضة، من أن يكون «اتفاق عمان» لوقف إطلاق النار في الجنوب الغربي السوري، والذي دخل حيز التنفيذ منذ 9 تموز الماضي، مقدمة لتقسيم سوريا.
وكان مبعوث الولايات المتحدة الخاص لسوريا «مايكل راتني»، التقى بفصائل المعارضة في الجنوب السوري، بعمان لبحث تلك المخاوف.
وتمتد المنطقة الرابعة في جنوب غرب سوريا في المناطق المحاذية للحدود الأردنية في ريفي درعا والقنيطرة، وتخضع أغلبية الأراضي في هذه المنطقة لما يسمى «الجبهة الجنوبية» التي تضم نحو 15 ألف مسلح. ويسكن في المنطقة نحو 800 ألف مدني.
ويرى ارديسات أن الصورة النهائية لسوريا لا تزال «غير واضحة ولكن من المؤكد انها لن تعود كما كانت»، وحاليا «لا يمكن رسم حدود والانجازات العسكرية على الأرض هي التي سترسمها».
ويقول خليف أن روسيا تفرض هيمنة على الساحل السوري للحفاظ على قاعدتها العسكرية ويخدم سياستها ايضا محاولة فرض وجودها الدولي من جديد كدولة عظمى، أما ايران؛ ففي النهاية هي بطل كرتوني لا أكثر.
ومن حيث الفعل الحقيقي «فالكلام النهائي هو بكل أسف أميركي اسرائيلي ويسير بنجاح لتقسيم المنطقة وابتزازها دون انخراط فعلي في الحرب». أما مناطق خفض التصعيد فهي محاولات لتحقيق هذا الهدف «التقسيم».
ويستدرك خليف بأنه لايمكن فرز سوريا طائفيا، فهي مختلطة بجميع محافظاتها طائفيا ودينيا وإن حصل التوافق النهائي حول مسألة النزاع سيكون هناك توافق اجباري محمي دوليا وهو شبه تقسيم على شكل أقاليم نفوذ للدول المعنية بعيدا عن العرب. وهو يجزم بأن الثورة «ستبقى مستمرة وأن سوريا غير قابلة للتقسيم فهم جربوا ذلك مسبقا وفشلوا».
عام التحول حيال مصير الأسد
كان واضحا منذ وصول الرئيس دونالد ترمب إلى البيت الابيض أن إدارته تريد التعاون الكامل مع الروس في سوريا رغم التشويش الكبير في الداخل الأميركي على رؤية ترمب للعلاقات مع روسيا وبخاصة في ظل إدارة الرئيس فلاديمير بوتين على خلفية الاتهامات له ولروسيا بالتدخل في الانتخابات الأميركية التي جرت العام الماضي.
ومع ذلك فإن إرث الرئيس السابق باراك أوباما حيال الأزمة السورية كان بشكل آو بآخر هو المسار الذي سارت عليه إدارة ترمب رغم الضربة الصاروخية التي نفذتها إدارة الأخير لمطار الشعيرات السوري على خلفية الهجوم الكيميائي على خان شيخون.
وهو ما قصد به ترمب أن الخطوط الحمر حيال استخدام هذا السلاح التي تخلى عنها الرئيس أوباما عادت لترسم في الأزمة وأنه لايمكن السماح باستخدام هذا السلاح دون ثمن.
وتبين لاحقا أن هذه الضربة لا تشكل تحولا استراتجيا في الموقف الأميركي حيال النظام السوري بل بقي التركيز على محاربة داعش وأن مسألة النظام ومصيره في طور التحول الجذري، وهو ما حدث بالفعل.
قمة هامبورغ بداية
التحول حيال الأسد
وشهد تموز انعطافة كاملة في المشهد السوري خلال القمة الوحيدة بين بوتين وترمب على هامش قمة العشرين في هامبورغ فوض فيها الأخير روسيا بأمر الملف السوري وأنها صاحبة اليد العليا فيه.
وكان الاكثر اثارة أن مصير الأسد كان ضمن هذا التفويض والتفاهم بأن روسيا هي التي تقرر في مصيره كما أسقطت الولايات المتحدة من ذلك التاريخ بخطوات سياسية وعملية مسألة الخيار العسكري في إسقاط النظام.
وتبعها في ذلك المسار الدول الغربية خصوصا فرنسا وبريطانيا وانعكس ذلك ايضا على المواقف الاقليمية المناهضة للنظام السوري بما فيهم المعارضة السورية التي باتت منذ ذلك التاريخ مطالبة بمقاربة جديدة للتعامل مع الازمة وفق الواقع الدولي الجديد والمشهد العسكري الذي يتقدم فيه النظام وحلفائه على الساحة السورية.
