زاد الاردن الاخباري -
لم يأخذ قانون حقه في المناقشة والتحليل مثلما أخذ قانون المالكين والمستأجرين الذي عدل ثلاث مرات خلال السنوات العشر الماضية ، استغرقت النسخة الاخيرة منها ما يزيد على عام من الحوار بين مختلف القطاعات الحكومية والاقتصادية والاجتماعية.
وقد خضع المشروع الحكومي الذي سلم إلى مجلس النواب السابق لحوار معمق فتح المجال للمشاركة فيه امام كافة المواطنين وعبر العديد من القنوات ووضعت مسودة القانون بعد تفريغ الاف الملاحظات والاقتراحات التي قدمها المواطنون والمؤسسات المختلفة.
القواعد الأساسية التي اعتمد عليها لوضع التعديلات القانونية تمثلت بضرورة ترسيخ المبدأ القانوني العام الذي يقول ان العقد شريعة المتعاقدين وضرورة انهاء مفهوم "المستأجر ملاك" فيما سعى واضعو القانون إلى تخفيف اضرار قانون سنة 2000 الذي كان قد حدد موعدا واحدا لإنهاء كافة عقود الإيجار المبرمة قبل إصداره.
وقبل خضوع القانون الحالي لحوار وطني موسع كان القانون قد خضع عام 2000 إلى حوار مماثل انتهى إلى وضع قانون معدل منح المستأجرين القدامى مهلة عشر سنوات لتصويب اوضاعهم والبحث عن بدائل للعقارات التي يشغلونها.
ثم جاء قانون 2009 لتمديد هذه المهلة مرة أخرى لاحتواء الاثار المتوقعة لعملية انهاء كافة العقود في وقت واحد فقام القانون بتمديد المهلة الممنوحة للمستأجرين مرة أخرى ووضع مواعيد مختلفة لإنهاء عقود الإيجار لتصبح على مراحل عدة اعتمادا على تاريخ ابرام عقد الايجار.
ولم تنف الحكومة حينها وجود ضرر من تطبيق القانون الا انها سعت وفق تصريحات المسؤولين الحكوميين إلى توزيع الضرر بين المالك والمستأجر وتقليصه إلى أدنى حد ممكن ، ومن هنا جاء تمديد عقود الايجار مرة أخرى مقابل إقرار زيادة اضافية على الاجور كتعويض مؤقت للمالكين.
الواقع العملي يفيد بان الحديث عن المستأجرين كطرف اضعف اقتصاديا يسعى القانون لحمايتهم حديث غير واقعي خصوصا فيما يتعلق بالعقارات المؤجرة لغير غايات السكن ، فغالبية عقود الإيجار التجارية يعتبر المالك هو الطرف الأضعف اقتصاديا فيها وكذلك الحال بالنسبة للعقارات المؤجرة للمؤسسات والهيئات الرسمية وغير الرسمية.
والأمثلة على عقارات تحولت إلى "كابوس" بالنسبة لمالكيها ومنجم ذهب بالنسبة لمستأجريها كثيرة وتحمل في طياتها ظلما وإجحافا بحق المالكين سعى المشرع إلى رفعه منذ العام 1994 عندما صدر قانون معدل لقانون المالكين والمستأجرين هدف حينها إلى رفع قيمة الإيجار سعيا نحو تحقيق العدالة.
توجه الحكومة لدراسة تبعات تطبيق المادة الخامسة من القانون التي تتعلق بمهلة اخلاء المأجور وانهاء عقود الايجار القديمة يعيد القانون الى دائرة الجدل من جديد خصوصا ان الحكومة لم تكن راضية عن التعديلات التي أدخلها النواب على هذه المادة غداة مناقشتهم له قبل اكثر من عام.
فالمشروع الحكومي كان قد حدد مددا اطول من تلك التي فرضها النواب حيث كان المشروع الحكومي سيبدأ بانهاء العقود بدءا من العام 2013 انتهاءا بالعام 2020 فيما ادخل النواب تعديلات على هذه المادة قدمت بداية نهاية العقود الى العام 2011 انتهاء بالعام ,2015
ولم تكن المطالبة بتعديل القانون هي دافع الحكومة الوحيد للاستجابة لهذا التوجه ، فديوان تفسير القوانين كان قد اصدر فتوى حول القانون فسرت بعض نصوصه بطريقة تخالف الغايات التشريعية التي وضعت من أجلها حيث طال التفسير المواد المتعلقة باخلاء المأجور وبدلات الزيادة وبعض المواد الأخرى.
