نُعايشُ في الأردن ، خرافاتٍ كثيرةٍ لآكلي بيضِ الوطنِ وقِشْرِه . يخلطونَ حربَ الارهابِ الدولي على من حولنا ، بالتآمرِ على مقوِّماتِ العيشِ الكريمِ لِمُواطِنِنا . يُحاولون رغم المفارقات العجيبة ، توظيفَ ما يجري هناك من جرائمَ ، كفزَّاعاتٍ تؤيدهم ، وتردع الناس عن التوجع مما هم فيه ، حتى لو غلبهم إحباطهم .
الأمنُ والأمانُ ، مسائلَ هُلاميةٍ مثيرة للإهتمام ، والجوع وقائع لها أنياب ومخالب مثيرة للخوف . الأمن والأمان ، أبعادٌ لا يمكن الإجابة عليها في الواقع ، بشكل قطعي الثبوت ولا الدلالات . فيضطر الجميع إلى تركها مسائل معلقة ، يتكئ عليها كل من هب ودب . ويتخذ منها أكلةُ الجبنة ، نقطةَ إنطلاق لكسب مواطئ لأقدامهم وأقدام توابعهم .
في ظل تداعي الأمنِ والأمان من حولنا ، لن أحاجِجَ الدقةَ أو ألموضوعيةِ في توظيفِ ، حاجة الناس للأمن كفزاعة . بل سأذكِّرُمن يهمهم الأمر ، بالنهج الرباني الحكيم ، الذي قدم ألجوع على الأمن ، وهو يُذَكِّرُ خَلْقَهْ بفضله عليهم ( الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ) . لا أمن ولا أمان يا سادة مع الجوع .
لَمَمُ أكلة البيض بقشره ، مُعَشْعِشون في جُلِّ المفاصل السيادية للوطن . ولا يهمهم من الأمن والأمان كضرورة حياتية ، إلا توظيفه كفزاعةٍ تُمَكنهم من إبتكار مُواطنٍ جديد ، بمواصفاتٍ روبوتيةٍ مُسبقةِ البَرمجة ، تخدم مصالحهم الضيقة ، لا مصالح الوطن والدولة الراشدة .
من أجل هذا التدليس الشيطاني ، يُغرِقونَ الناس بضرورات الصبر الجميل . ويعيدون تعريف الأمن والأمان على هواهم ، دون الإلتفات للقدسية الأخلاقية لهما والتمسك بها .
في الأثناء ، تتلقى هذه الدعاوى ، نقدا وسخرية ، من قِبل الجوعى والقاطنين في جيوب ألفقر ومن حولها . ألمطلوب منهم المبادلة او المفاضلة ، بين حقائق جوعهم وخرافات أمنهم فحسب .
لِمَن يُنْصِتُ بِشرفٍ وموضوعيةٍ لنبضِ أهله ، أقول ما تؤكدهُ علوم السياسة والحكم وتجارب التاريخ ، في فنون قيادة الناس : أن الأمن والأمان حقا جميلان . ولكنهما متزوجان بالعيش الكريم . والعيش الكريم متزوج بإشباع الإحتياجات المادية وغير المادية للناس . وأولها بالطبع الخبز يا ساده .
من حقكم أن تتوجسوا من تحرك الشوارع . فكرامة الناس تشدهم لكل أنواع الخروج . ما قد يحصل لن يكون مُستغرباً . ألنقصُ الحادُّ في تأمين ألإحتياجات ألمادية للناس ، دافعٌ مُبَرِّرٌ لمواجهتكم ، لا للإستيلاء على سلطةٍ أو معاداةِ نظام .
لا تُصدقوا الفكرة الساذجة القائلة : أن الناس لو جاعت ، ستتبع ذليلة كالكلاب . إنها نصيحةٌ مسمومةٌ للسحيجة ، يدحضها العلم والحكمة الحصيفة والتاريخ أيضا . فالكلب الجائع قد يعض صاحبه ، او يتبع كل من يلولح له ، بخبز حتى لو كان الخبز يابسا .
لن يتمكن أي من العجزة المقعدين في مقدمات المسارح العامة والخاصة ، من توقع ، أن ينجح الجوعى يوما ما ، بالقوة أو بالإتفاق ، في التخلص من أكلة البسكويت والجبنة والبيض .
وفي الآونة الأخيرة ، وبعد سنواتٍ من الإنكار، قَبِل المؤرخون ، بأن الجوعى ، بعد أن يستوعبوا الدروس جيدا ، يفكرون وبجدية ، في إقتلاع وتهجير من على المسارح ، ولو بشكل فوضوي .
ليس هذا مجرد قراءة في فناجين الوطن ، ولكنه إدانة ذات إلتزامات سياسية وقانونية وأخلاقية بعيدة المدى . أقول في ظلها : من المهم أن نتذكر إشارات من استوعبوا الدرس جيدا من الجياع ، فليس كل الجياع جهلة أو غير مُبالين بجوعهم . وحتى إن وُجِدت أقلية غير مبالية ، إلا أن من يشعرون بوجودها ، يثبتون أن هناك بعض الجوعى على الأقل ، ليسوا صُمّا عن صرخات أمعاءهم والأضرار التي تلحق بكراماتهم . بل يؤمنون أنه لم يعد بإستطاعةِ الهراوة أو السلاح وحده ، أن يوفر الأمن والأمان الحق ، بل تضافر القوى الناعمة والعميقة الرشيدة ، وإلإرادة الحرة للناس . وهذا عمل شاق بلا شك ، إلا على من كانت قلوبهم بالفعل ، على الوطن .
الأردن – 13/2/2018