أثار بيان لصندوق النقد الدولي أول من أمس دهشة الأردنيين. المؤسسة المالية العالمية التي طالما عارضت سياسات الدعم، وطالبت بإلغائها، أعلنت في بيان لها أول من أمس معارضتها لتوجهات الحكومة الأردنية برفع الدعم عن الخبز. ونقل البيان عن مدير دائرة الشرق الأوسط في الصندوق جهاد أزعور الذي زار عمان قبل أسابيع دعوته حماية الشرائح الاجتماعية الأقل قدرة والأكثر فقرا، وعدم المس بحاجاتها الأساسية وعدم زيادة العبء الضريبي عليها وخصوصا ما يتعلق ببعض الرسوم التي تمس السلع الأساسية كالخبز.
لم يسبق لصندوق النقد الدولي أن أظهر هذا التعاطف مع الفقراء والشرائح الاجتماعية الأقل قدرة في العالم، وعلى نطاق عالمي وصفت سياساته ووصفاته على أنها السبب في إفقار الملايين من البشر.
ومنذ تبني الأردن سياسات التصحيح الاقتصادي قبل نحو ربع قرن، لم يكف صندوق النقد عن مطالبة الحكومات الأردنية المتعاقبة برفع الدعم عن السلع ومن بينها الخبز، وتوثق تقارير سابقة للصندوق هذه الحقيقة. فما الذي تغير إذا حتى ينقلب الصندوق على سياساته السابقة؟
يقول مسؤولون في الحكومة الأردنية إن الصندوق تحفّظ بالفعل وفي وقت مبكر على اقتراح رفع الدعم عن الخبز، لقناعته بأن هذه الخطوة تمس بحياة اللاجئين في الأردن، في المقابل ضغط من أجل تبني سياسات ضريبية قاسية من أبرزها تخفيض سقف الإعفاءات في قانون ضريبة الدخل، وتوسيع قاعدة المشمولين بالضريبة من الأردنيين، وهو الاقتراح الذي تراجعت عنه الحكومة بعد ردود فعل قاسية من أوساط سياسية وشعبية، لا بل وجهات رسمية في الدولة.
الصندوق يخشى أن يتهم من قبل منظمات دولية بدعم إجراءات اقتصادية تزيد من معاناة اللاجئين، خصوصا أن الحكومة الأردنية تعد بتعويض الأردنيين فقط عند رفع الدعم عن الخبز.
منذ أن شرعت الحكومة في التمهيد لقرارها بمراجعة آليات دعم أسعار الخبز، كان البعض من مسؤوليها يشيرون لموقف الصندوق في الاجتماعات المغلقة. لكن مع تنامي الانتقادات لها بالرضوخ لتوصيات الصندوق، سارعت الحكومة إلى تأكيد استقلالية سياساتها ورد الاتهامات بالرضوخ لتوجيهاته، بالقول علنا إن صندوق النقد الدولي يعارض هذه الخطوة.
صحيح أن النقاشات الساخنة حول موضوع الخبز لم تتأثر كثيرا بما تردد عن موقف صندوق النقد الدولي، لكن البيان الأخير من طرفه بدا وكأنه طعنة في ظهر الحكومة الأردنية، ومحاولة من إدارته أو بعثته الشرق أوسطية لكسب الشعبية على حساب الحكومة والتخلي عنها في لحظة حرجة.
في المقابل ثمة من يعتقد أن بيان الصندوق سيحرر الحكومة من تهمة الرضوخ لتوصيات خارجية، ويؤكد أن برنامجها بهذا الخصوص نابع من اعتبارات المصلحة الوطنية.
على العموم الجدل حول رفع الدعم عن الخبز وتوجيهه لمستحقيه فقط، تجاوز المبدأ وأصبح يدور حول أجدى الآليات المقترحة لتطبيقه. بالرغم من ذلك يظل موقف صندوق النقد الدولي غير المسبوق من دعم الخبز مثارا للتحليل من طرف خبراء الاقتصاد.