انّ الموقع الجغرافي لألمانيا قلب أوروبا يحتم عليها في أحيان كثيرة ان تكون مسرحاً، لصراعات دولية ومسرحاً آخر لحلّ هذه الصراعات رغم حجم الضرر الكبير الذي لحق بالشعب الألماني منذ مئة عام مضت ولليوم، ومثل هذه الجملة كان المستشار الألماني السابق جيرهارد شرودر يكرّرها بشكل دائم، فقد تيقّن الألمان منذ أمد انّ موقعهم الجغرافي، ومبادئهم ومواقفهم ستكون دائماً عرضه للتساؤل.
وعلى محور صراعات قوى العالم والمفتوح على تطورات عدة بما يخص توتر العلاقات الروسية – البريطانية والدعم الأمريكي والفرنسي للبريطانيين ودعم التصعيد ضد روسيا ، تجد ألمانيا دائماً نفسها في قلب هذه الصراعات ،و من غير الواضح إلى الآن إنْ كانت الوساطة الألمانية بين روسيا وبريطانيا ، انْ كانت ستنجح في إيجاد حلول مقبولة بخصوص وقف حملة التصعيد المتبادل بين الجانبيين، البعض يعوّل الآن على المجهود الألماني الذي تبنّى هذا الطرح منذ البداية، وبدا بالفعل الجهد الألماني سريعاً، فقد بدأت ميركل اتصالات فعلية مع الروس والبريطانيين للوصول الى حلول سريعة لإيقاف الصراع والتوتر بين الروس والبريطانيين، والذي أفرز بدوره حالة غير مسبوقة من التصعيد منذ تسعينات القرن الماضي بين الشرق والغرب، وتحديداً بين محور لندن – باريس - واشنطن من جهة وموسكو من جهة اخرى .
الواضح إلى الآن ،انّ حجم الجهد الألماني المستمرّ منذ أيام ، قد أصابه بعض الانتكاسات ، فـ موسكو تخشى من عواقب وخطورة أي مفاوضات أو تسويات مع الغرب ، فاليوم هناك تأكيدات تصدر من موسكو على استعداد روسي للتصعيد مع الغرب مادام الغرب يريد هذا التصعيد، وبنفس الوقت هناك تأكيدات من قبل قادة «الناتو» على عدم السماح لروسيا ، للأستمرار بنهجها الحالي الذي بدأ يضر بالمصالح الغربية، ولو كان الثمن لذلك هو الدخول في حرب مفتوحة وشاملة مع الروس.
الألمان بدورهم يعون كلّ هذه الحقائق، ويعرفون انّ الوصول الى مسار تفاهمات بين الأطراف المتصارعة ، تحتاج الى تفاهمات بين الأطراف الدولية لتطبيق فعلي لمسار هذه التفاهمات ، فالروس لا يمكن ان يتنازلوا عن مسار نهجهم الحالي لصالح الغرب، والغرب وتحديداً حلف «واشطن – باريس – لندن «، لا يمكن بهذه المرحلة ان يتراجع عن هدفه الرامي إلى إخضاع الروس، فالألمان يدركون انّ الروس يواجهون مشروعاً غربياً الهدف منه تقويض الجهود الروسية في الوصول الى مراكز قوى جديدة لدفع الروس إلى الانكفاء إلى الداخل الروسي، كما يدرك الألمان انّ واشنطن قد رمت بالفترة الأخيرة بكلّ ثقلها السياسي والاقتصادي والعسكري في محاولة لتقويض الجهود الروسية في التوسع في تحالفاتها واتساع مراكز القوة ونفوذها الدولي شرقاً وشمالاً.
ختاماً ،أن مجموع هذه التعقيدات تدفع بعض المتابعين إلى القول إنهم لا يعوّلون على الجهد الألماني الساعي إلى بناء وثيقة تفاهم دولية قادرة على ضبط إيقاع الصراعات الدولية بما ينعكس على حلول سريعة لمعظم الأزمات المحلية والإقليمية والدولية، وهنا يمكن ان يطرح البعض بعض التساؤلات ومنها على سبيل المثال لا الحصر، انّ الألمان يدركون ويعون حجم التعقيدات الدولية وحجم الصراعات بين موسكو وواشنطن بخصوص مجموعة ملفات دولية ،فـ لماذا يقومون بمحاولات غير بناءة وعنوانها الفشل على الأغلب لتقريب وجهات النظر بين موسكو وواشنطن اللتين تعيشان الآن على ايقاع حرب باردة جديدة، قد تتطوّر مستقبلا لصدام عسكري؟ فما الهدف من كلّ هذا الجهد الألماني؟.