زاد الاردن الاخباري -
يزيد عدد الشخصيات التي تقفز بتصريحات من سفينة العلاقة مع الـ «خرمنجي» المتهم الرئيسي في قضية «التبغ والسجائر» تفاعلا مع اتجاهات الشارع الأردني المتأججة وهي تطرح مجددا ملفات وقضايا الفساد في الوقت الذي لم يبدأ فيه التحقيق أصلا وفقا للأصول في ملف «السجائر ورجل الأعمال الغائب عوني مطيع».
لا يعرف الأردنيون المدعو مطيع على نطاق اجتماعي أو جماهيري أو سياسي .
لكن نجمه سطع فجأة مع مداهمات أمنية لأغراض مصلحة الجمارك وتبين أنه يعرف شخصيا عددا كبيرا من «علية القوم»، الأمر الذي زاد من التساؤلات الحرجة حول أولا الطريقة التي تمكن فيها من مغادرة البلاد إلى لبنان ومن إدخال مصنع ضخم للسجائر والتبغ بصورة غير شرعية، وثانيا التقنية التي مكنت شركة يقال إنه يملكها من الإفلات مع استحقاق جمركي بقيمة 150 مليون دينار على الأقل في عهد حكومة الرئيس الدكتور هاني الملقي.
الشارع الأردني «يحاصر» بشغف كل تفاصيل هذه القضية ويتناقلها كما لم يحصل من قبل.
وهذه المحاصرة دفعت أي شخصية عامة لها علاقة بتاجر التبغ الذي أصبح مشهورا فجأة وبالمعنى السلبي أو ظهرت معه في صورة ملتقطة أو منشورة لإعلان «براءة» سريع من الارتباط والعلاقة.
أول وأبرز من تبرأ من صورة من هذا النوع هو رئيس مجلس النواب عاطف طراونة الذي أصدر بيانا نفى فيه أي علاقة، مشيرا إلى أن الصور المنشورة له مع المتهم مطيع وابنته الناشطة في المجال الخيري طبيعية وتلتقط مثلها مع جميع المواطنين.
الطراونة كان قد تذمر قبل إندلاع هذه المواجهة من صمت وتواطوء إزاء الحملات المنظمة التي تشن للمساس بهيبة البرلمان وتشويه صورته شخصيا حتى اضطره الأمر لتوكيل فريق قانوني يرفع عشرات القضايا على مفبركين عبر وسائط التواصل.
في كل حال إفراط الشارع بالحماس والانفعال حاصر آخرين أيضا فقد أعلن رئيس لجنة فلسطين يحيى السعود الموجود ضمن سفينة بحرية تحاول اختراق على غزة أن تلك الصور التي يظهر فيها مع الطراونة أيضا التقطت في مناسبة خيرية لجمع تبرعات.
لاحقا أفصح وزير المالية الأسبق محمد أبو حمور بأنه كان شريكا ضمن مؤسسة مطيع لكنه انسحب بعد ستة أشهر بسبب «ظروف غير مريحة».
زاد أبو حمور، وهو من الشخصيات البارزة في المجتمع المالي، من التعقيد عندما لم يكشف عن طبيعة تلك الظروف في الوقت الذي نشرت فيه وثيقة موقعة من خليفته في وزارة المالية الوزير عمر ملحس يخاطب الملقي ويتحدث عن 155 مليون مطلوبة من شركة يقال إن مطيع يملكها الذي تبرأ بدوره وعبر «تلفزيون محلي» وفي تصريح جديد من الشركة المعنية قائلا إنه انسحب منها مثل أبو حمور عام 2017.
مطيع وفي الإطلالة البهية الجديدة وصف نفسه بأنه المستثمر الذي أدخل صناعة التبغ لأول مرة للصناعة الأردنية وبصورة شرعية وقانونية مع أن التقارير كلها تتحدث عن «تزييف» كميات هائلة من معلبات السجائر بالعلامة التجارية الأمريكية وغيرها.
