زاد الاردن الاخباري -
تمكن الشاب الأردني، عبد المحسن الحسيني، من وضع بصمة أردنية في عالم الفضاء من خلال مشروعه analytical space، قام من خلاله بتصميم وبناء أقمار صناعية مزودة بتقنية الليزر تهدف إلى تحسين جودة الأقمار الأخرى بالأرض والمستخدمة في المناطق النائية.
عمل الحسيني الذي يقطن في كامبردج بالولايات المتحدة، لمدة 6 سنوات في وكالة الفضاء الأميركية "ناسا"، تلقى من خلالها التدريب بهذا المجال، ذلك أهله لإنشاء شركة ناشئة مع مجموعة من الشباب المختصين بهذا المجال. واستطاع الحسيني، من خلال مشروعه، أن يقوم بتوصيل كم هائل من المعلومات بواسطة الأقمار الصناعية لمراقبة الأرض كتلك المتعلقة بالمحاصيل الزراعية، الموارد المائية والمعدنية، فضلا عن أهميتها بمجالات عديدة.
الحسيني، وفي مقابلة خاصة مع "الغد"، أكد أن الهدف من هذا المشروع هو تعديل التقنية الحالية التي تعتمد على الراديو وهي قديمة، بطيئة ومكلفة في الوقت ذاته، الأمر الذي دفعه للتفكير في صنع جهاز على شكل صندوق الأحذية يزيد من سرعة الاتصال أكثر من 10 مرات وزيادة مدة اتصال الأرض أكثر من 3 مرات وتقليص التكلفة إلى أقل من النصف.
اهتمام الحسيني بدراسة الرياضيات والفيزياء منذ صغره، دفعه لدراسة الهندسة الميكانيكية، وكان الانضمام لناسا حلما منذ دخوله الجامعة؛ حيث كان جزء من أبحاثه الجامعية له تطبيقات في الفضاء.
يقول "حصولي على تدريب في ناسا كان بداية لتحقيق حلمي وزاد من حماسي في العمل"، عندها اكتشف ميوله للمعرفة أكثر في مجال الفضاء، وقرر العمل في ذلك المجال.
بعد أن أنهى الحسيني دراسته الجامعية في جامعة "mitt" في بوسطن، قام بمجموعة من الأبحاث في مجال الفضاء مدعومة من ناسا؛ حيث عمل على تطوير معدات التليسكوب المستخدمة لمراقبة الفضاء من الخارج، إلى أن حصل بعدها على وظيفة في مركز ناسا.
عمل الحسيني في مركز مهتم بالأقمار الصناعية الصغيرة في ناسا، وعلى عدد من المشاريع كان بينها تجارب فيزياء، كما عمل في مجال الملاحة الجوية وعلى مشاريع أخرى في ناسا لمدة سنتين.
يقول "عملي في مجال الفضاء خلال السنوات العشر جعلني أدرك التغيير الكبير الذي طرأ على هذا العالم"؛ حيث تغير العمل في مجال الفضاء كثيرا والأقمار الصناعية بدأ يصغر حجمها وسعر الإطلاق أصبح أقل تكلفة، الأمر الذي ساعد على ظهور العديد من الشركات الناشئة في هذا المجال.
رغبة الحسيني بأن تكون لديه فرصة الريادة في الفضاء، جعلته يفكر في أن يكون لديه مشروعه الخاص من خلال استخدام تكنولوجيا الاتصال بالليزر التي أصبح حجمها مع الوقت صغيرا وأقل تكلفة ويمكن وضعها على قمر صناعي صغير، خصوصا بعد اطلاعه الكبير في هذا المجال وحصوله على ماجستير ثان من جامعة هارفرد.
عمل الحسيني في ناسا لمدة ست سنوات، ومنحه ذلك فرصة التفكير والإبداع في مجال الأقمار الصناعية الصغيرة، فمشكلة الاتصال كانت أكبر عائق أمام الشركات، إلا أن استخدام الحسيني تقنية الاتصال عبر الليزر في مشرعه جعله أكثر سهولة وسرعة ولا يحتاج إلى طاقة كبيرة؛ حيث تكون شبكة الاتصالات في الفضاء في المدار الأرضي المنخفض.
بدأ الحسيني مشروعه بقمر صناعي واحد صغير بكلفة مليون دولار، وهي تكلفة عالية، الأمر الذي دفعه للبحث عن تمويل ليتمكن من إطلاقه؛ حيث حصل حينها على تمويل من مجموعة من رجال أعمال عرب وأجانب.
يقول "كان لابد من البحث عن تمويل لإطلاق القمر وإثبات الفكرة"، حتى يبدأ بعدها بالبحث عن تمويل أكبر لتوسيع المشروع وبناء شبكة كاملة.
