زاد الاردن الاخباري -
تشكل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مفترق طرق العالم. وهي تشمل شبه الجزيرة العربية، وجبال إيران، وسهول تركيا، وصحارى بلاد الشام، والأراضي الواقعة شمال الصحراء الأفريقية، وجميع السواحل بينها. وقصة المنطقة، كما هو الحال في كثير من الأحيان في الأماكن العالقة بين لاعبين أجانب، هي قصة تجارة وتبادل وصراع. القوى التقليدية في المنطقة هي تركيا وإيران -بينما المملكة العربية السعودية ومصر هما القوتان العربيتان الأبرز حالياً- ويجعل تنافس هذه القوى من أجل النفوذ على الدول الضعيفة في المنطقة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ساحة للعنف وعدم الاستقرار الدائمين.
* * *
أبرز التوقعات لهذا العام:
• سوف تتطلع إيران كثيراً إلى دعم روسيا وأوروبا، بينما تتحالف الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل لتقويضها.
• انطلاقاً من تصميمها على منع إيران من اتباع خطى كوريا الشمالية في المجال النووي، سوف تضاعف الولايات المتحدة جهودها لمواجهة النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن تصرفات واشنطن سوف تُعرض الاتفاق النووي الإيراني للخطر، فإن طهران لن تتخلى عن الاتفاق.
• إلى الغرب، سوف تؤدي المصالح المتفارقة لكل من إيران وتركيا وروسيا وسورية إلى عرقلة أي تقدم ملموس في اتجاه التوصل إلى تسوية للحرب الأهلية السورية.
• سوف تقطع السعودية خطوات ملحوظة في مسيرة إصلاح اقتصادها، لكنها ستكافح من أجل تحقيق النجاح نفسه في تغيير السلوك الاجتماعي والتوقعات داخل المملكة.
ضد إيران: تحالف غير متوقع قيد التشكل
سوف تدخل الولايات المتحدة العام الجديد عازمة على كبح جماح إيران. ويتقاسم البيت الأبيض، والكونغرس والبنتاغون تصميماً قوياً على تقويض شبكة النفوذ الهائلة التي بنتها إيران عبر الشرق الأوسط من خلال صلاتها بمجموعة من الجماعات السياسية والميليشيات. وسيعمل وصول كوريا الشمالية المرجح إلى قدرة الردع النووي في العام 2018 على تقوية عزم واشنطن على وقف طهران عن السير في المسار الخطير نفسه.
ليست الولايات المتحدة الدولة الوحيدة التي تنظر إلى أنشطة إيران بقلق. فقد شاهدت المملكة العربية السعودية -عدو إيران الإقليمي- بقلق شديد بينما يمتد وصول النفوذ الشيعي ببطء عبر فنائها الخلفي على مدى السنوات القليلة الماضية. وباكتساب التشجيع من حملة واشنطن المتجددة ضد خصمها منذ وقت طويل، ستغتنم الرياض الفرصة لتحدي هيمنة طهران على الشرق الأوسط. وإدراكا منها لوجود فرصتها الخاصة، ستدعم إسرائيل كلا من السعودية والولايات المتحدة على أمل تحجيم عدوهما المشترك. وفي سياق ذلك المسعى، سوف تدفع إسرائيل علاقتها مع السعودية، التي كانت موجودة تاريخياً خلف الكواليس، إلى الخروج من الظلال.
التفاوض على مصير الاتفاق النووي
بينما يتصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وايران، سوف تكون خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي الإيراني) معلقة على خيط رفيع، ولو أنها يمكن أن تبقى على قيد الحياة هذا العام. ويهدف هذا الاتفاق إلى وقف برنامج تطوير الأسلحة النووية في إيران، وقد امتثلت ايران لشروط الاتفاق حسب معظم التقديرات، بما فيها تقديرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وطالما بقيت إيران في حالة امتثال، فإنها ستستفيد من تخفيف العقوبات، وكذلك من القدرة على استقبال الاستثمارات الأجنبية وتصدير النفط.
