زاد الاردن الاخباري -
كتب : بسام البدارين - لامست أبرز الصحف الحكومية الأردنية وبطريقة مثيرة خلال يومين المساحة الفاصلة بين «الاستنكار والتشكيك» أو «الاستفهام» عندما أنعش مقال عريض على الصفحة الاولى سؤال «أين الملك؟» لكن بطريقة لافتة للنظر وغير مسبوقة مع جرعة تشكيك بطارحي السؤال أصلاً.
المقال نشر قبل ساعات فقط من عودة الملك عبدالله الثاني فعلياً بعد إجازة عائلية سنوية بالعادة لكنها لهذا الموسم أثارت الكثير من اللغط.
ويبدو ان طول غيبة الملك بدون بيان رسمي من أي نوع وفي ظل حصول مستجدات وأحداث محلية ابرزها الجدل العاصف الذي اثارته قضية «التبغ» أيقظ الاستفسار الوطني عموماً قبل ان تلتقط صحيفة الحكومة الأولى المفارقة وتنشر مقالاً حقق أعلى نسبة نقاش واعتراض وتأييد منذ سنوات بقلم الكاتب المخضرم أحمد سلامه. «الرأي» نشرت له مقالاً طويلاً بعنوان «سؤال أين الملك؟».
فكرة المقال استفزت الجميع لكن على نحو متباين وجرأته تجلت حصرياً في أنه الوحيد الذي حاول الإجابة على سؤال طالما تردد بقوة مؤخراً على المستوى الوطني وحتى الإقليمي والسياسي خصوصا بعدما تحدثت العديد من التقارير عن الغياب الطويل لعاهل الأردن العائد لبلاده في كل الأحوال وخلال ايام فقط كما علمت القدس العربي.
مضمون مقال سلامه يعترض بقوة على مجرد طرح السؤال ويحذر الأردنيين من المساس بـ»مملكة الحب» الهاشمية حتى لا يواجهون مصير ما حصل في مصر والعراق وسوريا.
وفي المضمون رسالة واضحة أبرزتها «الرأي» على صفحتها الأولى وتقول بأن السؤال عن الملك وصلاحياته وتفويضاته ينبغي ان لا يطرح أصلاً على أساس انه سؤال «غير دستوري».
الكاتب ندد بالتساؤلات التي طرحها النائب غازي هوامله تحت قبة البرلمان حول دور وصلاحيات الملكة رانيا العبدالله مشدداً على ان حرية العرش مضمونة ومصونة دستورياً وصاحب القرار يستطيع ان يفوض صلاحياته لمن يشاء.
عموماً المقالة والتي اتخذت طابع «الموقف» من أبرز ذراع إعلامية في الدولة تحذر عموم الأردنيين من الاسترسال في التشكيك وطرح اسئلة يمكن ان يستغلها خصوم المملكة لأجندات مشبوهة ومن التعدي على مؤسسة القصر خلال النقاش او طرح التساؤلات.
المحاولة بدت أنها الوحيدة في الإعلام الرسمي التي تحاول الدفاع عن خيارات الدولة والقصر بالرغم من ان غالبية ساحقة من الأردنيين يطرحون تساؤلات من باب المحبة والاطمئنان عن سر الغياب الطويل للملك وهو أمر لمح اليه ضمنياً عضو البرلمان الاسبق والكاتب الصحافي البارز جميل النمري عندما اعلن بانه لا يصدق بأن رئيس تحرير صحيفة «الرأي» طارق المومني سمح بنشر المقال.
أثار المقال عملياً عاصفة الجدل مجدداً وجزء من منطوقه دفع المزيد من الأردنيين للاستفسار أكثر عن غياب الملك والعائلة الملكية خصوصاً وان عنوان المقال حاول استنكار السؤال اصلاً وبصيغة: «أين الملك..لماذا السؤال؟»، الأمر الذي التقطه بدوره الاعلامي الأردني المقيم في الامارات عبدالله بني عيسى وهو يسأل: بعد ما نشرته صحيفة الرأي..أصبح سؤال الأردنيين: لماذا المقال؟ بدلاً من لماذا السؤال؟
في كل حال أثبت الكاتب سلامه وهو قليل الكتابة لأغراض الصحافة عموما مهارة فائقة في القدرة على استفزاز الجميع وتحقيق صدمة سياسية بمقال فصيح مليء بالعبر والتارخ ويدافع بشراسة عن صلاحيات الملك وحقوقه الشخصية والعائلية بصيغة تستنكر حتى مجرد السؤال وتحذر من تداعيات وخيمة.
