زاد الاردن الاخباري -
سلافه الخطيب- ركاب السيارات التي كانت تتوقف أمام إشارات المرور لطالما ظنوا أنها متسولة؛ كانت ترتدي العباءة السوداء، وتتخفى خلف وشاحها، مفتعلة إيماءات جسدية لتبدو في هيئة المحتاجة، وتستدر عطف وشفقة المارين للحصول على الحسنة.
تلك المنقبة كانت تمضي وقتها بالقرب من الإشارات الضوئية، تقتنص لحظة توقف المركبات أمام الإشارة الحمراء لتقتحم خلوة أصحابها، تركز على انتقاء الفارهة منها، للحصول على المساعدة، من دون أن تضطر للخوض في مبررات تسولها.
ما كان يجهله أصحاب تلك السيارات وركابها، بل وحتى كوادر وزارة التنمية الاجتماعية العاملون في برنامج مكافحة التسول، هو أن تلك السيدة ليست امرأة، بل شاب تخفى بلباس فضفاض وثياب سيدة!
عندما همّ فريق مكافحة التسول بالقبض عليها، فوجئوا بقوة جسدية تحاول الإفلات من قبضتهم، وكانت الضربة المسددة باتجاه أحدهم قوية، ما دفعهم للكشف عن الوجه، ليتبين أن صاحبه شاب في الـ27 من عمره، وذلك بحسب مدير الدفاع الاجتماعي في وزارة التنمية الاجتماعية محمد الخرابشة، الذي بين أن بعض المتسولين "أصبحوا يتخفون بزي امرأة فقيرة، لأن ذلك أكثر استدرارا للعطف والشفقة من المواطنين".
متخفون آخرون بزي
امرأة لتسهيل التسول
ولا تختلف قصة الشاب السابق كثيرا عن قصة متخف آخر بثياب امرأة متسولة، يشير الخرابشة إلى أنه تم القبض عليه في منطقة الدوار السابع في عمان قبل فترة.
كان هذا الشاب يتدثر بعباءة سوداء أيضا، ويغطي وجهه بخمار لتختفي قسمات الرجولة". يقول الخرابشة إن "تقمص هذا الشاب لشخصية الشحادة كانت مقنعة، فقد كان يجلس على كرسي معاقين، مطأطئا رأسه، فيما يرافقه شاب آخر يحتفظ بهيئته الذكورية، مهمته دفع الكرسي".
كان المتسول ومرافقه يتجولان في منطقة الدوار السابع، تارة على أنهم مشاة عاديون خاصة عندما كانت تمر بجوارهم سيارات الشرطة، وتارة أخرى كمتسولين.
لم يفضح أمرهما سوى مباغتة كوادر برنامج مكافحة التسول لهما، ليهرع "مدعي الإعاقة" هاربا بقدميه، ومتخلصا من ثياب السيدة التنكري، إلا أن الأجهزة الأمنية تمكنت من ضبطهما وتحويلهما إلى المركز الأمني.
هذه الحالات هي من بين 1229 متسولا ومتسولة في عمان، تم ضبطهم ضمن حملة مكثفة لمكافحة التسول نفذتها وزارة التنمية الاجتماعية خلال أشهر الصيف المنقضية، بحسب الخرابشة.
حملة تضبط 319 طفلا متسولا
من بين هذا العدد كان هناك 810 متسولين ومتسولات بالغين، فيما ضبط من الأحداث 319 شخصا، أي أن غالبية المتسولين المضبوطين تتجاوز أعمارهم سن الـ18 عاما، وهؤلاء "يمتهنون التسول ويعتبرونه مصدرا لدخلهم" كما تقول الوزارة.
ويكاد لا يخلو شارع رئيسي في مختلف المدن والمحافظات من مشهد أم تفترش الأرض، وتحتضن ابنها بثيابه الرثة، غير آبهة ببرد أو حر، في سبيل استثارة الشفقة واستجداء عطف المارة، ليجودوا عليها ببعض قروش!
ولا يقتصر توظيف الأطفال، ذكورا وإناثا، في التسول على الحالة السابقة، بل يتعداها إلى استخدام مجموعات من الأطفال من قبل بالغين، ونشرهم في شوارع وأماكن مختلفة للتسول وجمع الثروات!
ورغم تقليل وزارة التنمية من حجم مشكلة استغلال الأطفال في التسول، فإن ذلك لا ينفي، بحسب مراقبين، خطورة هذه الظاهرة، وتزايدها الملحوظ.
يشير الخرابشة إلى أن نسبة الأطفال المتسولين "تبقى في الحدود المتدنية"، وهو يفسر ذلك بأن "الأسر غالبا ما تتخوف من استخدام أبنائها في التسول، أو السماح لهم بتمضية الأوقات في الشوارع وبأماكن قد تكون غير آمنة".
وحسب الأنظمة والقوانين، فإن الأم التي تضبط بالتسول مع طفلها، تعاقب بالحبس، فيما يتم التحفظ على الطفل، ويعاد لأهله إن كان عمره أقل من ثلاثة أعوام، أو يودع في مراكز لرعاية الطفل التابعة لوزارة التنمية.
