المؤكد أن الحكومة تشعر بالامتنان لمجلس النواب الذي أقرّ الموازنة العامة على ما فيها من إجراءات غير شعبية في وقت قياسي، ومنح السلطة التنفيذية فرصة التحرك السريع لتطبيق حزمة من القرارات من المفترض أن تساهم في تحسين أحوال المالية العامة المعتلة بالعجز والديون وتراجع المنح.
وأظن أن رئاسة المجلس كانت على حق في اختصار الكلمات على الكتل وعدد محدود من النواب المستقلين، ففتح المناقشات لعدة أيام كما كان يحصل سابقا سيرفع سقف التوقعات لدى الجمهور، وكان المجلس ليتلقى نقدا أشد من الرأي العام مع أن النتيجة واحدة في الحالتين.
عمليا، جدل الموازنة أصبح خلف ظهورنا، وأمام الحكومة الآن تحدي الوفاء بما وعدت به النواب ومن قبل ومن بعد الجمهور العريض من الأردنيين.
مقابل الثمن الذي سيدفعه الناس من جيوبهم لتصويب مسيرة الاقتصاد الوطني، يتعين على الحكومة أن تشمّر عن سواعدها وتعلن حالة الطوارئ القصوى في عديد القطاعات التي تحتاج لإصلاحات جذرية يلمس المواطن أثرها في القريب العاجل.
في عديد القطاعات الحيوية كالنقل والتشغيل والتعليم والإصلاح الإداري وتحفيز الاستثمار تملك الحكومة خططا واستراتيجيات جاهزة ومقرّة، يجب تحويلها على الفور إلى سياسات عمل وبرامج تنفيذية محددة بسقوف زمنية، وتشكيل طواقم تشرف على تطبيقها في الميدان.
ما الذي يمنعنا اليوم من العمل فورا على تصويب الاختلالات في سوق العمل مثلا واستهداف ما لايقل عن مئتي وظيفة يشغلها عمال وافدون واستبدالهم بأردنيين خلال هذه السنة؟
خطة إصلاح التعليم تسير على السكة الصحيحة، لكنها تحتاج لقرارات تسرّع الخطوات، وتحدث أثرا مباشرا في المدارس والجامعات كإعداد المناهج الجديدة والتوسع في برامج تدريب المعلمين، وتحسين مستوى البيئة المدرسية، والتوجه للمناطق الأقل حظا لإنصاف طلابها وتطوير قدراتهم، وعدم تركهم أسرى المزاجية والروتين الحكومي.
وما الذي يمنع تشكيل مجلس تشاوري من ممثلي القطاع الخاص والوزارات المعنية ليعمل وبشكل يومي ودائم لتذليل العقبات أمام الاستثمارات الجديدة وحل المشكلات التي تواجه المستثمرين، وتشجيعهم على تبني المشاريع الواردة في خرائط الاستثمار في المحافظات، بالإضافة إلى العمل على رفع حجم الصادرات للأسواق الخارجية واستثمار الفرص الجديدة في هذا المجال.
يعاني قطاع النقل من واقع مرير، حتى الآن لم نفلح في إنقاذه من العشوائية والتخبط في الممارسات والتداخل في الصلاحيات. ولا يمكن أن نراهن على مشروع واحد كالباص السريع لتغيير الوضع القائم، فثمة حاجة لمقاربة أشمل ممكنة وتتوفر الخطط لتطبيقها.
أما المهمة العاجلة على جدول حالة الطوارئ فهى وضع خطة محكمة وصارمة لمنع انفلات الأسعار في الأسواق بعد تطبيق حزمة القرارات الضريبية، وفرض عقوبات قاسية على المخالفين، وإصدار تعليمات خاصة بهذا الشأن إذا ما تطلب الأمر.
لن يبدّل الناس موقفهم من الحكومة ونظرتهم لها كحكومة جباية إذا لم تظهر روحا قتالية في الميدان دفاعا عن مصالحهم، ويتصرف طاقمها بما تقتضي المرحلة من قرارات صعبة وجريئة تعيد الأردنيين من جديد لدائرة الأمل.