إيران
ويعتقد البراري أن من يتحكم بخيارات النظام السوري هي إيران وهي لا تأبه بالأردن، طالما تمكنت من إيجاد التواصل الذي تريد. وفي هذه الحال لن يتمكن الأردن من إعادة اللاجئين في حال سيطرة إيرانية، وهي معنية بالتطهير الطائفي لضمان توازن ديمغرافي في سوريا يساعدها على تحقيق أهدافها بعد أن قامت بتطييف علاقاتها الخارجية في الإقليم.
ويصف خليف ما يدور حاليا على أرض درعا بأنه غض الطرف الأميركي أو التغافل المقصود عن الحدث لمصلحة النظام وميليشياته المتحالفة لإنهاك الطرفين حتى النهاية».
ولا يعتقد خليف أن الايرانيين سيكون لهم أي تواجد على الحدود الأردنية، وهذا ما ترفضه اسرائيل ايضا، ولن تقبل به الحكومة الأردنية ولو بالقوة لأن الأردن هي أشد المعارضين للتواجد الإيراني ولو بشكل مخفي وحتى على المستوى الشعبي.
وجود داعش
تنظيم داعش الذي ظهر في مطلع عام 2014 في سوريا نفذ مهامه وفق مصالح الدول المتواجدة على الأراضي السورية، وتم اخراجه من المناطق التي سيطر عليها وفقا لسياسة «الخروج الآمن» بمعنى هم وعائلاتهم وأسلحتهم.
وقال خليف إن وجود داعش سينتهي «قريبا جدا، بعد أن أدت الدور المرسوم لها بنجاح في تدمير المنطقة حسب المتطلب المخابراتي الدولي». ويتوقع أن يبقى عملها كعصابات بناء على الطلب فقط وستستخدم كـ»فزاعة دولية» إلى حد ما، ريثما تستقر السياسات الكبرى في تحقيق مصالحها النهائية.
وشبه البراري انتهاء تنظيم داعش بالأفغان العرب بعد هزيمة الاتحاد السوفييتي في افغانستان، غير أن حالهم ستكون مختلفة عنهم الذين عادوا منتصرين، فهؤلاء الأردنيون في سوريا سيعودون مهزومين وسيشكلون خلايا نائمة وربما يشكلون تحديا أمنيا واستخباريا من الطراز الرفيع.
لكن البراري بدا متفائلا بامكانية اعادة تأهيلهم واحتوائهم لإحداث تغيير في سلوكهم العنيف، هنا يأتي الجهد الثقافي والتربية والتعليم في تحصين الأجيال القادمة والحالية من الفكر السلفي الهدام.
الوجود الروسي
والمصلحة الأردنية
يعتبر خليف أن الوجود الروسي في سوريا مليء بالتناقضات، ولكن مصلحة الأردن الأمنية مضمونة بسبب وجود القواعد العسكرية الأميركية والبريطانية على الحدود الشمالية السورية، إضافة إلى وجود الجيش الأردني المشهود له بالاحترافية ولديه الامكانية بحفظ مصالحه بعيدا عن الروس.
ويتفق البراري مع خليف بأن الروس مخادعون ولا يمكن الوثوق بهم إلا إذا كانت أميركا طرفا مع الأردن في اي اتفاق. وضمان مصالح الأردن تتطلب أيضا الانتباه إلى الداخل وتصليب الجبهة الداخلية لمنع اختراقات وليس فقط التوافق مع القوى الخارجية.
ويقول ارديسات أن الأردن تمكن بسياسته المعتدلة من حماية حدوده منذ اندلاع الثورة في سوريا، وتكثيف الجهد العسكري على حدوده الشمالية الجنوبية لحمايته من داعش أو أي مليشيا إرهابية من حقه، بالتوازي مع تكثيف الجهد الدبلوماسي والسياسي مع الأطراف المختلفة.
ويوضح خليف أنه ليس للأردن أي دور أو أوراق ضغط دولية، إنما «هناك مصالح غربية واسرائيلية على أرض الأردن وعندما يتم الحديث بها تكون باسمه، وهذه حقيقة يعلمها الجميع»، كما يحكم الأردن اتفاق سلام مع اسرائيل، فهي تحافظ دوما على علاقات طيبة مع الجميع والجوار.
