إن الحياة أشبه ما تكون بالنهر الجاري أو البحر المتجدِّد بأمواجه لا يَقبل في جوفه الموت، ولولا تقلُّب أحوال الحياة بالناس ما تعلَّم الجاهل، ولا تواضَع المتكبِّر، ولا خنَع المُتغطرِس المغرور للحقِّ الذي للناس عليه .
ومن المحال دوام الحياة دون الموت، وقد يُرزَق التاجر المالَ ويُحرَم الصحَّة والأولاد مع تمنِّيه ذلك، ويُعطى الفقير الصحة والولد، ويُحرم المال ويَذوق شظف العيش، المهم أن من أعطي شيئًا ذا بال وقد يكون حُرِم مثلَه ، ولا يظلم ربك أحدًا، حتى محبة الناس، أو على الأقل تقدير الناس له، يَزيد أيامًا ويَنحسِر مثلها ، وقد تكون صلة المرء بربه هي محور هذا التحول الذي لا يستقرُّ على حال،يؤكِّد هذا المعنى الفاروق عمرُ - رضي الله عنه - يوم خاطَب رعيَّته ناصحًا،"حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزِنوها قبل أن تُوزَن عليكم يوم العَرض الأكبر"، وفي التاريخ الإسلامي قصّة عن رجلين تنازَعا على كنز وجداه في أرض أحدهما، يقول الآخَر للقاضي, سيدي القاضي هذا الكنز له لأنه وجده في أرضه وليس لي، ويقول الآخَر, بل هو له سيدي القاضي, أنا اشتريتُ الأرض ولم أشترِ الكنز، فهو له، هل مِثل هذه النفوس موجودة الآن، ولعل قومًا أطال الله عذابهم على يد ظالم سلَّطه عليهم ليَتوبوا، فإذا غيرَّوا من أحوالهم وقَبِل الله منهم، رفَع عنهم يدَ الظالم بأيديهم أو بغيرهم: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ﴾ صدق الله العظيم، وإن هذه الثورات الشعبية التي أطاحت بالطواغيت أوضح بيان على ما سبَق ذِكره, ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ صدق الله العظيم، والله وعد ولن يُخلِف وعدَه, ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ صدق الله العظيم، وإن هذا القتل الذريع حُجَّة الله على خلْقه، وإذا أراد الله شيئًا هيَّأ له أسبابه.
وهناك من قال دوام الحال بعد المحال , فبعد نكبة 1948 وبعد توالي النّكبات إلى يومنا هذا ، وهناك من قال مابين غمضة عين وانتباهها يغير الله من حال إلى حالِ , ومن بعد,ومن قال
بأنّ الأمور إذا التوت وتعقّدت , جاء القضاء من الكريم فحلّها
فلعل يسر بعد عسرٍ علّها , ولعلّ من عقد الأمور يحلّها
وهذا صحيح ، فلله الأمر من قبل ومن بعد ، ولكنه القائل جلّ جلاله: ( وقل سيروا فسيرى الله عملكم) صدق الله العظيم .
ومن قال ما أخذ بالقوّة لا يستردّ إلاّ بالقوّة ، وهذا صحيح ، غير أن ضعف دبلوماسيّتنا بل وغيابها وغباء سياساتنا ومعظم سياسيّونا أفقدنا الكثير من حقوقنا ، والقوّة المصاحبة للسياسة تُعطي النتيجة النّاجحة .
الآخرون الذين تسببوا في نكبات أهلنا في فلسطين ، لديهم من القوّة ما يكفي لإخضاع أيّ أرض لتكون تحت سلطتهم إلاّ أنهم ومع ثقتهم في قوّتهم عمدوا إلى الدّبلوماسيّة وحققوا بغيتهم على نار هادئة بما فيها الفتنة بين أهلنا في فلسطين ، واحتلوا بعد فلسطين أراض أخرى ، وفي انتظار مفاجآت الغد لا سمح الله , نعود لنسأل أين دبلوماسيتنا طوال هذه الفترة الملتهبة من تاريخ أمّتنا.
كانوا في ديارنا مستعمرين فطردناهم عبر الباب شرّ طردة ، وفقدنا من رجالنا في عموم الوطن الكبير ملايين الشهداء ، إلا أنهم عادوا , بدبلوماسيتهم من الشّباك ، ونجحوا أيضا في حماية أنفسهم من نيران غضبنا التي نحوّلها إلى رصاص حارق ، فجعلونا وجها لوجه مع بني جلدتنا .
وكلّ يوم ونحن في شأن يدمي القلوب...........
هذا عندما يكون الحال مبعث سرور للصديق بنسبة ما ، أمّا عندما يكون الحال مبعث سرور للعدو ، فذلك عبء ثقيل قاتل .
عاجزون عن القوّة العسكرية ‘ إلا أننا نملك قوى أخرى ، وإذا لم تصاحبها دبلوماسيّة ، فدوام الحال من الحال ، ذلك أن حالنا سيزداد سوءا .وهكذا وجدنا فلسطين تضيع وتكاد تكون لقمة صائغة بفم عدوِّ لا يعرف الحق واصحابه وانما بيد عصابة مسلّحة تستبيح دم الفلسطينيين والعرب وقتلهم وتشريدهم دون وازع من دين او اخلاق , وهكذا بتنا نحتج على تاريخ نقل السفارة الأمريكية الى القدس من تل ابيب في شهر ايّار القادم ام السنة القادمة , ونسينا ان فلسطين كلها محتلّة بما فيها القدس والمقدّسات فماذا يهمنا إن وضعوا السفارة في المريخ ام في باحة المسجد الأقصى فما يهم ذل هل يُعيد الأقصى للمسلمين ام هل يمنع استجدائنا لتسمح لنا إسرائيل بالصلاة في الأقصى , كفانا وضع رؤوسنا في الرمال يملؤها الذل والهوان.
وأما ما جائنا عام 2011 واطلقوا عليه الربيع العربي والذي تحوّل بقدرة الدول العظمى الى الدمار العربي الشامل , وما زالت مسيرة الدمار تسير حسب ما خُطِّط لها تماما فها هو العالم ممثلا بمجلس الأمن الدولي إستطاع اخذ قرار دولي بالإجماع وببالغ الصعوبة بوقف القتال في الغوطة الشرقية حول العاصمة دمشق لمدّة شهر لإخلاء القتلى والجرحى وتأمين الغذاء والدواء للمحاصرين من السكان المدنيّين منذ عدّة سنوات وذلك بسبب تعنُّت القوات الروسية حيث ان القتلى من العرب والسلاح صناعة روسية وامريكيّة فلِم ينهوا الحرب ؟؟؟ وعلى الأغلب لن تصمد هذه الهدنة طويلا لأن المستفيد هي روسيا وامريكا والخاسر الوحيد هو الشعب السوري من كل المنابت والأصول والأرض السوريّة .
وانا اقول إنّ دوام الحال من المحال ولا بدّ ان تُشرق الشمس لتحتضن بنورها كل من فلسطين وسوريّة ويبزغ نهار جديد بإذن الله وكرمه .
احمد محمود سعيد
البناء الأخضر للإستشارات البيئيّة
ambanr@hotmail.com
26/2/2018