زاد الاردن الاخباري -
غيّر المحتجون في المدن العراقية من سقف شعاراتهم المطالبة بتحسين الخدمات إلى هتاف موحد “الشعب يريد إسقاط النظام” في تحول يعكس سأم الشارع العراقي من الطبقة السياسية الحاكمة ورغبته في إحداث تغيير شامل لأوضاعه.
وشهدت مدن عراقية الجمعة مثل السماوة والناصرية والنجف وبغداد تظاهرات كبيرة. وهتف المتظاهرون “الشعب يريد إسقاط الأحزاب السياسية” في شعار مشابه لآخر شاع خلال احتجاجات 2011 في دول مثل تونس ومصر وليبيا ويطالب بإسقاط الأنظمة الحاكمة.
وقتل شخص خلال تظاهرة جرت الجمعة في مدينة الديوانية جنوب العراق أمام مقر ميليشيا بدر التي يرأسها هادي العامري المقرب من إيران، بحسب ما أفاد مصدر طبي، فيما فرقت القوات الأمنية بالقوة تجمعات عدة في أنحاء البلاد، وخصوصا في بغداد.
ولم تتوقف الاحتجاجات في المدن العراقية أمس بالرغم من الوعود التي قدمها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بانتداب الآلاف من العاطلين وتوفير الخدمات. يأتي هذا فيما تجنبت المرجعية الشيعية في خطبة الجمعة الحديث عن الاحتجاجات في خطوة اعتبرها مراقبون أنها تعكس الإحساس بالعجز عن كسب ثقة المتظاهرين بسبب تناقض المواقف والانحياز للسياسيين على حساب الشعب العراقي.
واعتبرت أوساط سياسية عراقية أن العبادي يورط حكومته في وعود والتزامات مالية وتنفيذية كبيرة، تفوق إمكانات الدولة بكثير، على أمل امتصاص نقمة الشارع العراقي، ما أدى إلى تفاقم التشكيك في نوايا الحكومة وجديتها في تلبية مطالب المتظاهرين.
ويتزايد الاعتقاد في الأوساط السياسية بأن الوعود التي تتورط فيها الحكومة مع المحتجين ستتحول إلى وبال عليها، لأنها لن تتمكن من تنفيذها، بسبب ما تفرضه من أعباء مالية لا تحتكم عليها بغداد.
وأطلق العبادي، لدى لقائه ممثلين عن مدن البصرة والنجف وذي قار، التي تشهد احتجاجات واسعة، وعودا بتوظيف الآلاف من العاطلين، وتمويل العشرات من المشاريع الخدمية، وتوفير الخدمات الرئيسية فورا، وهي وعود تتطلب توفر المليارات من الدولارات، وجهاز حكومي فعال للتنفيذ. ويقول ساسة وأعضاء سابقون في مجلس النواب المنتهية ولايته، إن الحكومة لن تتمكن من الإيفاء بهذه الالتزامات قطعا، بسبب حجمها الذي يفوق جميع إمكانات الدولة.
ويشكك مدونون ونشطاء في نوايا الحكومة ومدى جدية وعودها التي تتشابه في جميع اللقاءات التي يعقدها العبادي مع ممثلين مفترضين عن حركة الاحتجاج منذ عدة أيام.
ويقول هؤلاء إن تسارع الوعود الحكومية وتشابهها يؤكدان أن الهدف منها هو التسويف وكسب الوقت، على أمل إضعاف حركة الاحتجاج.
ويتهمون الحكومة بأنها “تضحك على ذقون العراقيين”، متسائلين “إذا كانت لدى الحكومة كل هذه القدرات فلماذا تحبسها إلى حين انفجار الشارع!”. فيما يعتقد آخرون بأن “وعود العبادي هي محاولة لتخدير الشارع الشيعي الذي ثار على فساد طبقته السياسية”.
ويقول نشطاء إن حركة الاحتجاج الحالية هي مؤشر على اقتراب عمر الطبقة السياسية العراقية، المتهمة بالفساد والمحسوبية، من النهاية، وإن “هذه النهاية قد لا تتحقق بسرعة، لكن المحتجين وضعوا مقدماتها بوضوح”.
ويستدل هؤلاء بمحاولة شخصيات سياسية مؤثرة مجاراة غضب الجمهور العراقي من خلال الاعتذار له عن الفشل المقيم في البلاد منذ 2003، على غرار ما قام به هادي العامري، زعيم منظمة بدر، ورئيس قائمة الفتح المقربة من إيران.