الهجمة المضادة على الرأي والمقال وكاتبه كانت ايضاً عنيفة من قبل العديد من النشطاء والأسماء المعنية خصوصاً وان الكاتب وصف من يطرحون السؤال بصيغة تشكيكية بـ»ديدان الارض» ملمحاً لعمالة من يحاول المساس بالمشروع الوطني الملكي الأردني ومتعرضاً لرموز التيار المدني بصفة حصرية. التفاعلات كانت حادة جداً لمقال الرأي الافتتاحي والهجمة كانت شرسة ضد الكاتب المعروف بأنه مؤرخ سياسي وإعلامي كبير.
لكن السؤال : هل ذلك في حد ذاته المطلوب؟
الإجابة صعبة هنا لأن كاتب المقال قد لا يكون خلافاً لكل الاتهامات ضده من الصنف الذي يخضع لأي توجيهات من أي من رموز طبقة المسؤولين اليوم فهو من قدماء رموز المهنة والنظام وقرر طوعاً الابتعاد عن أضواء الكتابة منذ عامين واعتزل المواقع الرسمية والوظيفية بل رفض حقيبة وزارية في عهد حكومة الرئيس هاني الملقي. ولأن حكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز لم تعلق لا على ما نشرته صحيفتها الأولى ولا على المضمون ولا على الكاتب لا بل لم تقدم اصلاً الحكومة رواية رسمية للإجازة العائلية الملكية. ويعني ذلك أن مقال الرأي ساهم في هز الغربال الأردني وبقوة لكنه قد يبتعد عن الحسم المطلوب حيث لا أدلة او قرائن على أن تحذير الأردنيين من طرح سؤال بعنوان «أين الملك؟» ينتج مرحلياً ليس فقط لأن مئات التعليقات حاولت تذكير الرأي وكاتب المقال بأن الأردني يمارس حقوقه وهو يسأل عن غياب ملكة استفهاماً ومحبةً ووطنيةً وولاءً.
ولكن ايضاً لأن المقال وفي بعض تجلياته سمح بتوسيع قاعدة السائلين من الأردنيين بعدما كان عددهم لا يزيد فعلاً وفي أفضل الأحوال عن ألف شخص حسبما أشار المقال.
في كل الأحوال ما خطط له الكاتب حصل على الأرجح فقد انتقد أيضاً النخبة الصامتة التي حصلت على امتيازات من النظام وتحدث عن «مرتزقة» وعن مزايا حصل عليها من يحاولون الاساءة اليوم للدولة وللنظام من اولادهما في اشارة يعتقد انها تقصد متقاعدين عسكريين ومدنيين إنضموا لأانصار السؤال التشكيكي.
خلافاً للهجمة الشرسة التي طالت المقال وصحيفة «الرأي» بعد النشر يمكن القول ان رسالة النص تحاول التفريق بين استفسار استفهامي بريء بالتاكيد هو من حقوق الأردنيين الاساسية وهم يمارسون ولاءهم او يعبرون عنه وبين سؤال تشكيكي استنكاري يحاول المناكفة والاصطياد في مياه المؤسسة الملكية. يبدو أن الرسالة الأخيرة لم تكن واضحة بما يكفي فثار غضب الشارع ضد مضمون المقال والصحيفة وإلى حد واضح ضد الكاتب بعد القسوة في التشخيص والتوصيف بالرغم من النص رفيع المستوى ونادر في سقفه عندما يتعلق الأمر بمواجهة تعبيرات الشارع التي تزداد بدورها غلاظة.«القدس العربي»