زاد الاردن الاخباري -
يحتل الأردن المرتبة 59 بين 180 دولة في أحدث تقارير منظمة «الشفافية الدولية» حول الفساد، أي أنه في منطقة وسطى مقارنة بالبحرين (103)، ومصر (117)، ولبنان (143)، والعراق (169)، وسوريا (178). ومن المسلم به أن الفساد آفة دولية لا يكاد يسلم بلد من شرورها وانعكاساتها على الاقتصاد الوطني والتنمية والإنتاج، ويحدث غالباً أن يكون علاج حالات الفساد الفاقعة مجرد إجراء مؤقت أو تجميلي لا يجتث الآفة من جذورها حتى في أعرق الأنظمة الديمقراطية التي تهيمن فيها سلطة القانون.
والشارع الشعبي الأردني منشغل هذه الأيام بما بات يُعرف باسم «قضية السجائر»، التي كشف عنها أحد النوّاب في البرلمان، حول نجاح رجل أعمال أردني في إدخال آلات لتصنيع كميات هائلة من السجائر تحمل علامة تجارية دولية، بطريقة سرية وغير مرخّص لها، وبالتالي غير مطابقة لمواصفات الحد الأدنى المعتمدة في صناعات مثل هذه. كذلك اتضح أن إحدى الشركات، التي تردد أن رجل إنتاج السجائر كان يملكها، تورطت في تهرب ضريبي بقيمة يقدر البعض أنها تتجاوز 100 مليون دولار، وأن القضية عُرضت على حكومة هاني الملقي السابقة ولم يجر التعامل معها قانونياً بما تقتضيه الحالة. ولعل أكثر ما أثار الرأي العام في الأردن هو أن رجل الأعمال المتهم في القضيتين أفلح في مغادرة البلاد قبل يوم واحد فقط من وضع اسمه على لائحة الممنوعين من السفر.
وبالأمس أعلنت السلطات احتجاز 30 من الأشخاص ذوي الصلة بالقضية، واكتشاف مراكز تخزين سرية جديدة للسجائر المزيفة، وقبلها شكل رئيس الحكومة عمر الرزاز لجنة وزارية متعددة الاختصاصات تضم محققين من الجمارك والمالية والتجارة والشرطة والمخابرات، يترأسها الرزاز شخصياً، لمتابعة القضية. ذلك لأن بلوغ نتائج ملموسة في التحقيقات، والبرهنة على خضوع الجميع للقانون وأن لا أحد فوق المحاسبة، هو الاختبار الأكبر للحكومة الوليدة، وللرزاز شخصياً في نهاية المطاف.
ولعل من المفارقة أن تغطي هذه القضية على ما كان الشارع الشعبي ينتظره من الرزاز في الملفات الاقتصادية والمعيشية والضريبية التي من أجلها اعتصم المتظاهرون في الدوار الرابع، وبالتالي فإن من مصلحة الحكومة أن تثبت قدراتها في «قضية السجائر» أولاً، لكي تبني عليها في اكتساب ثقة الفئات الشعبية بصدد المطالب الأخرى. ومن جهة ثانية، لا يكفي أن تضرب الحكومة صغار الفاسدين، أو أدوات الفساد التي تشتغل لصالح القطط السمان الأكثر تمتعاً بالمنعة وحسن التستر والعلاقات الوثيقة مع منافذ القرار، فذلك إجراء شهده الشارع مراراً وتكراراً، ولم يعد يقنع المواطن الناظر إلى دخان لا يخفي إلا وجوه القطط السمان.
ورب ضارة نافعة، إذ قد يكون في وسع الرزاز أن يستثمر أجواء السخط الشعبي الراهنة بصدد «قضية السجائر»، وأن يوظف جيداً مسارعة عدد من المسؤولين السابقين إلى التطوع لتقديم المعلومات حول ملفات فساد مسكوت عنها، بحيث يسلح لجنته الوزارية بأدوات حادّة تمكّنها من مجابهة رؤوس الفساد الكبرى، والاحتكام في محاسبتهم إلى الرأي العام الشعبي على نحو يسهّل تطبيق القانون في جذور الآفة وليس على سطحها وحده.القدس العربي