لكن البيت الأبيض يعتقد أن الصفقة ليست قوية بما فيه الكفاية لاحتواء طموحات إيران النووية، ولا شاملة بما فيه الكفاية لعرقلة برنامج طهران لتطوير الصواريخ الباليستية ورعاية الإرهاب أو دعم الجماعات المسلحة مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن. وقد أشار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى عزمه على مواجهة إيران بشأن هذه المسألة عندما لم يصادق على خطة العمل الشاملة في تشرين الأول (أكتوبر) 2017. أما بالنسبة لطهران، فقد أكدت هذه الخطوة فقط شكوكها القائمة منذ فترة طويلة في أن واشنطن ليست مفاوضاً يتمتع بالمصداقية.
سوف تضيف حقيقة أن لدى مختلف فروع الحكومة الأميركية أفكارا مختلفة حول كيفية التعامل مع خطة العمل الشاملة المشتركة فقط إلى الإشارات المختلطة القادمة من واشنطن في هذا الصدد. وسوف يتخذ الكونغرس من جانبه خطوات لفرض عقوبات جديدة على إيران، بينما يحرص على عدم انتهاك الاتفاق. وفي الجهة الأخرى، أحاط ترامب نفسه بعناية بمجموعة من صقور السياسة الذين يبدون أكثر استعداداً لخرق الاتفاق، بغض النظر عما إذا كانت أنشطة إيران مرتبطة ببرنامجها النووي، في محاولة لإجبارها على العودة إلى طاولة المفاوضات. وسوف يعمل موقفهم المتشدد تجاه إيران على تسريع تدهور علاقات واشنطن مع طهران. وبتجريد الاتفاق من الضمانات الأمنية الواردة فيه، ستضع الولايات المتحدة نفسها على مسار تصادمي مع إيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
سوف يعيد استعداد البيت الأبيض لتهديد الاتفاق إحياء ارتياب طهران القديم بينما تحترس مما تعتقد أنه جهد متضافر من الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل لزعزعة استقرار الجمهورية الإسلامية. ولن تكون إيران هي الطرف الذي يخرج من الاتفاق النووي أولاً، خوفاً من تدهور اقتصادها مرة أخرى وسط تجدد العقوبات. لكن التهديدات الموجهة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، واتخاذ تدابير اقتصادية أكثر قسوة تنبع من الولايات المتحدة، سوف تثير المتشددين في إيران الذين لا يقدِّرون الحوار مع الغرب بقدر ما يقدره المعتدلون مثل الرئيس الإيراني حسن روحاني. وستكون هذه الفصائل قادرة على تأمين المزيد من التمويل للدفاع والمزيد من الدعم الشعبي. ومع ذلك، فإن الإيرانيين عبر كامل الطيف السياسي حريصون على الحفاظ على الاتفاق النووي قائماً، بحيث يمكن للبلاد الاستمرار في تصدير النفط وجذب الاستثمارات من أوروبا والصين وروسيا.
سوف تتطلع إيران إلى حلفائها في أوروبا وروسيا للمساعدة على حماية إطار الاتفاق. فبعد كل شيء، كانت العقوبات التي رفعتها خطة العمل الشاملة موجهة ضد الشركات الأوروبية، وليس ضد إيران. ونتيجة لذلك، دافع معظم أعضاء الاتحاد الأوروبي عن الاتفاق كوسيلة للسماح بمعاملاتهم الاقتصادية مع إيران بالاستمرار، في حين يتم كبح برنامج طهران النووي. ولذلك، فإن القارة ستناشد الولايات المتحدة الالتزام بالاتفاق. وسوف تنضم روسيا إلى أوروبا في دعمها لخطة العمل الشاملة المشتركة؛ حيث بدأت العلاقات الوثيقة التي أفرزها عامان من التعاون بينها وبين إيران في الحرب الأهلية السورية في طرح الثمار بالنسبة لطهران بعيداً عن ساحة المعركة.
الحرب الأهلية السورية
مع اكتساب روسيا وإيران أرضية في سورية، فقدت السعودية والولايات المتحدة تلك الأرض. ولكن واشنطن والرياض ستبحثان، على الرغم من تراجع نفوذهما على جماعات الثوار المنقسمة في البلاد، عن سبل للاستفادة من الحرب الأهلية المنهكة لتقويض طهران.