في كل حال مسلسل التبرؤ من «أي علاقة» من أي نوع مع مطيع وصل السفير الأردني في بيروت بعد صورة منشورة له مع مطيع وآخرين قالت صحيفة محلية إن من بينهم «رويزق عربيات» وهو شخصية معروفة محليا في مدينة السلط الأردنية وسبق أن حاولت الترشح لانتخابات البرلمان.
السفير نبيل مصاروة أصدر تصريحا قال فيه إنه التقى مطيع بالصدفة في أحد مطاعم بيروت برفقة عربيات.
وجود حشد كبير من الشخصيات القريبة من لعبة البرلمان في الصور التي يتطوع الأردنيون للبحث عنها مساهمة جديدة وفعالة في إخراج مجلس النواب من حدود «الشرعية الشعبية» وتزويد صورته بجرعات إضافية من التشكيك والسبب غامض حتى الآن، وإعلانات البراءة من رمز الفساد الجديد أصبحت مفتوحة على المزيد من الاحتمالات خصوصا بعدما صرح رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز بأن كل المتورطين ستتم ملاحقتهم وبأنه سيدخل بصفة «الانتحاري» في عش الدبابير الفاسد.
تعليقات الرزاز المسيسة عاطفية إلى حد ملموس ساهمت في تأجيج مشاعر الشارع الذي أصبحت الحكومة عمليا تسيطر عليه بسبب إيجابية موقفها من مستجدات ملفات الفساد وشفافيتها في التفاصيل.
لكن غير الواضح بعد بصورة قطعية هو حجم التفويض الذي حصل عليه الرزاز مرجعيا ومن مؤسسات قرار نافذة للمضي قدما في طريقه الإدارة المثيرة لهذه الملفات خصوصا وأن مسؤولا أمنيا بارزا سبق أن أبلغ بأن «الشارع في لعبة الأمن كالأطفال عند الأب. لا يشبع ولا يقنع ويطالب بالمزيد مهما قدمت له».
وثمة دليل على ذلك بتقرير عميق واستقصائي سريع وتبين من خلاله بأن نحو 69 % من المعلقين الأردنيين على وسائط التواصل يلمحون لضرورة ضرب واعتقال ومحاكمة ومساءلة «رؤوس كبيرة» بصرف النظر عن عدالة الاتهامات أو النظام القانوني.
لافت جدا أن ضجيج الإيقاع الشعبي ومحاصرة وسائط التواصل ينمو ويتدحرج بدون «تحقيق منصف» وبدون إعلانات من السلطات القضائية وبعيدا عن السياق القانوني خصوصا في ظل بث ونشر عشرات القصص والحكايات وبسقف مرتفع جدا من المرجح أنه لا يساعد منطق الرزاز المعلن بخصوص «مكافحة الفساد بدون اغتيال الشخـصية».
الوضع معقد جدا خصوصا وأن هذه المعطيات تبرز في ظل استمرار غياب الملك خارج البلاد وانتظار عودته لمعرفة سقف التفويض المشار إليه ومعرفة موقف المؤسسة الملكية من مجمل هذه التداعيات الحساسة والخطرة.
ويزداد التعقيد لأن التراجع وبأي صيغة عن سقف التوقعات الذي رفعته الحكومة و»قبل التحقيق» أصبح مكلفا على الدولة والنظام أكثر من الاستمرار في التعاطي مع «الحفلة « الحالية لأن حجم التراخي البيروقراطي والمراوغة السياسية والوثائق والدهلزة الإدارية والمعلومات التي كشفتها قضية «تاجر التبغ» من النوع الذي «لا يمكن السيطرة عليه».
ولأن – وهذا الأهم – الأوساط المقربة جدا من الرزاز بدأت تنقل عنه وتردد مقولة معاكسة تؤمن بأن «إعداد طبق العجة يتطلب تكسير بعض البيض».