زاد الاردن الاخباري -
في الوقت الذي تحاول فيه الإدارة الأميركية، فرض واقع سياستها الخارجية على الأرض، والحيلولة دون إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، أكد خبراء وسياسيون رفض الأردن لأي حلول بديلة وإقليمية تمس وتنتقص من حقوق الشعب الفلسطيني، سبق وأن تم الترويج لها على حساب الأردن أو غيره من دول الإقليم.
ووسط ضبابية المرحلة، وعلى وقع تشكل ملامح السياسة الخارجية للرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه الشرق الاوسط، تسعى الولايات المتحدة بالتزامن مع زيارة نائب الرئيس مايك بنس، الذي يعد أرفع مسؤول اميركي يزور المنطقة منذ توقيع ترامب قرار الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده اليها، للترويج لإمكانية وجود حلول وخطة سلام قيد الإعداد من شأنها أن ترضي الفلسطينيين.
وبحسب تصريحات لمسؤولين أميركان، فإن الخطة "شاملة، وتتجاوز الأطر التي وضعتها الإدارات الأميركية السابقة، اذ ستتناول كل القضايا الكبرى، بما فيها القدس، الحدود، الامن، المستوطنات، اللاجئون الفلسطينيون، وتتضمن طلب دعم مالي كبير للفلسطينيين من دول عربية".
ويجمع خبراء لـ"الغد"، على ثبات الموقف الاردني حيال القضية الفلسطينية، ورفضه لاي حل يكون على حساب مصالحه العليا ويضر بالامن الوطني الاردني، مؤكدين على صلابة الموقف تجاه أي حل في ظل تمسك المملكة بمطلبها بتجسيد حل الدولتين كأساس لحل الصراع، الذي تقوم بمقتضاه الدولة الفلسطينية المستقلة، ذات السيادة، على خطوط الرابع من حزيران لعام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، تطبيقاً لقرارات الشرعية الدولية.
وصل عمان مساء أمس نائب الرئيس الأميركي، بجولة يهيمن عليها قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وكانت الزيارة مقررة اصلا في نهاية كانون الاول (ديسمبر)، لكنها تأجلت في ظل الغضب الذي أثاره قرار ترامب حول القدس.
يقول أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الاردنية د. محمد مصالحة ان من الواضح ان السياسة الاميركية في عهد ترامب اصبحت منحازة تماما لاسرائيل، وفقا لتقديرات خاطئة تقوم على حيازة القوة وضعف الموقف العربي، ما سهل منح واشنطن اعترافها لاسرائيل بالقدس عاصمة لها.
ويضيف "عدا عن كون التصرف الاميركي إهدارا للقانون الدولي ومخالفة صارخة لقرارات الامم المتحدة والاجماع الدولي حول القدس ومعالجة وضعها ضمن مفاوضات الحل النهائي، فانه خطأ اميركي استراتيجي خطير يدفع بالمنطقة إلى مرحلة أخرى من الحروب والفوضى، يعادل بخطورته قيام الرئيس الأميركي الاسبق جورج بوش بشن الحرب على العراق 2003، وتدمير مؤسساته مما أدى الى ادخاله بدوامة الفوضى السياسية وظهور حركات التطرف والإرهاب بعد 8 سنوات من الاحتلال الاميركي للعراق".
ويرى المصالحة أن زيارة بنس للأردن والمنطقة للوقوف على الحقائق السياسية المتولدة عن السياسة "الترامبية" إزاء القدس والملف الفلسطيني برمته "قد تفتح الباب أمام الإصغاء للصوت الأردني الرشيد، الذي يمثله جلالة الملك حول ضرورة مراجعة واشنطن لمواقفها من الصراع في فلسطين وأن لا تعتمد على امكانية تمرير قرارها، بشأن القدس دون تداعيات رسمية وشعبية عربية على المصالح الأميركية في المنطقة".
ويعتقد المصالحة ان تصعيدا لم يحصل من الجانب الأميركي، بعد مواقف الاردن القوية الرافضة بقوة لتصفية قضية القدس وفلسطين، ما يؤشر الى احتمال ان واشنطن كانت بدأت بحالة صمت وتقييم لنتائج قرارات ترامب على مصالحها وعلاقاتها مع حلفائها وشركائها الاستراتيجيين خاصة الاردن وفلسطين.
ويبين المصالحة أن الملك صرح قبل فترة ان الاردن من جانبه سيواصل الاتصال مع الولايات المتحدة ولن يترك أي فراغ في العلاقات يستغله الآخرون لمصالحهم.
ويشير الى ان النافذة الاردنية ربما تساعد عبر زيارة بنس في "عقلنة القرارات والسياسات الأميركية إزاء قضايا المنطقة والمساعدة بنقل وجهة نظر الأشقاء الفلسطينيين بعد رفض الرئيس محمود عباس استمرار الرعاية الأميركية للمفاوضات مع اسرائيل واستبدالها برعاية دولية".