أدت ست سنوات من الصراع في سورية، إلى جانب القتال ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" في سورية والعراق، إلى ظهور عدد كبير من الميليشيات المدعومة من إيران، والمنتشرة في جميع أنحاء بلاد الشام. وتحرص إيران على استخدام هذه الجماعات لتطهير وإنشاء جسر بري يربطها بالبحر الأبيض المتوسط للمرة الأولى منذ حكمت الإمبراطورية الساسانية بلاد فارس في القرن السابع. لكن الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل عازمة على سحق حلفاء طهران المحليين. وسيكون حزب الله، الجماعة المسلحة اللبنانية وأحد أقوى شركاء إيران من غير الدول، عرضة لأن يكون هدفاً رئيسياً لهذه الحملة. وعلى الرغم من أنه سيكون من الصعب جداً عزله والضغط عليه في وطنه، فإن حزب الله يبدو أكثر انكشافاً أمام العمل العسكري ضده في سورية؛ حيث يحارب إلى جانب قوات الرئيس بشار الأسد. وطالما استمرت الحرب، وطالما ظل حزب الله مفرطاً في التمدد، ستكون لدى إسرائيل نافذة تتيح لها ضرب المجموعة، متمتعة في ذلك بدعم الولايات المتحدة والسعودية.
في جزئها الأكبر، حققت الأطراف المشاركة في الحرب الأهلية السورية إلى حد كبير هدفها المتمثل في هزيمة "داعش" الذي فقد مساحات شاسعة من الأراضي التي سيطر عليها في سورية والعراق على مدى العام 2017. ومع قهر عدوهم المشترك، سوف يتعين على الأطراف أن تواجه القضايا الأكثر تعقيداً وحساسية بكثير، والتي أثارها الصراع. وعلى الرغم من أن وقف إطلاق النار ما يزال غير مرجح في العام المقبل، فإن الجولات المستقبلية من محادثات السلام يمكن أن تسفر في النهاية عن ترتيب لتقاسم السلطة، والذي يحتفظ بمكان لدائرة الأسد الداخلية ويطلق عملية لصياغة الدستور. ومع ذلك، فإن أي اتفاق توافق عليه دمشق سيكون في معظمه تجميلياً، وسوف يرفض الثوار أي اتفاق يؤكد سلطة الأسد.
ولكن، بغض النظر عن ذلك، فإن روسيا عازمة على إيجاد مخرج سريع من الصراع، والذي يحمي المكاسب التي حققتها على مدى العامين الماضيين. وحتى تفعل ذلك، سوف يتعين عليها كبح جماح الحكومتين الإيرانية والسورية اللتين تهتمان بضمان تحقيق انتصار عسكري كامل أكثر من التوصل إلى حل تفاوضي للصراع. وسيتعين على روسيا أيضاً أن تبقي على حوار مفتوح وفاعل مع تركيا، التي لديها طموحاتها الخاصة لتهتم بها في سورية. ويتمثل هدف أنقرة الأساسي في منع ظهور دولة كردية على طول حدودها الجنوبية، من خلال الإبقاء على القوات الكردية في المنطقة مقسمة. ونتيجة لذلك، سوف تركز مفاوضات روسيا مع تركيا في العام المقبل على مصير الأكراد السوريين الذين يطالبون بمنطقتهم المستقلة الخاصة.
على الرغم من التحديات التي تواجهها، سوف تلعب روسيا دوراً عسكرياً ودبلوماسياً بارزاً في سورية في العام 2018. ومع ذلك، فإن قدرتها على التدخل في شؤون الشرق الأوسط على حساب الولايات المتحدة لن تكون مقصورة على هناك. وبدلاً من ذلك، سوف توسع روسيا نطاقها ليشمل زوايا أخرى في المنطقة، من خلال تعزيز روابطها الاقتصادية والسياسية مع دول الخليج العربي، ومصر والعراق وليبيا وتركيا.
التدافع على الميزة في ساحة المعركة
ربما تكون وجهة المد في الحرب الأهلية السورية قد تحولت لصالح إيران، ولكن السعودية قد تتمتع بحظ أفضل في ساحات قتال أخرى -فيزيائية وسياسية على حد سواء- في أنحاء المنطقة. وعلى أمل الاستفادة من العداء الأميركي المتجدد تجاه إيران، ستحاول المملكة مواجهة النفوذ المتنامي لمنافستها منذ وقت طويل في جيرانها من الدول الأضعف، مثل اليمن والعراق ولبنان.
