استقالة الحكومة هي مجرد بداية لعملية تغيير ستقارب النهج العام في إدارة البلاد. وتشكيل حكومة جديدة لن يكون نهاية لمشاكلنا. هناك حاجة ماسة لحوار وطني جاد لتحديد الأولويات وفق ما تقتضيه مصالح الأردنيين.
وما حصل خلال الأيام الماضية كان "صدمة" وجرس إنذار للمستقبل لمعالجة مشاكلنا قبل أن تتفاقم.
كان هذا خلاصة حديث جلالة الملك مع عدد من الكتاب والإعلاميين مساء أمس.
يشعر الملك بفخر شديد بدور الشباب الذين رفعوا صوتهم مطالبين بالإنصاف الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، ويعتقد أن من حق كل أردني أن يفخر بنفسه على هذا التمرين الديمقراطي الحضاري، وصورة الأردن التي نالت التقدير والاستحسان في الخارج.
وفي غياب دور عديد المؤسسات عن المشهد، كان التقدير عاليا لدور المؤسسة الأمنية على حكمتها وحسن إدارتها للوضع الميداني.
لم يتخل الملك عن طموحاته بإصلاحات سياسية توصلنا إلى تشكيل حكومات برلمانية تمثل الأغلبية، لكنه كسائر المتابعين للمشهد السياسي، يعتقد أن هناك حاجة ماسة لتطوير الأدوات التشريعية، ورفع كفاءة المؤسسات الوطنية، وإعادة النظر بقانون الأحزاب.
ومنذ هذه اللحظة، يرى جلالته أن جيل المسؤولين في الدولة ينبغي أن يمثل الشباب، وما يشغل باله دائما هو كيفية التغلب على العقلية الكلاسيكية المسيطرة في مفاصل الدولة، لكسر احتكار الثقافة التقليدية السائدة، وبث الروح في الجهاز الإداري للدولة.
المسألة الاقتصادية في الأردن شائكة ومعقدة، نظرا لظروف داخلية وخارجية أسهمت في تأزيم الوضع خلال السنوات الأخيرة. ولا بد من السير في برنامج التصحيح الاقتصادي لضمان دعم العالم لنا، واستقرار الاقتصاد الوطني.
لا يمكن التخلي عن هذا البرنامج لأن النتائج ستكون سيئة للغاية، لكن هناك حاجة لمراجعة الخطط والتشريعات المقترحة وفي مقدمتها قانون ضريبة الدخل لضمان مصالح الفئات الاجتماعية التي تحملت الكثير في الفترة الماضية.
هناك أخطاء ارتكبها مسؤولون في إدارتهم برنامج التصحيح والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، لكن الفرصة ما تزال سانحة لتصويب الاختلالات، خاصة وأن الأردن شارف على نهاية برنامجه مع الصندوق. والاعتقاد السائد أن هامش المرونة المتاح جيد ويسمح بتخفيف الأعباء، شرط المضي في عملية التصحيح حتى النهاية.
دول عديدة عربية وأجنبية مستعدة لمساعدة الأردن، وقد تنامت القناعة لديها بعد التطورات الأخيرة، لكن المواقف السياسية للأردن تركت تأثيرا واضحا على صعيد المساعدات.
تشكيل حكومة جديدة يخضع لمشاورات معمقة، لضمان بناء فريق وزاري قادر على مواجهة تحديات المرحلة. وتفيد المؤشرات الأولية إلى أن التغيير سيطال الفريق الاقتصادي بالدرجة الأولى.
الملك لن يتسامح بعد اليوم مع تقصير المسؤولين في أداء واجباتهم، ويدعو وسائل الإعلام والمواطنين إلى وضع جميع المسؤولين تحت المراقبة للتأكد من التزامهم بالعمل للمصلحة العامة.
الأردن حظي خلال الأيام الماضية بفرصة ثمينة لمراجعة أداء مؤسساته، والملك حريص كل الحرص على اغتنامها لدفع الأمور إلى الأمام، لكن ينبغي على أنصار الإصلاح أن يدركوا الحقائق الصعبة والحاجة لمنح أي فريق جديد فرصة الإمساك بالملفات، وتقديم برنامجهم للشعب، وتحمل المسؤولية كاملة.