على الرغم من إتصاف الشعب الايراني بصورة عامة بإلتزامه الديني و تمسکه بها الى حد کبير، ومع إهتمامه و رعايته للمناسبات الدينية المختلفة لکنه مع ذلك کان ولايزال يعتبر مناسبته و عيده الکبير في بداية العام الايراني الجديد دائما، وقد حاول نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية بصورة أو بأخرى من تهميش هذه المناسبة و صرف الاهتمام الاستثنائي للشعب الايراني لکنه فشل في ذلك ولذلك إضطر أن يشارك الشعب بها ولو على مضض.
عيد بداية رأس السنة الايرانية الذي يبدأ في 21 من آذار کل سنة و يسمى بعيد"النوروز"، يهتم به الشعب الايراني الى أبعد حد حيث يقوم خلاله بتزيين سفرة الطعام بما لذ و طاب و يتزين و يأخذ الکثير من الاستعدادات المختلفة من أجل ذلك، لکنه ولاسيما خلال الاعوام الاخيرة، لم يعد يتمکن من الاحتفال بعيد النوروز و إستقباله کما کان يفعل دائما ذلك إن ظلال الاوضاع الاقتصادية السلبية الداکنة بدأت تخيم بقوة على هذه المناسبة و تضيق الخناق على هذه المناسبة القومية ـ التراثية التي يعتز بها الشعب الايراني کثيرا.
الفقر و المجاعة و الحرمان صارت بمثابة ظواهر تفرض نفسها بقوة على المشهد الايراني، بل وإن الامر تعدى الحالة المعيشية و بدأ يؤثر سلبا على الاوضاع الاجتماعية فبدأت مظاهر التفکك الاسري و إنتشار الجريمة و الادمان على المواد المخدرة و بيع أعضاء الجسد و الاطفال و البنات تصبح موادا دسمة للتقارير الخبرية المنقولة من مصادر رسمية إيرانية، وواضح إن أي شعب يعاني من هکذا أمور و ظواهر فإن ذلك يصيبه بالکثير من الاحباط و خيبة الامل خصوصا إذا ماکان يمتلك ثروات کبيرة و يقبع على بحار من النفط و الغاز، لذلك فإن الشعب الايراني ومنذ 28 کانون الاول 2017، قد تبدل شعوره بالاحباط و خيبة الامل الى غضب عارم صبه ولايزال يصبه على النظام القائم، وعندما نسمع شعار"الموت لخامنئي"، وهو الولي الفقيه الذي کان يفترض أن يکون ذو منزلة خاصة و أبعد مايکون عن الهتاف ضده و الانتقاص منه، فإنه دليل و مؤشر مهم على إن الشعب الايراني صار يعلم بأن مربط الفرس و أساس المشکلة في شخص الولي الفقيه الذي هو أساس النظام ولهذا فإنه يهتف بالموت له فمعنى ذلك رفض النظام ککل.
الکثير من المصادر الاعلامية و الخبرية تنقل مقابلات و أحاديث عابرة مع أفراد من مختلف شرائح و أطياف الشعب الايراني، تجمع کلها على إنه لم يبق لعيد النوروز بشکل خاص ولمختلف المناسبات الاخرى من طعم بسبب الاوضاع الوخيمة التي تسير من سئ الى أسوء، ويبدو أن إنتفاضة 28 کانون الاول 2017، التي کانت واحدة من أکبر الصفعات السياسية ـ الفکرية القوية التي تلقاها نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية و شخص الولي الفقيه، ذلك إن الجهة التي خططت لها و قادتها بإعتراف خامنئي نفسه هي منظمة مجاهدي خلق، وهو مايعني أن الشعب الايراني کما أسلفنا في مقالات سابقة قد عاد للمربع الاول للثورة و أعلن رفضه لمابعدها، والاهم من ذلك عندما نجد هناك تصريحات و مواقف متوترة لقادة و مسؤولين إيرانيين تحذر الشعب الايراني من الانجراف خلف الدعوة التي وجهتها منظمة مجاهدي خلق لجعل مناسبة آخر أربعاءللعام الايراني الحالي و الذي سيصادف في 13 من الشهر الجاري، منطلقا لإنتفاضة کاسحة و عارمة ضد النظام للإطاحة به، فإن ذلك يعني بأن هذا النظام لم يعد کما کان في سابق عهده وإن الضعف و أسباب التضعضع بدأت ليست تظهر على النظام وانما تفرض نفسها فرضا عليه خصوصا إذا ماأخذنا الانباء و التقارير الخاصة بالاستعدادات و التحوطات الامنية، فإن ذلك يحمل الکثير من الدلالات و المعاني، وقطعا فإن الشعب الايراني بدأ يعلم بأن العيد أي عيد لم يبق له من معنى مع بقاء هذا النظام و لاغرو من إن إسقاطه و تغييره سيکون هو العيد الکبير الذي سيعيد لکافة الاعياد الاخرى وفي مقدمتها عيد النوروز طعمتها و بهجتها!