ومع ذلك، سوف تتعقد جهود السعودية بسبب محاولة الرياض الفاترة التي تعوزها الحيوية حشد حلفائها السنيين المشابهين لها في العقلية ضد إيران الشيعية. فعلى الورق، يبدو شركاء المملكة أقوى بكثير من وكلاء إيران الضعفاء. أما في الممارسة العملية، فهم أيضا أقل موثوقية. وسوف تعاني السعودية في سبيل تحشيد الدعم الذي تحتاجه لقيادة أي عمل ملموس ضد إيران. وبسبب هذا الفشل، جزئياً على الأقل، سوف تواجه المملكة صعوبة في مواجهة الوجود العسكري الإيراني في سورية والعراق؛ حيث تفتقر المملكة إلى القدرات المناظِرة التي تتفوق فيها الجمهورية الإسلامية وحلفاؤها.
يشكل اليمن واحداً من الأماكن التي ستكون فيها السعودية أكثر احتمالاً لإحراز النجاح. وقد اتخذت الحرب الأهلية الجارية في هذا البلد منعطفاً مفاجئاً في نهاية العام 2017، عندما قتل الثوار الحوثيون حليفهم السابق، الرئيس السابق علي عبد الله صالح. وقد دفعت وفاته العديد من أتباعه إلى الانشقاق عن تحالف الحوثيين، على نحو ربما يحول زخم المعركة لصالح تحالف دول مجلس التعاون الخليجي الذي تقوده السعودية، إذا ما حمل هؤلاء الأتباع السلاح ضد الحوثيين. وفي كلتا الحالتين، سيكون الحوثيون أكثر حاجة من أي وقت مضى للحصول على المساعدات من إيران على المدى القصير، وسوف يكون مجلس التعاون الخليجي أكثر تصميماً من أي وقت مضى على منعهم من الحصول على تلك المساعدات.
وبذلك، سوف يصبح اليمن هو المركز لحرب عنيفة بالوكالة بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران؛ حيث يكثف التحالف الخليجي جهوده لتخفيف قبضة الحوثيين على العاصمة صنعاء. والآن وقد انفتحت الصدوع في داخل تحالف الثوار، فإن التوصل إلى تسوية سياسية للصراع سيكون بعيد المنال -خاصة بينما يعمد آخرون من أصحاب المصالح في البلد، بما في ذلك الانفصاليون الجنوبيون، إلى اغتنام الفرصة للضغط من أجل الدفع بمطالبهم السياسية.
التسابق على النفوذ السياسي
في هذه الأثناء، سوف تعمل السعودية على إثارة المتاعب لإيران في ميادين القتال السياسية، بينما تعمل على تقويض الأحزاب والساسة المدعومين من إيران في العراق ولبنان. وسوف يعقد العراق انتخابات عامة في أيار (مايو) المقبل، وهو ما سيمنح البلاد لحظة نادرة لتأكيد استقلالها عن القوى الأجنبية المتورطة داخل حدودها. وسوف يدافع رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، عن سلالة ناشئة من القومية التي تدعو إلى مقاومة النفوذ الخارجي (بما في ذلك الولايات المتحدة وإيران وتركيا)، في حين سيتبنى الزعيم الشيعي العراقي، مقتدى الصدر، الخطاب نفسه على أمل تحويله إلى مكاسب انتخابية.
بعد انتهاء الانتخابات، ستستخدم إيران علاقاتها مع قوات الحشد الشعبي الشيعي في العراق –حيث أسست بعض هذه الميليشيات أجنحة سياسية لتشارك في الانتخابات- في التأثير على تشكيل بنية الائتلاف في بغداد. ولتحقيق التوازن مع هذه المجموعات، سوف تقوم دول مجلس التعاون الخليجي بتوجيه الأموال والمساعدات إلى الأحزاب السنية والشيعية الأخرى في العراق. وبالنظر إلى رسوخ الساسة العراقيين الشيعة الموالين لإيران، فإن كتلة الدول الخليجية ستواجه صعوبة في إضعاف نفوذ طهران هناك.
