زاد الاردن الاخباري -
كتب : بسام البدارين - حسنا.. لا نذيع سرا إذا كشفنا بان رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز «نادم»، وينبغي ان يفعل، على عدة محطات وفرص تم تفويتها.
بداية اتفق مع المقولة الساخرة سياسيا التي وردت على لسان احد حاجبي الثقة مسبقا عن حكومة الرزاز ويقول فيها إن هذا الرجل بقي في حالة تشاور مع ذاته احد عشر يوما قبل اعلان تشكيل وزارته فتوقع الجميع على اقل تقدير ان يأتي بما يشبه مجلسا لقيادة الثورة واذا به يستعين بـ 15 وزيرا من الحكومة السابقة.
بعيدا عن هذه المقولة لا نذيع ايضا اسرارا من أي نوع عندما نكشف للقارئ الكريم أن الرزاز نفسه يظهر بعض الندم لأنه لم يقرأ جيدا مستوى وتأثير تشكيل حكومته بـ 15 وزيرا من الحكومة السابقة.
ويبدو ان دولة رئيس الوزراء يعتريه بعض التراجع عن الحماس لأداء اربعة على الأقل من الوزراء الجدد الذين قدمهم للرأي العام بعدما تلمس مستوى خطابهم وادائهم قياسا بحجم التوتير والتأثير الذي يثيرونه تحديدا داخل مؤسسات الدولة وفي بعض شرائح المجتمع.
ليس سرا ان الرزاز يمكن ان يندم قريبا على قبوله تلك البصمات التي فرضت على طاقمه الوزاري وبالتالي أحالت حكومته من تجربة وليدة واصلاحية وعميقة إلى مشروع مؤقت بنظر الكثيرين مهمته لا تتجاوز احتواء ما حصل في هبة رمضان على الدوار الرابع.
يجتهد كثيرون اليوم في تذكير رئيس الوزراء الجديد وهو مفكر استراتيجي عميق بكل الأحوال بانه رئيس لوزراء المملكة بكاملها وليس لكيلو مترين فقط في عمق العاصمة عمان.
أغلب التقدير ان الرزاز قبل ما عرض عليه عندما كلف بتشكيل الحكومة وان بعض الشخصيات النافذة لعبت دورا في «تلغيم وتفخيخ» الحكومة مبكرا ومن داخلها بحيث اصبح الاعتماد فقط على شخص رئيس الوزراء ومكانته المحترمة في المجتمع هو العنصر الوحيد الذي يحظى بالاجماع.
وما دمنا نكشف بعض التفاصيل لا بد من الإشارة إلى ان الرزاز فكر بداية بتلوين فريقه وبتطعيمه ببعض رموز التيار الإسلامي وأقر له بذلك مع شرطين الأول هو ضمان عدم خضوع من يختارهم لتنظيم الاخوان المسلمين والثاني ضمان عدم حصول انسحابات واستقالات.
فاتت الفرصة على خطوة سياسية لتلوين الحكومة بسبب تكدس مخاوف الرئيس ويحذوه الأمل اليوم أن يتمكن لاحقا لحصوله على ثقة البرلمان من تشكيل الحكومة التي يريدها بعدما تخلى تدريجيا وليس علنا عن الشعار القائل «هذه حكومتي وأنا مسؤول عن اختيار رموزها».
لا يبدو المشار اليه سالفا شعارا حقيقيا يعكس الواقع فقد شكل الرزاز حكومته بعدما ابلغ أن خمسة من الوزراء على الأقل ينبغي بقاؤهم وبعدما خطط لفكرة التخلص من طاقم التأزيم الاقتصادي فتورط بتركة وزراء الملقي.
عندما تعلق الأمر برسالة حضارية من وزن توزير أكبر عدد من النساء لأول مرة كانت خيارات الرزاز من الطراز الذي ينتج الأشكال في المجتمع أكثر مما يسمح للحكومة بالاستقرار والعمل.
وعندما تعلق الأمر برسالة رمزية للحراك الشاب في الشارع اختار الرزاز فيما يبدو في البعد الشخصي ولم ينتبه كثيرا إلى أن وزير الاتصالات الشاب مثنى الغرايبة قد يصبح عبئا على الحكومة.
بكل حال الخبرة كان لها دور في غياب التنسيق العميق.
وبكل حال من المرجح أن الرزاز يقر اليوم أن معركة الاصلاح الحقيقية والتغيير تحتاج لأدوات خشنة وخبيرة وقادرة على القفز بين شرائح المجتمع ومكوناته أكثر من حاجتها إلى اسماء موروثة أو أخرى رنانة.
وأغلب التقدير ان رئيس الحكومة تبدلت انطباعاته بخصوص بعض الوزراء الجدد واكتشف كلفة الاختيار الارتجالي والمتسرع كما تكرست لديه قناعات محددة بخصوص كمين وزراء الملقي الذين اسقطهم الشارع واعادهم الرزاز للواجهة.
كانت عبارة هادفة وعميقة تلك التي سمعها رئيس الوزراء من إحدى الشخصيات المخضرمة ردا على شروحاته لما حصل معه عند التشكيل وتعليقا على أمله في أن يستدرك لاحقا عبر تعديل وزاري موسع حيث عالجه ذلك الصوت المخضرم بسؤال استنكاري بسيط وناعم «أليس هذا ما قالوه للدكتور عدنان بدران عندما شكل حكومته وبقيت لسبعة اشهر فقط؟».
وعبارة لا تقل عمقا في نطاق التلغيز السياسي صدرت عن عضو مجلس الاعيان معروف البخيت وهو يحاول تنشيط ذاكرته عبر الاشارة إلى ان الرزاز عندما قررت حكومة البخيت تعيينه مديرا للضمان الاجتماعي لم يحظ بموافقة أمنية.
السؤال يصبح عليه: هل تغيرت زاوية الرؤيا تجاه الرزاز وحكومته عند المنظومة الأمنية؟.
.. اغلب التقدير ان الايام القليلة المقبلة ستدلل على الاجابة.
لكن الواجب من الآن يقتضي لفت نظر جميع المتربصين بتجربة الرزاز داخل الدولة وخارجها أن البيئة تعيش حالة غامضة والحاجة الوطنية الملحة اليوم للعودة إلى صيغة اللعب بقواعد نظيفة فمن غير المعقول ولا المقبول وطنيا بعد الآن ان تختار المرجعية الملكية رئيسا للوزراء ثم تبدأ بقية المؤسسات بنهشه واعاقته.
تلك باختصار أقرب وصفة لنسخة لا احد يعرف ماهيتها من أحداث الدوار الرابع في شهر أيلول/سبتمبر المقبل.. لذلك اقتضى التنويه والتحذير والله من وراء القصد.القدس العربي