وخلص المصالحة الى ان ملف العلاقات الاردنية واستمرار المساعدات للأردن وموضوع استمرار وكالة الغوث بعملها تجاه اللاجئين، حتى تتم تسوية قضيتهم في مفاوضات الحل النهائي "ستكون احد اهم الموضوعات على جدول المباحثات الاردنية الأميركية".
وزير الخارجية الأسبق كامل أبو جابر يرى ان أي عملية سلام لا بد ان تتمخض عن الاعلان بان القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية، مشدداً على أن الحل الإقليمي "يجب أن يكون توافقيا، وبالذات إذا ضمن قيام دولة فلسطينية حسب مبادرة السلام العربية".
واعتبر ابو جابر انه اذا كان الحل الاقليمي الوارد سيرتب كونفدرالية اردنية او دولة فلسطينية تحت الوصاية الاردنية "فهو أمر مرفوض اردنيا منذ عام 1967 وغير قابل للتطبيق".
وبين ان اي حديث خارج مفهوم الدولة الفلسطينية المقامة على حدود الرابع من حزيران 1967 "يضر بالأمن الوطني الأردني، وأي مشروع خارج مشروع الدولة لن يكتب له النجاح".
من جهته يقول وزير الإعلام الاسبق د. نبيل الشريف ان الحديث المتداول حول اجبار الفلسطينيين على قبول تسوية تاريخية للقضية الفلسطينية تلحق بموجبها الضفة الغربية بالأردن وتناط على أساسها ادارة غزة بمصر "يدخل في باب العبث السياسي الذي لا يمت للواقع بصلة وينم عن تبعية عمياء لليمين الإسرائيلي وعن جهل مطبق بألف باء العمل السياسي".
وتساءل الشريف "من قال إن الفلسطينيين سيضحون بحلمهم بإقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس بهذه السهولة؟"
ويقول "إن من يعتقد بامكانية حدوث ذلك واهم ولا يدرك ان الفلسطيني الذي قدّم آلاف الشهداء لنيل حريته واستقلاله، ليس مستعدا للتنازل عن حقوقه التاريخية مهما حدث".
وبين ان الاردن يدرك أكثر من غيره ان الهدف من هذه المخططات "هو اعفاء الاحتلال من التبعات القانونية لممارساته وإشغال العرب بخلافات داخلية بينما يظفر الاحتلال الإسرائيلي بكل شيء".
ويشير الشريف الى رفض الأردن الدائم للحديث - مجرد الحديث- عن الكونفدرالية بين الاردن وفلسطين، وانه يصر دائما على زوال الاحتلال قبل اي حديث آخر "فكيف له أن يقبل الآن برفع المسؤولية القانونية عن إسرائيل وضم الصفة الغربية هكذا رغما عن الفلسطينيين؟!".
يذكر أن محادثات السلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية توقفت منذ العام 2014، الى ان جاء الرئيس ترامب، وأعلن في السادس من الشهر الماضي، القدس عاصمة لاسرائيل بنقل سفارة بلاده الى القدس بدلا من تل أبيب.
وفي هذا الاطار يشير السفير السابق احمد مبيضين إلى أن زيارة بنس للأردن "تجعل المملكة لاعبا أساسيا بحال تمكن الوسطاء الأميركيون من إحياء عملية السلام"، مشدداً في نفس الوقت ان الحديث عن صفقة القرن التي تستند إلى ما يسمى بالحل الإقليمي "هو أمر مرفوض أردنيا، رغم ان الادارة الاميركية لم تتحدث عنها بشكل رسمي حتى اللحظة، في اطار سعيها للترويج لها خلال تسريبات لما يسمى بـالحل الاقليمي او الحل الجزئي".
ويرى مبيضين ان الادارة الأميركية تفهم جيدا أن الاردن لن يرضى بأي حلول على حسابه فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية بشكل عام والضفة الغربية بشكل خاص، مؤكداً ان الموقف الاردني "واضح، اذ لا يمكن ان تقوم دولة فلسطينية دون ان تكون القدس الشرقية عاصمة لها، باعتبار ذلك الأمر هو الحل الوحيد الذي يمكن التوجه له ولا مكان لحلول أخرى".
ويرى مبيضين أن الاردن الرسمي يسعى من خلال استقبال بنس، الحصول على تطمينات تتعلق بالموقف من الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس، فضلاً عن التمسك بحل الدولتين كأساس لاستمرار عملية السلام، ووقف تداعيات القرار الأميركي بنقل السفارة إلى القدس، واستمرار المساعدات الأميركية للأردن والأونروا.
الغد