إلى الشمال، في كردستان العراق، أدت المحاولة الفاشلة لإعلان الاستقلال قرب نهاية العام 2017 إلى جعل الانقسام بين محافظة أربيل (بقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني) ومحافظة السليمانية (بقيادة الاتحاد الوطني الكردستاني) أكثر وضوحاً. وسوف تعود تركيا وإيران مرة أخرى إلى ممارسة دوريهما المعتادَين باعتبارهما راعيين اقتصاديين وسياسيين لكل من الحزبين، على التوالي، في العام المقبل. وبينما تتقدم مفاوضات الحكم الذاتي مع الحكومة المركزية، سوف تستخدم بغداد علاقتها مع طهران في محاولة لدق الإسفين أعمق بين الأحزاب الكردية -مما يزيد من حدة المنافسة بين إيران وتركيا في البلاد. وسوف يكون الخلاف المتزايد بين الأكراد العراقيين واضحاً في نتائج الانتخابات العامة في المنطقة في العام 2018، مما يعيق قدرة أربيل على مقايضة بغداد في مجالات عائدات النفط والأراضي المتنازع عليها.
وفي الأثناء، سوف تحاول السعودية استخدام رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري للتأثير على السياسة في بيروت من أجل تقويض مصالح حزب الله. لكن الجماعة المسلحة راسخة بعمق في لبنان. وعلى الرغم من المكاسب الدبلوماسية الصغيرة التي ستستخلصها السعودية بين الطائفتين السنية والمسيحية في البلاد في العام المقبل، فإن الرياض لن تتمكن من شن هجوم فعال على مكانة التمرد في البلد. وسوف تواجه تركيا حواجز مماثلة بينما تعتمد على صلاتها بالقادة السنة في لبنان لمحاولة مواجهة شريك إيران المتشدد.
وحتى مع ذلك، فإن تركيا سوف تسعى إلى وسائل أخرى لوضع علامتها الخاصة في الشرق الأوسط. ومن المرجح أن تكون قطر حليفاً محتملاً في هذا الصدد: فالبلدان يرغبان في تحقيق مكانة إقليمية ويريدان الاستقلال عن جاريهما القويين؛ إيران والسعودية. وفي العام المقبل، سوف تعزز تركيا دعمها لقطر بنشر قوات ومعدات عسكرية على أراضيها وزيادة حجم التجارة معها. وسوف يؤدي الوجود المتزايد لتركيا في شبه الجزيرة العربية إلى استعداء السعودية، مع إبراز الانقسامات التي تتغلغل في تكوين مجلس التعاون الخليجي. وفي الوقت نفسه، سوف تعمل الشراكة الناشئة بين تركيا وقطر على إحباط محاولات السعودية ترسيخ مكانتها كقوة سنية مهيمنة في الشرق الأوسط.
استراتيجية البقاء السعودية
بينما تتصارع المملكة العربية السعودية مع منافسيها في الخارج، سوف يتعين عليها أن تتصارع أيضاً مع الإصلاحات الصعبة في الداخل. وعلى الرغم من أن جميع دول مجلس التعاون الخليجي سوف تضطر إلى إجراء إصلاحات صعبة في العام المقبل، فإن الإصلاحات السعودية هي الأكبر والأكثر طموحاً. وفي قلب التغييرات السياسية المحلية الجارية، سيكون ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، الذي سيستخدم سلطته الجديدة للدفع بأجندته الجسورة. وسوف يسعى الزعيم الشاب إلى الوفاء بوعوده بالإصلاح الاقتصادي الجريء، بهدف تعزيز الإيرادات غير النفطية من خلال الضرائب وأرباح الاستثمار، وتحفيز نمو القطاع الخاص، وتأميم القوى العاملة في المملكة.
