زاد الاردن الاخباري -
كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية في تقرير حصري، السبت، عن قيام الطيران الإسرائيلي بأكثر من 100 علمية عسكرية داخل سيناء، بموافقة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
وقالت الصحيفة الأميركية، إن التنسيق الأمني بين القاهرة وتل أبيب زاد منذ وصول السيسي إلى سدة الحكم في مصر عام 2014، بشكل كبير، بسبب تنامي الحركات الجهادية المسلحة في سيناء.
وتضيف الصحيفة الأميركية أنَّ مصر تبدو عاجزةً عن إيقافهم، لذا تحرَّكت إسرائيل، التي شعرت بالقلق من التهديد القابع خلف حدودها مباشرةً.
وعلى مدى عامين، نفَّذت طائرات بدون طيَّار ومروحيات ومقاتلات إسرائيلية لا تحمل علاماتٍ حملةً جوية سرية، وشنَّت أكثر من 100 غارة داخل مصر، وفي كثيرٍ من الأحيان أكثر من غارة في الأسبوع، كل ذلك بموافقة الرئيس عبدالفتاح السيسي.
مرحلة جديدة من العلاقات
يُدشِّن التعاون الملحوظ مرحلةً جديدة في تطور علاقتهما المشحونة المتفرِّدة، إذ أصبحت مصر وإسرائيل -اللتان كانتا عدوتين خاضتا في السابق ثلاث حروب ثُمَّ أصبحتا خصمين في سلامٍ غير مستقر- الآن حليفين سرِّيين في حربٍ سرية ضد عدوٍّ مشترك، بحسب نيويورك تايمز.
بالنسبة للقاهرة، ساعد التدخُّل الإسرائيلي الجيش المصري في إعادة تثبيت أقدامه في معركته المستمرة منذ ما يقارب الأربع سنوات ضد المسلحين. وبالنسبة لإسرائيل، عزَّزت الغارات الأمن على حدودها واستقرار جارتها.
ويُعَد تعاونهما في شمال سيناء أوضح الأدلة حتى الآن على العملية الهادئة لإعادة تشكُّل السياسة في المنطقة. وقد دفع الأعداء المشتركون، مثل داعش وإيران والإسلام السياسي، العديدَ من الدول العربية إلى اصطفافٍ متزايد مع إسرائيل، حتى في ظلِّ مواصلة مسؤوليها ووسائل إعلامها توجيه الانتقادات للدولة اليهودية علناً، بحسب الصحيفة الأميركية.
ويقول المسؤولون الأميركيون إنَّ الضربات الجوية الإسرائيلية لعبت دوراً حاسِماً في تمكين القوات المسلحة المصرية من الحصول على اليد الطولى ضد المسلحين. لكنَّ الدور الإسرائيلي كانت له بعض النتائج غير المتوقعة في المنطقة، بما في ذلك مفاوضات السلام في الشرق الأوسط، جزئياً، باقتناع مسؤولين إسرائيين كبار بأنَّ مصر الآن معتمدة عليهم، حتى في السيطرة على أراضيها، بحسب الصحيفة الأميركية.
ورفض المتحدثون باسم الجيشين الإسرائيلي والمصري التعليقَ على المسألة، وكذا المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية.
وأشارت نيويورك تايمز إلى أن كلاً من القاهرة وتل أبيب سعتا لإخفاء دور إسرائيل في الغارات الجوية؛ خوفاً من ردة فعلٍ عكسية داخل مصر، التي يواصل مسؤولوها الحكوميون ووسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة فيها الحديث عن إسرائيل بوصفها عدواً، ويتعهَّدون بالإخلاص للقضية الفلسطينية.
تغيير المسار
ولا تحمل الطائرات الإسرائيلية بدون طيار علاماتٍ، وتُغطِّي المروحيات والمقاتلات الإسرائيلية علاماتها. ووفقاً لمسؤولين أميركيين مُطَّلعين على العمليات، تُحلِّق بعض الطائرات في مساراتٍ ملتوية غير مباشرة، للإيحاء بأنَّها قادمة من البر الرئيسي لمصر.
في إسرائيل، تضع الرقابة العسكرية قيوداً على نشر أخبار الغارات الجوية. ومن غير الواضح ما إذا كانت القوات الإسرائيلية أو القوات الخاصة قد وضعت أقدامها داخل الحدود المصرية، الأمر الذي من شأنه أن يزيد خطر كشف الأمر.