سوريا المفيدة
سيحاول الأسد الاحتفاظ بالحكم حتى لو بمجرد مكان كرسيه فقط واسم الرئيس، أما سوريا المفيدة فهي هدف إيراني للوصول للمتوسط، وهي غير قابلة للعيش، لأن ما نعلمه أن سوريا المفيدة ذاتها لاتتفق على الأسد مستقبلا وهو أصبح من أضعف الأشخاص الذين يمكن أن يحكموا سوريا بدون إيران وروسيا.
ولم يستبعد البراري تقسيم سوريا، وتوقع أن يلعب التوزيع الطائفي دورا في حدود هذا التقسيم كما سيلعب انتشار القوى المتقابلة، واذا حدث التقسيم سيحصل نظام بشار على سوريا المفيدة زائد، في هذه الحالة، سيكون من الصعب إعادة اللاجئين إلى مناطق سكناهم.
إمكانات فتح الحدود
في ظل تردي العلاقة مع إسرائيل ووصولها مرحلة «الجمود»، بدءا بالاعتداءات الإسرائيلية على المقدسات في القدس الشريف ومروراً باغتيال القاضي رائد زعيتر وحادثة السفارة الإسرائيلية في عمان وصولاً إلى عقد مؤتمر في اسرائيل بدعم من اليمين الإسرائيلي طرح مجددا مشروع الوطن البديل، بصيغة جديدة هذه المرة وهي «النظام البديل» أي استبدال النظام الأردني، تجد عمان أن إعادة توثيق العلاقات مع دمشق بات ضرورة حتمية.
صحيح أن غزلا سياسيا برز بين العاصمتين، لفترة محدودة، بعد اقتراح سوريا فتح معبر بري ثالث في الشمال الشرقي على تخوم محافظة السويداء التي دخلتها القوات السورية بدون قتال بعد انسحاب قوات المعارضة السورية منها.
إلا ان هذا الغزل انقطع بعد تصريح القائم بالأعمال السوري التي استخف فيها بمشاركة الجيش الأردني في حرب تشرين 1973 على الجبهة السورية، إضافة إلى مماحكات السفير المطرود بهجت سليمان المتتالية واستفزازاته المتواصلة لعمان.
لكن، حتى بدون هذه الاستفزازات، لم تكن التصريحات الدبلوماسية التي يطلقها الحكوميون، التي تتضمن نوايا حسنة، تغني أو تنقص من حقيقة الأمر على الواقع.
فمسألة فتح معبر بري ثالث لا تخضع لإرادة الحكومة، وهذه المسألة هي أمنية بامتياز، لا محل فيها للسياسة.
فالأردن (الأمني) هنا هو الذي يقرر وليس «الدوار الرابع»، إذ أن المسألة لا ترتبط بفتح الحدود ورفع العلمين الأردني والسوري على المراكز الحدودية.
إذ أن الأردن لايقبل أن تفتح الحدود مجانا دون وجود تأكيدات بأن خطر التنظيمات الإرهابية قد زال نهائيا، ليس فقط على الحدود، وإنما وصولا إلى لبنان والحدود التركية، بما يعيد إطلاق حركة الترانزيت للبضائع إلى أوروبا بأمان ويسر.
وهو تماما ما فعلته عمان مع بغداد عندما وافقت أخيرا على فتح معبر الكرامة الذي كانت أغلقته من جانب واحد لنحو عامين.
كما يريد الأردن (الأمني) ضمانات أكيدة من سوريا بعدم وجود أي من القوات المتحالفة مع دمشق (حزب الله والقوات الإيرانية ومليشيات عراقية)، وإن كان يقبل فقط بوجود قوات روسية، بوصف موسكو هي الضامن لاتفاق خفض مناطق التوتر والمراقب لحسن تنفيذه.
وعند القادة الأمنيين في الأردن قناعة أكيدة أن الطلب السوري بفتح معبر ثالث جديد هو دلالة كافية على أن دمشق لا تملك السيطرة على كامل المنطقة الجنوبية الغربية لسوريا التي يوجد فيها المعبران الأصيلان (الرمثا- درعا، وجابر- نصيب). وعلى رغم الرغبة الأردنية الأكيدة في إعادة الأوضاع إلى ما قبل نشوب الأزمة (2011) خصوصا ما يتعلق بالتبادل التجاري وانسياب حركة نقل البضائع مع سوريا وعبرها، إلا أنه لا يريد الاستعجال قبل التوثق تماما من أمان (خط السير) والتثبت من القضاء نهائيا على بقايا تنظيم داعش وأنصاره، وبعيدا عن شبح تقسيم سوريا. ووفق الاحصاءات الرسمية؛ تمر 60 بالمئة من التجارة الخارجية للمملكة عبر الأراضي السورية إلى لبنان وتركيا والدول وأوروبا.
الراي