لا تستطيع السعودية أن تتحمل كلفة تأجيل هذه الإصلاحات الاقتصادية الصعبة، وسوف يرى مواطنوها قريباً علامات ملموسة على حدوث التغيير المؤلم -والضروري مع ذلك. ولتحقيق التوازن في ميزانيتها، لن يكون أمام الرياض خيار سوى فرض ضرائب جديدة، والمضي قدماً في الطرح العام الجزئي الأساسي المخطط له لأسهم شركة النفط العربية السعودية، والذي سيوفر رأس المال الذي تمس الحاجة إليه لاستثمارات المملكة في المستقبل. (من المقرر أن يتم طرح الاكتتاب حالياً في العام 2018، لكنه ربما يتأجل مرة أخرى). وبينما يمكن أن ترتفع أسعار السلع اليومية، مثل الوقود، فإن منسوب السخط الشعبي ربما يرتفع معها أيضاً. وسوف تكون الحكومة مستجيبة لمطالب شعبها؛ حيث ستقوم بمراجعة بعض الأهداف إذا اعتُبرت مفرطة الشدة. وبفضل هذا الاهتمام والمرونة، في جزء منه، إلى جانب الرغبة في تعزيز استثماراتها الرأسمالية في العام المقبل، سوف تصل المملكة إلى العديد من أهدافها -بما في ذلك تحقيق ارتفاع في الإيرادات غير النفطية.
تتطلب بعض الأهداف الاقتصادية السعودية إحداث تغييرات جريئة في السلوك الاجتماعي، والتي سيتطلب تشجيعها وقتاً. وفي نهاية المطاف، يعتزم الملك سلمان تصميم عقد اجتماعي جديد يقوم بتعديل ما يتوقعه المواطنون من حكومتهم، والعكس بالعكس. وفي هذه الأثناء، سوف تتخذ المملكة خطوات ملحوظة نحو إبرام ذلك العقد. ومن المرجح أن تمنح الرياض النساء الحق في قيادة السيارات في حزيران (يونيو) 2018، وسوف تتزايد فرص الترفيه الجديدة على مدار العام. وسوف يمهد ولي العهد لكل خطوة بإعلانات تجريبية عن التدابير المقبلة، لقياس رد فعل الجمهور والوفاء بتعهده بالحفاظ على الشفافية. وعلى الرغم من أن رجال الدين المحافظين في البلاد سيحاولون أن يقفوا في طريق الإصلاح من خلال مناشدة الديموغرافية القديمة التي يساورها القلق من إصلاحات الأمير الجريئة، فإن الشباب السعوديين سيعتنقون بشكل متزايد رؤية سلمان لمستقبل المملكة.
الاتجاهات القومية في شمال أفريقيا
سوف تنظر الحكومة المصرية عن كثب إلى الرأي العام المحلي في العام المقبل. وسوف تجري البلاد انتخابات رئاسية فى أيار (مايو) المقبل. وسوف يتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة التصويت بعناية، مما يترك للمصريين خيارات قليلة فيما يخص اختياراتهم الفعلية. ولكن الأهم من ذلك سيكون عدد العاملين في فعاليات الحملة، ونشاط وسائل التواصل الاجتماعي، وإقبال الناخبين على الاقتراع -وسوف يكشف كل ذلك عن بعض تفاصيل آراء الناخبين في الاستراتيجيات الاقتصادية والأمنية في مصر. وسوف يتم توجيه أي سخط شعبي من الحكومة في القاهرة ليبرز من خلال مرشحي المعارضة، مثل المحامي خالد علي. وسوف يوجه تخفيض الدعم الذي وافق عليه صندوق النقد الدولي، والمقرر إنفاذه في العام 2018، ضربة قوية للمواطنين من الطبقتين الدنيا والوسطى، لكن القاهرة ستحاول التخفيف من حدة التداعيات السياسية في الداخل من خلال تقديم المساعدات النقدية.