ويستعد الحسيني، خلال الأشهر المقبلة، لعمل تجارب عدة حتى يتمكن من تطبيق الفكرة، لاسيما وأن مشروعه يخدم تطبيقات كثيرة بالزراعة، مثل مراقبة المحاصيل الزراعية، خصوصا تلك التي تحتاج إلى مراقبة دورية، إضافة الى الموارد المائية واستخداماتها، وفي مجال الأسواق المالية، ومعرفة مخزون النفط في الآبار وتسربه وكذلك في التجارة.
وتكمن الفائدة من مشروع "analytical space"، بحسب الحسيني، بجمع هذه المعلومات من الفضاء وإنزالها إلى الأرض بتكلفة منخفضة وزمن أقل؛ حيث توفر الوقت والجهد والمال على الجهات المهتمة بهذه المعلومات، فيتم نقلها من الأرض إلى الفضاء ومن ثم العودة للأرض.
ويتم نقل القمر الصناعي الصغير، وفق الحسيني، بعد أسبوع من إطلاقه عبر المحطة الفضائية؛ حيث يقوم رواد الفضاء بنقله خلال أسبوع. والآن يستعد لانطلاقة القمر الصناعي الثاني في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من هذا العام.
الحصول على دعم وتمويل لهذا المشروع من أكبر التحديات التي واجهت الحسيني، لافتا إلى أن هذا النوع من الاستثمارات يتطلب تمويلا مكلفا جدا، لذلك فقد توجه لصندوق الاستثمار في جامعة "mitt" لدعم شركات التكنولوجيا الصعبة.
ويقول الحسيني "إن نجاح المشروع سيكون له الأثر الكبير في مجال الفضاء، الأمر الذي يعني أن تكلفة الحصول على المعلومات من الشركات التي تقوم بجمعها من الفضاء والصور ستقل بنسبة 70 % مع زيادة في حجم المعلومات". ويضيف "أن تقنية الاستشعار عن بعد تهم الشركات والحكومات، إلا أن الروتين والتباطؤ في الحوارات الحكومية قللا من الإقبال عليها، إلا أن هذا لا ينفي وجودها، مثل لاكسمبورغ وهي من الدول التي تهتم بالفضاء، ودولة الإمارات العربية من خلال مركز محمد بن راشد آل مكتوم الذي يحتوي على الكثير من الأقمار الصناعية المراقبة للأرض".
ويؤكد الحسيني أنه في كل مرحلة من مراحل المشروع، يقل التحدي ونجاح القمر في الفحص المبدئي سيفصح عن القدرة العالية في بناء أقمار صناعية كافية والحصول على التمويل الكافي لبناء الأقمار الصناعية.
نجاح مشروع الحسيني أحدث تطورا كبيرا على شركته ليحولها من شركة ناشئة تعمل بثلاثة أشخاص إلى عشرين شخصا خلال سنتين، فضلا عن حصولهم على تمويل من أهم صناديق الاستثمار في العالم.
ومن جهة أخرى، تمكن الحسيني في العام 2013 من الانتباه إلى اهتمام الحكومة الأميركية وناسا في بناء شراكات مع دول مختلفة في مجال الفضاء، وكان المعروف عن الأردن مستوى التعليم المتقدم، فضلا عن تميز المهندسين الأردنيين عن غيرهم.
وفي الوقت ذاته، كان ولي العهد الأردني، الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، يدعم مبادرات شبابية، الأمر الذي شجع الحسيني على التواصل مع سموه، الذي بادر بدوره لاستقبال وفد ناسا بالأردن وكانت نتيجة مباحثاته توقيع معاهدة لتدريب طلاب أردنيين في ناسا في العام 2014؛ حيث تم إرسال أربعة طلاب تم ترشيح أسمائهم من عمداء كليات الهندسة في الجامعات الأردنية. ويلفت الحسيني إلى الإعجاب الكبير الذي أبدته ناسا تجاه الطلبة الأردنيين؛ حيث حصل أحد الطلبة على وظيفة دائمة معهم.
ويردف أن تميز عدد كبير من الطلاب الأردنيين في مجال الفضاء كان له دور كبير في إنشاء وتصميم أول قمر صناعي أردني، لافتا إلى أن التجربة العملية والخبرات الكبيرة التي يكتسبها الطلبة خلال هذا التدريب تمكنهم من إيجاد وظائف في الأردن، وتفتح أمامهم آفاقا جديدة تمكنهم من تأسيس شركات تمنح وظائف لغيرهم.
ويتوجه الحسيني للشباب بضرورة الإيمان بأنفسهم وأن لا يحدوا من طموحاتهم أو يقللوا من قيمة أنفسهم، مؤكدا أن الفرصة الوحيدة أمام الشاب الأردني هي ريادة الأعمال لأن حجم المسؤوليات أصبح ثقيلا في ظل وجود نسبة بطالة عالية من الجامعيين، مبينا أن الشركات الناشئة هي أفضل وسيلة لخلق وظائف جديدة.الغد