ومن الناحية الاقتصادية فان خبراء ومراقبين في السوق العقاري يتوقعون انعكاسات متفاوتة للقانون على واقع السوق العقاري المحلي خلال الفترة المقبلة بين قطاعات المستأجرين للمساكن والمحال والمكاتب التجارية.
وقال خبراء ان القانون المعدل يحقق عدالة أكبر من القانون السابق الذي كان سينهي كافة عقود الايجار نهاية العام المقبل فيما عمل القانون الحالي على تقسيم تواريخ انتهاء العقود لمراحل زمنية مختلفة وفرق بين عقود الإجارة لغايات السكن وغيرها من العقود.
واعتبروا ان تنشيط السوق العقاري يحتاج الى إجراءات ضرورية تتزامن مع تطبيق قانون المالكين والمستأجرين المعدل في ظل غياب التمويل طويل الامد وارتفاع اسعار الفائدة وتمسك البنوك بتشددها بعد ان اثبتت قطاعات قدرتها على مجاراة الازمة المالية العالمية.
الارقام الاحصائية تشير الى ان القانون الجديد سيكون ذا أثر محدود على شاغلي المساكن المستأجرة حيث ان %68 من إجمالي المساكن المستأجرة أبرمت عقودها بعد العام 2000 مما يجعلها خارج دائرة تأثير القانون الحالي.
وعليه فان 32 % من المساكن المؤجرة تعود عقود إيجارها إلى ما قبل سريان هذا القانون وتخضع عقود إيجارها الى أحكام هذا القانون وتتأثر به بشكل مباشر.
الارقام المستندة الى آخر إحصاء لتعداد السكان والمساكن نفذته المؤسسة العامة للإسكان والتطوير الحضري أشارت الى ارتفاع عدد المساكن المستأجرة من 185,6 ألف مسكن عام 1994 إلى 220 ألف مسكن عام 2004 بنسبة زيادة قدرت بـ 8ر18% وبمعدل زيادة سنوية تقدر بـ3500 مسكن.
وشكلت نسبة المساكن المستأجرة %25 فقط من اجمالي المساكن المأهولة وتوزعت حسب تاريخ ابرام عقودها الى خمس فئات كان منها 2% قد أجر ما بين الاعوام 1980 - 1984 و6% ما بين 1985 - 1989 و8% ما بين 1990 - 1994 و14% ما بين 1995 - 1999 فيما أبرمت اغلب عقود الايجار ما بين العام 2000 والعام 2004 وبنسبة بلغت 68%.
وتشير نتائج الدراسة الى ان اغلب المساكن المستأجرة تركزت في المناطق الحضرية بنسبة بلغت %93 وتصدرت محافظة العقبة قائمة اكثر المحافظات اشغالا للمساكن المستأجرة حيث بلغ عدد المساكن المستأجرة فيها %43 من عدد المساكن التقليدية المأهولة تلاها محافظة العاصمة بنسبة بلغت %29 ثم محافظة الزرقاء %27 فمعان والكرك %20 فيما كانت النسبة الادنى لعدد المساكن المستأجرة في محافظات المفرق وجرش وعجلون حيث كان اجمالي المساكن المستأجرة %12 من مجموع المساكن المأهولة.
وشغل المواطنون %84 من اجمالي هذه المساكن التي بلغ متوسط مساحاتها 90 مترا مربعا فيما بلغ متوسط الايجار الشهري 60 دينارا.
وبينت الدراسة أن نسبة الاسر الفقيرة المستأجرة لم تتجاوز %22 من اجمالي المستأجرين الذين كان %50 منهم من شريحة تفوق مداخيلها متوسط دخل الاسرة المالكة للسكن البالغ 400 دينار وذلك حسب مسح نفقات الاسرة والدخل للعام 2006 ، واعتبرت الدراسة ان ذلك يؤشر على عدم كفاية اعتماد ضوابط الايجار كآلية لاعادة توزيع الدخل بين المالكين والمستأجرين.