وقد أولى السيسي المزيد من الاهتمام، كما يقول المسؤولون الأميركيون، لإخفاء مصدر الغارات عن جميع الدوائر، باستثناء دائرة محدودة من مسؤولي الجيش والاستخبارات. وكانت الحكومة المصرية قد أعلنت شمال سيناء منطقةً عسكرية مغلقة، ما منع الصحفيين من جمع المعلومات هناك.
وخلف الكواليس، تزايد التقارب بين كبار الجنرالات المصريين ونظرائهم الإسرائيليين بصورةٍ منتظمة، منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد قبل 40 عاماً في عام 1978. وساعدت قوات الأمن المصرية إسرائيل على فرض قيودٍ على تدفق البضائع من وإلى قطاع غزة، المنطقة الفلسطينية المتاخمة لمصر، التي تسيطر عليها حركة المقاومة الإسلامية (حماس). وتتبادل أجهزة الاستخبارات المصرية والإسرائيلية منذ فترةٍ طويلة المعلومات عن المسلحين على جانبي الحدود، بحسب نيويورك تايمز.
وأصبحت شمال سيناء -وهي منطقة صحراء جبلية تخضع لسيطرة رخوة بين قناة السويس والحدود الإسرائيلية- ملاذاً للمسلحين الإسلاميين، في العقد الذي سبق تولِّي السيسي للسلطة. وركَّز التنظيم الجهادي الرئيسي، أنصار بيت المقدس، على مهاجمة إسرائيل، لكن بعد تولِّي السيسي الحكم بدأ التنظيم قيادة موجة من الهجمات المميتة ضد قوات الأمن المصرية.
وفي أغسطس/آب 2013، بعد بضعة أسابيع من توِّلي السيسي للحكم، أسفر انفجاران غامضان عن مقتل خمسة مسلحين مشتبهين في منطقةٍ بشمال سيناء، ليست بعيدة عن الحدود الإسرائيلية. وأفادت وكالة أسوشيتد برس بأنَّ مسؤولين مصريين -لم تُسمِّهم- قالوا إنَّ طائرات بدون طيار إسرائيلية أطلقت صواريخَ، أسفرت عن مقتل المسلحين، ربما نتيجة تحذيراتٍ مصرية من هجومٍ عابر للحدود مزمع على مطارٍ إسرائيلي. (كانت إسرائيل قد أغلقت المطار في اليوم السابق)، بحسب الصحيفة الأميركية.
ونفى المتحدث باسم الجيش المصري آنذاك، العقيد أحمد علي، الأمر. وقال في بيانٍ في ذلك الوقت: "لا صحة شكلاً وموضوعاً لوجود أية هجمات من الجانب الإسرائيلي داخل الأراضي المصرية"، مُتعهِّداً بفتح تحقيق. وأضاف: "الادعاء بوجود تنسيق بين الجانبين المصري والإسرائيلي بهذا الشأن هو أمرٌ عارٍ تماماً عن الصحة، ويخالف العقلَ والمنطق".
ورفضت إسرائيل التعليق، وجرى نسيان الحادثة تقريباً.
لكن بعد عامين، كان السيسي لا يزال يعاني من أجل هزيمة المسلحين، الذين قتلوا بحلول ذلك الوقت بضع مئاتٍ على الأقل من الجنود وأفراد الشرطة المصريين.
إسرائيل قتلت قائمة طويلة من المسلحين
وقال المسؤولون الأميركيون، إنَّ إسرائيل بدأت موجة غاراتها الجوية في وقتٍ قريب من هذه الحوادث المشؤومة، وينسب المسؤولون الفضلَ لها في قتل قائمة طويلة من قيادات المسلحين.
وعلى الرغم من صعود أشخاص لديهم نفس القدر من الوحشية لخلافة قيادات المسلحين، بدا أنَّهم تبنَّوا أهدافاً أقل طموحاً. فلم يعودوا يتجرأون على محاولة إغلاق الطرق، أو إقامة نقاط تفتيش، أو السيطرة على الأرض. وانتقلوا لضرب أهداف رخوة أكثر، مثل المسيحيين في سيناء، أو الكنائس في وادي النيل، أو المسلمين الآخرين الذين يعتبرونهم كفاراً. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2017، قتل المسلحون 311 مصلياً في مسجدٍ صوفي بشمال سيناء، بحسب الصحيفة الأميركية.
وبحلول هذا الوقت، يقول المسؤولون الأميركيون إنّ الإسرائيليين كانوا يشتكون لواشنطن من أنَّ المصريين لا يلتزمون من جانبهم بالاتفاق. وقالوا إنَّ القاهرة أخفقت في إتْبَاع الغارات بتحركاتٍ مُنسَّقة لقواتها على الأرض.