وفجر اعتذار العامري، الذي أقر بفشل نظام ما بعد 2003 في تقديم الخدمات، موجة من السخرية ضد أركان الطبقة السياسية في العراق، فيما رأى فيه آخرون “إصرارا على التمسك بالسلطة، ومحاولة لخلط الأوراق وإحراج الخصوم السياسيين، بهدف الخروج من دائرة الاستهداف الجماهيري”.
وفيما بحث السياسيون، وخاصة رئيس الوزراء، عن دعم المرجعية لتطويق تداعيات الأزمة وإنقاذ العملية السياسية، فإن خطبة ممثل المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني لم تتضمن أي إشارة إلى التظاهرات، وهو ما مثل خيبة أمل إضافية لأنصار العبادي، الذين روجوا معلومات عن تضمن الخطبة الطلب من المتظاهرين منح الحكومة مهلة لتنفيذ مطالبهم.
وعلى العكس من ذلك، طالب ممثل المرجع الديني الأعلى لدى الطائفة الشيعية بتوفر جملة من الشروط الواجب توافرها في الشخصيات التي تتقدم للخدمة العامة، مؤكدا أن “الخدمة عمل وليست شعارا”، في إشارة، على ما يبدو، إلى شعارات الحكومة التي تعد بالخدمات دون تقديمها.
وقال مراقبون إن المرجعية تحاول التبرؤ من فشل الأحزاب الدينية، لكن ذلك لم يعد ممكنا بعد كل الذي فعلته في دعم العملية السياسية، وأن الشارع العراقي صار يعرف أن المرجعية لم يعد لديها ما تقوله.
وعلل مراقب سياسي عراقي هذا الموقف بأن المرجعية منفصلة تماما عن الشرائح التي تخاطبها بسبب المسافة التي تفصل بين مكانتها التي أضفى عليها السياسيون طابع القداسة وبين الموقع الذي يحتله الشعب من اهتمام الطبقة السياسية الحاكمة، وهو موقع لا ذكر له على مستوى المشروع السياسي الذي حظي مرات عديدة بمباركة المرجعية الدينية.
وشدد المراقب في تصريح لـ”العرب” على أن تواطؤ المرجعية الدينية مع الطبقة السياسية لم يعد خافيا على أحد عبر السنوات الماضية، “فهي التي دعت إلى إقرار دستور لا يعترف بوحدة الشعب العراقي وهي التي اعتبرت المشاركة في الانتخابات في ظل الاحتلال واجبا شرعيا وهي التي صمتت يوم أبيد الآلاف من العراقيين وهدمت مدن ودفعت ملايين إلى النزوح”.
واستغرب متابعون للشأن العراقي العجالة التي تسيطر على أداء حكومة العبادي في مواجهة تظاهرات ليست جديدة تطالب بالخدمات الغائبة في البلاد. فإلى جانب الوعود بتنفيذ المطالب، كان الاتجاه الحكومي واضحا في قمع التظاهرات وعدم السماح لها بالتمدد، حتى لو اقتضى الأمر استخدام القوة المفرطة.
ولم تكتف الحكومة بذلك، بل عمدت إلى محاولة فرض حصار إعلامي على التظاهرات لمنع السكان من التفاعل مع تطوراتها، فأوقفت للأسبوع الثاني على التوالي، خدمات الإنترنت، ومنعت وسائل الإعلام من الوصول إلى ساحات الاحتجاج وأطلقت حملة واسعة لاعتقال الصحافيين الذين يغطون التظاهرات في بغداد والمحافظات.
ويتصدى مدونون يدافعون عن التظاهرات لمحاولة أطراف حكومية إظهار حركة الاحتجاج بأنها عرضة للاختراق من مندسين يمثلون حزب البعث المحظور وتنظيم داعش.
ويردد العبادي والكثير من كبار المسؤولين التنفيذيين في بغداد والمحافظات، مصطلح المندسين مرارا خلال الأيام الماضية، لوصف بعض المحتجين، متهمين إياهم بالعمل على تدمير مؤسسات الدولة، ما أثار غضب المحتجين، الذين يؤكدون أن بعضهم لجأوا إلى العنف ردا على الاعتداءات التي تورطت فيها بعض أجهزة الأمن بحق المتظاهرين.
واستغلت أجهزة الأمن العراقية، وميليشيات مسلحة مقربة من إيران، تنتمي إلى قوات الحشد الشعبي، مصطلح “المندسين” لتغييب واعتقال العشرات من النشطاء البارزين في النجف والسماوة على وجه الخصوص، بهدف تعطيل محركات الاحتجاج.
وقالت مصادر محلية إن العشرات من مذكرات القبض الموقعة من القضاء، سلمت فارغة من الأسماء إلى جهات أمنية، لاستخدامها في تغطية أي عملية اعتقال تحتاج مذكرة قانونية.