وتوزعت المساكن التقليدية المستأجرة عام 2004 ما بين مساكن مستأجرة بفرش بلغت 2302 مسكن ، وأخرى من دون فرش بلغت 220,5 الف مسكن ، وبلغت نسبة المساكن المستأجرة 23,6 % عام 2004 وهي نسبة تقل عن مثيلتها عام 1994 البالغة 28,4 % ، ورغم ذلك فقد بلغت نسبة الزيادة في عدد المساكن المستأجرة عام 2004 ما نسبته ، 8 18 % ويمكن تفسير ذلك بان قطاع التأجير السكني شهد حراكا مهما بعد صدور قانون المالكين والمستأجرين رقم (30) لسنة ,2000
والمساكن المستأجرة التي تعود إقامة شاغليها إلى ما قبل عام 1995 بلغت 41,8 الف مسكن من أصل 185,6 الف مسكن مستأجر عام 1994 حسب التعداد العام للسكان والمساكن 1994 ، اي ان 143,7 الف مسكن مستأجر قبل عام 1995 تغير شاغله خلال الفترة 1994 - 2004 لأسباب عزتها المؤسسة الى اتجاه الأسر المستأجرة بعقود قديمة الى تصويب أوضاعها قبل سريان قانون المالكين والمستأجرين عام 2010 بالاتجاه نحو تملك مسكن ، أو لأسباب تتعلق بتغيير مكان العمل.
ويتضمن القانون المعدل الجديد قسمين من الأحكام القانونية: هما أحكام قانونية موضوعية يقتصر تطبيقها على عقود الإجارة المبرمة قبل تاريخ 31 ـ 8 ـ 2000 ، وأحكام قانونية أخرى تطبق على جميع عقود الإجارة سواء المبرمة منها قبل تاريخ 31 ـ 8 ـ 2000 أو بعده وهي في غالبيتها أحكام إجرائية.
وقد قسم القانون عقود الإجارة المبرمة لغايات السكن إلى ست فئات زمنية للعقود المبرمة ، الأولى العقود الموقعة قبل تاريخ 1 ـ 1 ـ 1970 التي سينتهي مفعول سريانها 31 ـ 12 ـ 2010 ، ثم العقود المبرمة ما بين تاريخ 1 ـ 1 ـ 1970 وحتى تاريخ 31 ـ 12 ـ 1974 التي سينتهي مفعولها بتاريخ 31 ـ 12 ـ 2011 ، ثم العقود المبرمة ما بين تاريخ 1 ـ 1 ـ 1975 وحتى تاريخ 31 ـ 12 ـ 1984 التي ستنتهي مفعولها بتاريخ 31 ـ 12 ـ 2012 ، ثم العقود المبرمة ما بين تاريخ 1 ـ 1 ـ 1985 وحتى تاريخ 31 ـ 12 ـ 1989 التي ستنتهي مفعولها بتاريخ 31 ـ 12 ـ 2013 ، ثم العقود المبرمة ما بين تاريخ 1 ـ 1 ـ 1990 وحتى تاريخ 31 ـ 12 ـ 1994 وسوف ينتهي مفعولها بتاريخ 31 ـ 12 ـ 2014 ، حتى العقود المبرمة ما بين تاريخ 1 ـ 1 ـ 1995 وحتى تاريخ 30 ـ 8 ـ 2000 التي ستنتهي بتاريخ 31 ـ 12 ـ ، 2015 أما عقود الإجارة المبرمة لغير غايات السكن فقسمت إلى أربع فئات زمنية مبتدئة بالعقود المبرمة قبل تاريخ 1 ـ 1 ـ 1980 والتي سينتهي مفعولها بتاريخ 31 ـ 12 ـ 2011 وحتى العقود المبرمة ما بين تاريخ 1 ـ 1 ـ 1995 وحتى تاريخ 30 ـ 8 ـ 2000 المنتهية في تاريخ 31 ـ 12 ـ ,2014
وبحسب القانون المعدل فانه إذا كان عقد الإجارة مبرما لغايات السكن قبل تاريخ 1 ـ 1 ـ 1975 ، سيضاف إلى بدل الإجارة ما نسبته 5 في المائة من بدل الإجارة الأساسي عن كل سنة مضت فيها الإجارة اعتباراً من تاريخ بدء الإجارة وحتى تاريخ 31 ـ 12 ـ 2010 ، بعدد سنوات 50 عاما وبزيادة مقدارها 300 في المائة أما العقود مبرمة لغير غايات السكن ، فستكون نسبة الزيادة 6% لنفس الفترة.
أما للفترة ما بين تاريخ 1 ـ 1 ـ 1975 وحتى تاريخ 31 ـ 12 ـ 1990 ، فسيضاف إلى بدل الإجارة ما نسبته 3% من بدل الإجارة الأساسي عن كل سنة مضت فيها الإجارة اعتباراً من تاريخ بدء الإجارة وحتى تاريخ 31 ـ 12 ـ 2010 إذا كان عقد الإجارة مبرماً لغايات السكن ، و4 % للعقد المبرم لغير غايات السكن.