ومع أنَّ الرقابة العسكرية الإسرائيلية منعت وسائل الإعلام هناك من تناول الضربات، تحايلت بعض وسائل الإعلام على الرقابة بنقلها تقريراً لوكالة بلومبيرغ في 2016، قال فيه مصدرٌ إسرائيلي لم تجرِ تسميته إنَّه توجد طائرات بدون طيار إسرائيلية داخل مصر.
تكتُّم في المعلومات
وقارن زاك غولد، وهو باحث متخصص في شمال سيناء يعمل في إسرائيل، تلك الغارات ببرنامج الأسلحة النووية الإسرائيلي؛ فكلاهما سرٌّ معروف.
وأضاف لنيويورك تايمز، أنَّ "الغارات الإسرائيلية داخل مصر هي بنفس الصورة تقريباً. ففي كل مرة يقول فيها أحدهم أيَّ شيءٍ عن البرنامج النووي، يتعيَّن عليهم أن يضيفوا عبارة: وفقاً للصحافة الأجنبية. مصلحة إسرائيل الاستراتيجية الرئيسية في مصر هي الاستقرار، ويعتقدون أنَّ الإفصاح الصريح عن هذه المسائل سيُهدِّد ذلك الاستقرار".
وداخل الإدارة الأميركية، توجد معرفة واسعة النطاق للغارات، لدرجة أنَّ دبلوماسيين ومسؤولي استخبارات قد ناقشوها في جلسات إحاطةٍ مغلقة مع المشرعين في الكونغرس.
وأشار المشرعون في جلسات استماعٍ مفتوحة إلى الموافقة على التعاون المصري والإسرائيلي الوثيق في شمال سيناء.
وفي مقابلة هاتفية، مع الصحيفة الأميركية، رفض السيناتور بنيامين كاردين عن ولاية ميريلاند، وهو سيناتور ديمقراطي بارز في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، مناقشة تفاصيل العمليات العسكرية الإسرائيلية في مصر، لكنَّه قال إنَّ إسرائيل لم تكن تتصرف "من باب حُسن الجوار".
وأضاف: "إسرائيل لا تريد أن تمتد الأنشطة السيئة التي تحدث في سيناء المصرية إلى داخل أراضيها"، مشيراً إلى أنَّ الجهود المصرية لإخفاء دور إسرائيل عن مواطنيها "ليست ظاهرة جديدة".
ويشكو بعض مؤيدي إسرائيل من أنَّه نظراً لاعتماد مصر على الجيش الإسرائيلي، فإنَّ المسؤولين المصريين والدبلوماسيين ووسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة يجب أن تكف علناً عن إدانة الدولة اليهودية، خاصةً في المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة، بحسب الصحيفة الأميركية.
ويقول إليوت إنجل، النائب الديمقراطي عن ولاية نيويورك، والعضو البارز بلجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب: "تتحدث إلى السيسي وتراه يتحدث عن التعاون الأمني مع إسرائيل، وتتحدث إلى الإسرائيليين وتراهم يتحدثون عن التعاون الأمني مع مصر، لكن بعد ذلك تستمر هذه اللعبة مزدوجة الأوجه. إنَّها مسألة مُحيِّرة بالنسبة لي".
وقد ذكَّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أيضاً بوضوح الدبلوماسيين الأميركيين بالدور العسكري الإسرائيلي في سيناء. ففي فبراير/شباط 2016 على سبيل المثال، عقد وزير الخارجية الأميركي جون كيري قمةً سريةً في مدينة العقبة الأردنية مع الرئيس السيسي والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني ونتنياهو، وفقاً لما ذكره ثلاثة مسؤولين أميركيين شاركوا في المحادثات أو اطلعوا عليها.
واقترح كيري اتفاقاً إقليمياً تضمَن فيه مصرُ والأردن أمنَ إسرائيل، كجزءٍ من اتفاقٍ لإقامة دولةٍ فلسطينية.
لكنَّ نتنياهو سخر من هذه الفكرة.
وقال إنَّ الجيش الإسرائيلي يدعم بالفعل الجيشَ المصري. ورأى أنَّه إن كانت مصر عاجزة عن السيطرة على الأرض داخل حدودها، فإنَّها في وضعٍ لن يسمح لها بضمان الأمن لإسرائيل.
هاف بوست عربي