مع انتعاشها بقروض صندوق النقد الدولي، سوف تمارس مصر استقلالية أكبر في علاقاتها مع الخارج. (كلما كان البلد أكثر تماسكاً من الناحية المالية، قل اعتماده على الداعمين الأجانب). وتحقيقاً لهذه الغاية، سوف توازن القاهرة علاقاتها مع الولايات المتحدة وروسيا، بينما تبقي على مسافة بينها وبين السعودية. وعلى الرغم من أن مصر ليست صديقة لإيران، فإنها ليست مغرمة بالخضوع لمطالب السعودية أيضاً. وبالمثل، سوف تجد القاهرة نفسها بعيدة عن أنقرة في العام المقبل، بينما تقدِّم تركيا الدعم للقضية الفلسطينية -مقللة بذلك من فضل مصر كوسيط في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وسوف تحاول مصر أن تأخذ الأعمال التركية في الاعتبار، وأن تدير مشاكلها بشكل أفضل مع النشطاء في سيناء، ومن خلال محاولة إقامة علاقات أعمق مع حماس، المجموعة الفلسطينية المكلفة بإدارة قطاع غزة. سوف تساعد القاهرة أيضاً في جهود واشنطن للتفاوض على اتفاق سلام جديد بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وفي جوار مصر القريب، سوف يتراكم الزخم وراء محاولة إجراء انتخابات في ليبيا. ولكن، على الرغم من أن المبادرة الأخيرة التي تدعمها الأمم المتحدة تكسب الدعم، فإن من غير المرجح أن تتغلب العديد من الفصائل المشاركة في محادثات السلام على خلافاتها في العام المقبل. ومع ذلك، نشأ في الفترة الأخيرة شكل مشترك من النزعة الوطنية بين أقوى الجماعات في شرق وغرب ليبيا -بما في ذلك جنرال الجيش الوطني الليبي، خليفة حفتر، الذي يحصل تدريجياً على موافقة المجتمع الدولي. وسوف يعرض مؤتمر وطني ينعقد في تونس في العام 2018، والذي يهدف إلى حفز العملية الانتخابية، الأرضية المشتركة التي ظهرت في ليبيا في العام 2018. ولكن، حتى مع ذلك، فإن عدداً قليلاً من الأطراف سوف يقتنع بأن المحادثات برعاية الأمم المتحدة ستلبي مطالبها، وستضمن الأقوى من بينها، مثل جماعة حفتر، مواصلة العمل من أجل تأكيد مصالحها الخاصة بينما تتكشف المفاوضات.
الحروب الجهادية
ربما يكون تنظيم "الدولة الإسلامية" قد مني بهزيمة ساحقة في العراق وسورية، ولكن الحرب ضد الجماعات المتطرفة في العالم لم تنته بعد. وسوف يحاول تنظيم القاعدة استغلال انهيار ما تسمى "الخلافة" التي أقامها تنظيم الدولة الإسلامية، من أجل تلميع سمعته كزعيم للحركة الجهادية العالمية، ونشر رؤيته "للصراع الطويل". وسوف تهدف جهود التجنيد التي تبذلها المجموعة في العام 2018 إلى جذب أتباع "داعش" الحاليين والمحتملين.
سوف يسعى كل من تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية إلى استغلال الدول الضعيفة؛ حيث يستطيعان إنشاء معاقل جديدة أو توسيع مواقعهما القديمة، مع التركيز على اليمن وليبيا وشبه جزيرة سيناء. وقد تكون الأماكن غير المحكومة في منطقة الساحل الأفريقي وأفغانستان والصومال مغرية لهما أيضاً. وفي هذه الأثناء، سوف يتطلع تنظيم القاعدة إلى استعادة قواعده المنخرطة في النزاعات في جميع أنحاء الشرق الأوسط -بما في ذلك سورية، حيث عرَّض الانقسام بين تنظيم القاعدة و"هيئة تحرير الشام"، تماسك المنظمة للخطر. وبينما تستمر المعركة من أجل كسب قلوب وعقول المجندين المحتملين في جميع أنحاء العالم، فكذلك سيفعل تهديد المتشددين المحليين، الذي يستلهم الأيديولوجيات المتطرفة المتنافسة، والتي تحثهم على شن الهجمات.
*نشرت هذه التوقعات تحت عنوان: 2018 Annual Forecast: Middle East and North Africa
*مؤسسة التنبؤات الاستراتيجية، Strategic Forecasting, Inc؛ والمعروفة أكثر باسم "ستراتفور" STRATFOR، هي مركز دراسات استراتيجي وأمني أميركي، يعد إحدى أهم المؤسسات الخاصة التي تعنى بقطاع الاستخبارات، وهو يعلن على الملأ طبيعة عمله التجسسي، ويجسّد أحد أبرز وجوه خصخصة القطاعات الأميركية الحكومية. تطلق عليه الصحافة الأميركية اسم "وكالة المخابرات المركزية في الظل" أو الوجه المخصخص للسي آي إيه، The Private CIA. ومعظم خبراء مركز ستراتفور ضباط وموظفون سابقون في الاستخبارات الأميركية.