والفئة الأخيرة هي عقود الإجارة المبرمة ما بين تاريخ 1 ـ 1 ـ 1991 وحتى تاريخ 30 ـ 8 ـ 2000 يضاف إلى بدل الإجارة اعتباراً من تاريخ 1 ـ 1 ـ 2011 ما نسبته 1% إذا كان عقد الإجارة مبرماً لغايات السكن ، و2% إذا كان العقد مبرماً لغير غايات السكن.
وكانت قطاعات واسعة من الخبراء والمواطنين تعتبر القانون القديم - الذي جرى تعديله - بمثابة "قنبلة موقوتة" لنصه على انهاء جميع عقود الإيجار السارية مع نهاية العام 2010 ، ما كان سيضع المستأجر تحت رحمة المالك الذي يمنحه القانون حق فرض شروطه فيما يخص تعديل عقد الإجارة ، ليصبح وفق مبدأ العقد شريعة المتعاقدين.
إجراءات نزع فتيل القنبلة الموقوتة تمثلت باجراء تعديلات على القانون الأصلي أعدتها وزارة العدل بالتشاور مع مختلف الفرقاء وممثلين لكافة القطاعات حيث أقر مجلس النواب الخامس عشر القانون خلال الدورة الاستثنائية الاخيرة للمجلس قبل حله.
التعديلات على قانون المالكين والمستأجرين شملت تعديل 22 مادة ، أكثرها أهمية المواد التي تحدد سقوفاً جديدة لانتهاء عقود الإجارة ، ورفع قيمة الإجارات للعقود سارية المفعول قبل العام 2000 بنسب معينة ، فالقانون كفل ، فيما يخص سقوف عقود الإجارة ، تمديد هذه العقود وانهاءها على مراحل بدلا من انهائها جميعها في تاريخ موحد.
وقد عملت الحكومة على اعداد قانون قادر على إيجاد "حالة وسطى" تأخذ بعين الاعتبار الظروف الاقتصادية للمستأجر وتعيد للمالك القدرة على استغلال عقاره ، بما يعود عليه من دخل يتناسب وقيمة هذا العقار.
واذا كانت الحكومة قد اقرت في أكثر من مناسبة ان القانون الجديد يعمل على توزيع الضرر بين الطرفين فانها أكدت بذات الوقت انه لا يمكن الوصول الى صيغة قانونية تحقق الرضا الكامل لطرفي المعادلة "مالكين ومستأجرين". ويشكل ذلك اقرارا بانه لا بد من وجود متضررين في نهاية المطاف ، واعدة بايجاد صيغة مقبولة لتعويضهم من خلال مشاريع السكن التي تنفذها وتقديم الدعم لفوائد القروض البنكية لغايات السكن.
الا ان القانون الجديد يحتوي بندا حساسا يتعلق بحق المالك بإخلاء المستأجر وفق صيغ قانونية محددة في حين لم توفر الحكومة مساكن شعبية للمواطنين لحل هذه المشكلة التي ستبدأ بالظهور نهاية العام 2011 وهو موعد البدء بتطبيق بند الإخلاء.
وعلى الجهة الاخرى هناك من يرفض فكرة الامتداد والاستمرار القانوني ، لما لها ما آثار سلبية على سوق العقار ، وعلى قطاع المالكين ، حيث إن قطاع المستأجرين قد أمهل مدة عشر سنوات لتصويب أوضاعه وترتيبها ، بما يتناسب مع مقدرته الاقتصادية.
وهو ما أعادت الحكومة والسلطة التشريعية التأكيد عليه من خلال الابقاء على مبدأ "العقد شريعة المتعاقدين" ، وهو المبدأ الذي أقر للمالكين الحق في تحديد مدة محددة لعقد الايجار.
قانون المالكين والمستأجرين يفقد القدرة على التمييز بين الحالات المتباينة الاقتصادية للأفراد الذين سينطبق عليهم القانون ، في الوقت الذي لم يتعامل فيه مشرعوه مع حالات الأفراد من الناحية الاقتصادية ، بحسب قانونيين.
وأوضح قانونيون أن منح القانون السلطة الكاملة للمالك بإخلاء المستأجر سيؤدي إلى المساس بالأمن الاجتماعي ، الأمر الذي يفرض أن يتعامل مشرعو القانون بإدراك أكبر للحالات التي يُتعامل معها ، داعين إلى معالجة الحالات التي سينطبق عليها القانون كل بحسب وضعها الاقتصادي ، أكان ذلك بالنسبة للمالكين أم المستأجرين.
الدستور - عمر المحارمة