زاد الاردن الاخباري -
ريما أحمد أبو ريشة - (( أوضحت في منشوراتي السابقة أن للصهاينة دور بارز في الحربين البلقانيتين مطلع القرن المنصرم . فقد اصطف الصهاينة إلى جانب الأصراب للإجهاز على العثمانيين وترسخت العلاقات عقب مباركة صربيا لوعد بلفور . فوقعت المجازر بحق مسلمي البوسنة والهرسك وغيرها مثل مقدونيا و كوسوفا و مونتينيغرو " الجبل الأسود " لمعارضتهم الوعد المشؤوم . ولما انهارت يوغوسلافيا الملكية استمرت المجازر وتعاظمت في يوغوسلافيا الإشتراكية البائدة التي أسسها جوزيب بروز تيتو . وكان أن نفذ جنوده إعدامات بحق بوشناق بتهمة دعمهم للحاج أمين الحسيني رحمه الله . واقتطع السنجق من البوسنة سنة 1945 ليظل حتى الآن تحت سيادة جمهورية صربيا . ووصل الصهيوني إسحاق ساموكوفليا لرئاسة رابطة كتاب البوسنة والهرسك في تلك السنة . وهو من كان يرأس تحرير صحيفة صوت اليهودي السرية في العاصمة البوسنية سراييفو إبان تهاوي العثمانيين . وكلفه اتحاد الكتاب اليهودي المقدس من مقره في العاصمة النمساوية " فيينا " لمراقبة البلقان . ثم تطرقت إلى الكاتب والسياسي الصهيوني برانكو تشوبيتش أحد أبرز منفذي مجزرة دوبوفيك . وكان لإسحاق إبن عم يدعى " بنيامين " رأس رابطة يهود مقدونيا في النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي . وأصدر كتاب قصص مختارة لإسحاق في العاصمة المقدونية " سكوبية " . ولليهود أيضاً نفوذ قوي في مقدونيا وثبت أن كانت إسرائيل تمد الجيش اليوغوسلافي بالسلاح البيولوجي لاستخدامه ضد ألبان كوسوفا إبان الإضطرابات التي شهدها في ثمانينيات القرن الماضي . ونفس الدواء الذي وضعته إسرائيل في المياه لإصابة الفلسطينيات بالعقم وضعه الأصراب لنساء كوسوفا . وكان لصدور كتاب " كوسوفو وميتوهيا " وعلى غلافه النجمة السداسية وقتئذ دليلاً دامغاً على التحالف الصهيوني الصربي في البلقان . ثم ثبت تورط إسرائيل بمد الأصراب بالسلاح لتنفيذ مجازر البوسنة والهرسك التي شهدتها في تسعينيات القرن الماضي )) .
ولا بد من التذكير بأن الرئيس البوسني المرحوم بإذن الله علي عزت بيغوفيتش والرئيس المقدوني الراحل كيرو غليغوروف كانا قد أعلنا عن مبادرة مشتركة لإنقاذ يوغوسلافيا من الإنهيار . وتتلخص مبادرتهما في إعادة صياغة يوغوسلافيا على أساس دول ذات سيادة . بيد أن صربيا التي كان يسيطر عليها الدكتاتور سلوبودان ميلوشيفيتش الذي قضى لاحقاً في لاهاي رفضت مبادرتهما . كانت تركيا أول بلد عالمي يعترف بمقدونيا التي لا تعترف بها اليونان لا لغة ولا أرض وتعتبرها صربيا قسمها الجنوبي فيما تعترف بلغاريا بأرض مقدونية وتعتبر المقدون بلغارا . ومنذ حينئذٍ بدأ الدور التركي يتصاعد في البلقان . وهو ما لا تريده إسرائيل ولا حلفائها البلقانيون وأبرزهم الأصراب .
وأثناء زيارة الرئيس التركي رجب طيب أوردوغان إلى صربيا صباح العاشر من أكتوبر الماضي صرح بقوله : " عندما زرت الرئيس البوسني علي عزت بيغوفيتش قبيل وفاته همس في أذني ألبوسنة والهرسك في عهدتكم " . وهو التصريح الذي لاقى غضباً لدى الأصراب والكروات على حد سواء . فقد رأوا فيه سياسة طموحة لتركيا في البلقان . كما ولم يلقى ترحيباً من غير البوشناق في البوسنة والهرسك والسنجق وبالطبع رحب فيه مسلمو البلقان على الصعيد الشعبي فقط .
وفي الفترة التي تلت الإنقلاب الفاشل في تركيا . شهدت بلدان البلقان ضغوطاً تركية لإغلاق كل مدارس وجامعات وهيئات فتح الله كولن . ولا تزال اليونان تقف مكانها من قضية الفارين المتورطين في الإنقلاب ولم تسلمهم لتركيا حتى الآن . وهنالك أنصار لفتح الله كولن في مختلف بلدان البلقان .
والآن قرر حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم فتح مكاتب له في مقدونيا والبوسنة والهرسك . وقال مهدي إيكير نائب رئيس مجلس إدارة الحزب إن افتتاح هذه المكاتب يأتي وفق نظام الحزب الأساسي وليس بناء على رغبة رئيس الحزب أو غيره .
والسؤال الملح هو أنه حال اندلاع حرب في البلقان فإن المحور الروسي لن يتغير وستظل روسيا داعمة لأعداء تركيا . والغرب على غير وفاق مع تركيا كذلك والطرفان يحتاجانها ليهزم أحدهما الآخر . فكيف سيكون الموقف التركي ؟
بالطبع لن تسمح تركيا بالمساس بالمسلمين هنا وقد تتخذ موقف الحياد . وأما اليهود فهم أيضاً منقسمون بين مؤيد لروسيا وحليفهم الإستراتيجي صربيا وآخر مؤيد للغرب . لكنهم قد يعلنون أن موقفهم مشروط بضرب تركيا وسحق مسلمي البلقان .
ورقة المهجرين التي تستحوذ عليها تركيا هي أيضاً خطرة جداً على البلقان والغرب . فالمهجرون الذين شقوا الصف الأوروبي قد يكونون فريقاً مقاتلاً على الأراضي البلقانية ووسط أوروبا .
ولا شك في أن تركيا لعبت دوراً كبيراً في التصويت على قرار الأمم المتحدة بشأن القدس . وبرز دورها في البلقان كذلك حيث فوجئت الأوساط بتصويت دولة كمقدونيا لصالح القرار . ودورها البلقاني يشكل كما كان أكبر إزعاج لإسرائيل .