تنطوي التطورات اللاحقة لقرار دونالد ترامب نقل سفارة بلاده للقدس المحتلة على دلالات دولية ذات قيمة كبيرة ينبغي على الدول العربية والإسلامية التقاطها والبناء عليها.
طالما كانت واشنطن قادرة على الدوام حشد دول كثيرة خلفها في تحركاتها على الساحة العالمية وقراراتها وأحلافها. لكن ذاك المسار المتصاعد من الهيمنة الدولية آخذ في الانكسار مع مجيء ترامب للسلطة. تبدّى ذلك في البداية بموقف الكتلة الدولية النافذة من سياسات الإدارة الأميركية حيال إيران وروسيا، وتمرد الحلفاء الأوروبيين على نحو واسع.
الموقف من اعتبار ترامب القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها كان اختبارا صادما لنفوذ واشنطن، أظهر بما لا يدع مجالا للشك أن إدارة ترامب وضعت أميركا في عزلة.
لم تجد إدارة ترامب التي مهدت وخططت لهذا القرار منذ أشهر، دولة واحدة في العالم تسايرها وتحذو حذوها. على الفور أعلنت كبرى العواصم العالمية؛ موسكو وباريس ولندن وبكين وبرلين وسائر الدول الغربية رفضها لقرار ترامب وعدم نيتها نقل سفاراتها إلى القدس باعتبارها مدينة محتلة، سيتقرر مصيرها في المفاوضات وفق قرارات الشرعية الدولية.
لقد تلقى ترامب ومن بعده نتنياهو الذي سارع إلى دعوة الدول لنقل سفاراتها إلى القدس، صفعات متتالية من عواصم عالمية، ومن الاتحاد الأوروبي، وأمين عام الأمم المتحدة، الذي ألقى كلمة مباشرة بعد خطاب ترامب، أكد فيها على خطورة القرار الأميركي وأعلن تمسك الأمم المتحدة بقراراتها الخاصة بالصراع العربي الإسرائيلي.
العالم كله إلى جانب العرب، وإدارة ترامب معزولة منبوذة، وحدها التي تقف مع سلطة الاحتلال. لم يعد هنالك من هو مستعد لمجاراة نزوات ترامب وعنجهية نتنياهو واحتلاله البغيض.
ينبغي على العرب التقاط هذه اللحظة التاريخية الفريدة، والتحرك على كل الساحات العالمية لتوظيف الإجماع العالمي لتحقيق أمرين أساسيين؛ الأول: احتواء وعزل القرار الأميركي وكأنه لم يكن. ثانيا، توظيف الزخم الدولي المناصر لقضية الشعب الفلسطيني، لتوليد ديناميكية جديدة تعيد الصراع إلى أصله الحقيقي، وتشكيل تحالف دولي رسمي وشعبي عريض لإجبار إسرائيل على الإقرار بالحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني على أرضه.
وبمناسبة انعقاد القمة الإسلامية في اسطنبول الأربعاء المقبل، يتعين على الدول العربية المشاركة أن تتقدم بمشروع قرار للقمة يقضي بقطع العلاقات مع أي دولة في العالم تنقل سفارتها إلى القدس المحتلة. حكومة نتنياهو بدأت تحركا دبلوماسيا في دول أفريقية لحثها على نقل سفارتها، ينبغي الرد بتحرك سريع، وتحذير هذه الدول من عواقب قراراتها.
سلوك ترامب الانعزالي والعدائي تجاه التكتلات العالمية وتخليه عن شراكات واشنطن مع تلك التكتلات، ساهم إلى حد كبير في حشد العالم ضده قراره بشأن القدس، وعلينا كعرب البناء على هذا الوضع لعزل السياسة الأميركية في الشرق الأوسط والتخلي نهائيا عن المقاربات الكارثية التي تطرحها إدارة ترامب فيما يخص الموقف من إيران والتطبيع مع إسرائيل.
العالم كله يشعر بالإهانة بسبب سياسات وأفعال ترامب، وهو مستعد أكثر من أي وقت مضى لرد الإهانة، وها هو يفعل ذلك بالانتصار للقدس وقضية الشعب الفلسطيني.