زاد الاردن الاخباري -
لن أكتب عن الرئيس هذا الأسبوع، ولا عن الثقة السهلة التي ستحصل عليها حكومته بلا شك، ولا عن الوحدات والفيصلي والأحداث التي وقعت في الأسبوع الماضي، ولدي، ومنذ تلك اللحظة المشؤومة، أن كل من وضع يده في ذلك السم هو متهم - بالنسبة لي على الأقل - وماء زمزم ورسائل الغفران جميعاً لا تبرىء ساحته عندي، وهم يعرفون انفسهم في كل مكان وزمان.
كيف يتفق والوطن يمر في أسوأ أيامه وظروفه الإقتصادية، والناس تتألم وتتوجع وتبكي حرقة الأوضاع المعيشية الصعبة والمؤلمة، ومعظم سكان الأردن يعبرون كهوف الفقر والجوع، وما زال هناك من يذكي الفتن والحروب الشعواء ويدس سمّه بين الناس، ويقسّمون البلد والإنتماء ويضللون العامة ويشحنون الأفكار الدنيئة ويغرسون أنيابهم الملطخة بالعار في تصرفات وتصريحات وسلوك أقل ما يمكن وصفها أنها تأتي من عدو لئيم لا من أخ ولا من صديق، وكأننا جميعا في حالة حرب مع الحياة، ونتجه إليها لهزيمتها فيأتي من "يُفترض" أنه معنا ليضع بندقيته في ظهورنا، ويطلق النار علينا بلا رأفة ولا رحمة.
نعم لهذا لم أكتب عن تلك الأحداث التي أبكت مئات الألوف من الناس، وقهرت أبنائنا في الخارج جميعا، فوجدوا انفسهم بين عشية وضحاها، وقد تحولوا من نشامى وأبطال دافعوا بالأمس عن القدس ووقفوا صفا واحدا في أروع مثال بشري للأخوة والتلاحم والترابط والرحمة، فأصبحوا اليوم لقمة سهلة يمضغها الحساد والحاقدين ويقولون أن الأردن على شفا حفرة من التقسيم :أردني، أردني فلسطيني، فلسطيني أردني، شرق أردني، وحداتي، فيصلاوي، غرب أردني، جنوبي، شمالي..الخ.
الأصل أن الحرب تقوي الإحساس بالحب، والحرب التي نخوضها اليوم مع الحياة والمعيشة والضرائب والإيجارات والوقود والبنوك والمديونية والحكومات، أخطر بمئات المرات من الكلام الفاضي، وكرة قدم الحمقى، وكذلك الحرب الأخرى الأكثر شراسة والتي نخوضها مع الصهاينة المعتدين، هي أهم بملايين المرات من تعتيق هذه النفوس المريضة وتفجيرها في وجوه بعضنا البعض، فالقدس تغتصب أيها الناس، ألا ترون ان جيلا كاملا قد جاء وذهب والقدس ما زالت تغتصب (!!)، على أعيننا جميعا، ونحن مشغولين بماذا؟ بالكرة؟ فهل الكرة تطعم خبزا أو تدافع عن وطن؟
ما كان عليّ أن أكتب، كان عليّ ان "احرد" وأعتزل الكتابة، وانا أرى أبناء وطني وقد أغرتهم تلك الحادثة "التافهة" التي يمكن أن تحدث في أي مكان في العالم، فجعلوا منها قصة للإنتقام من بعضهم البعض، وتجريح بعضهم البعض، وطعن الدين والقيم والمبادىء والأخلاق والعروبة والجيرة والمحبة وأقوال الرسل والعلماء والفلاسفة، وفوق كل ذلك طعن كلام الله العزيز، حين قال عزوجل: "والفتنة أشد من القتل".
ما كان عليّ أن أكتب، ولكن الأصدقاء والمقربين، أصرّوا على ذلك، وقالوا كيف تجلس متفرجاً بينما يندس الأقزام وحملة الضغائن العليا وخريجي مدارس اللئم بين الناس وفي المدرجات والصحف وفي كل مكان ليقتصوا من هذا الشعب الطيب؟ الشعب الذي لم يبق لديه سوى تلك الشجرة التي يجلس تحتها ويستظل بظلها وتحميه من الأخطار الحادقة التي تلم به من كل جانب؟ قولوا لي بالله عليكم كيف يهون على الناس كل هذا التاريخ من المحبة والألفة والتآخي والتلاحم والمصير المشترك سياسيا وإقتصاديا وإجتماعيا؟إ؟