أما الطفل، الذي يتجاوز عمره سبعة أعوام فيحول إلى محكمة الأحداث، ويتحفظ عليه في دور الأحداث لمدة أسبوعين، فيما يخضع وأسرته لدراسة اجتماعية، فإن كان ضبطه في التسول للمرة الأولى يتم إعادته إلى الأهل، بشرط إلزامهم بتعهد يضمن عدم عودة الطفل أو الحدث للتسول.
تسول مرتبط بالتسرب
من المدارس
أغلب المتسولين الصغار هم طلبة مدارس يتسربون من مدارسهم، في مخالفة أخرى للقانون. يشير الخرابشة إلى أن هؤلاء الطلبة المضبوطين بالتسول يحولون إلى الحاكم الإداري، الذي يستدعي عائلاتهم، ويلزمهم بتعهد يضمن التزام الطالب بدوامه المدرسي وعدم تسربه.
إلا أن إحصائيات وسجلات وزارة التنمية تشير إلى أن العديد من الطلبة المتسولين والمتسربين من مدارسهم يعودون إلى امتهان التسول، بل ويتم ضبط العديد منهم.
وتشير إحصائيات الوزارة إلى أن عدد المكررين من المضبوطين بفعلة التسول خلال الحملة الأخيرة، بلغ 207 متسولين ومتسولات من البالغين، فيما بلغ عدد الأحداث من المكررين 50 طفلا متسولا.
ويعلن الخرابشة، إلى "الغد"، أن وزارة التنمية بصدد إعداد دراسة تقييمية، تستند للأحكام القضائية المتخذة بحق المتسولين المكررين، للوقوف على مدى فاعلية العقوبات التي فرضها قانون العقوبات المعدل فيما يتعلق بمكافحة التسول، الذي دخل حيز التنفيذ منذ الأول من شهر تموز (يوليو) الماضي.
وكان صدور قانون العقوبات المعدل، مع تضمنه تعديل عقوبات التسول، قد فرمل توجه وزارة التنمية وعملها على مدار أشهر طويلة على إعداد مشروع قانون لمكافحة التسول.
رصد لمدى فاعلية تغليظ عقوبات مكرري التسول
وتأمل الوزارة من القانون أن يحقق تغليظ العقوبة بالحبس والغرامات على المكررين للتسول، وذلك للإسهام في تخفيض أعداد المكررين، وهو ما تعمل الوزارة حاليا على قياسه عبر دراسة نتائج الأحكام القضائية الصادرة بحق المتسولين.
وغلظ قانون العقوبات بتعديلات الأخيرة العقوبة على من كرر فعلة التسول، حيث باتت العقوبة الحبس لمدة تتراوح بين ثلاثة أشهر إلى سنة، ولمدة أربعة أشهر إلى سنة إذا كان التكرار للمرة الثالثة فأكثر.
كما عاقب القانون كل من سخر "الغير" لارتكاب فعلة التسول بالحبس مدة لا تقل عن السنة، فيما منح القانون صلاحيات لوزير التنمية بتكليف موظفين لاستقصاء الجرائم المتصلة بالتسول وجمع الصدقات والتبرعات، والقبض على مرتكبيها، ومنح موظف الوزارة لهذه الغاية صفة الضابطة العدلية.
وبين الخرابشة أن الوزارة منحت صفة الضابطة العدلية لـ34 موظفا لمكافحة التسول، وهؤلاء تصبح لديهم قوة قانونية كرجال الأمن، الذين يرافقون عادة موظفي الوزارة العاملين في برنامج مكافحة التسول لتأمين الحماية لهم.
ويوضح الناطق باسم مديرية الأمن العام المقدم محمد الخطيب أن دور رجال الأمن الذين يرافقون فرق وزارة التنمية لمكافحة التسول، يقتصر على ضبط المتسولين وإيداعهم إلى دور الرعاية التابعة للوزارة، أو إلى الحاكم الإداري، إضافة إلى حماية موظفي التنمية وأمانة عمان الكبرى من أي اعتداء عليهم، أثناء قيامهم بواجب ضبط المتسولين.
التسول فنون!
مهنة التسول كغيرها من المهن تتطلب أدوات ومهارات ينبغي أن يتقنها ممتهنها كي يتمكن من الاستمرار بـ"عمله"، لذا فإن ممارسيها لديهم القدرة على الابتكار وهم يتقنون قنص اللحظات واستغلالها.
منى رواشدة (25 عاما) كانت تقف أمام الصراف الآلي لأحد البنوك كي تسحب مبلغا من المال، فيما تراقبها عن كثب متسولة، ترتدي ثيابا رثة، قبل أن تنقض عليها لاستجداء حسنة.
تقول منى "آخرون يقتنصون لحظة وقوف الزبون أمام محل الوجبات السريعة أو المطاعم، لاستجداء لقمة عيش، وهؤلاء غالبا ما يتركون أثرا في نفس الزبون، الذي لا يمرر الموقف من دون أن يبادر بمقاسمة المتسول طعامه، أو إعطائه قليلا من المال".
ويصبح صدّ المتسول ونهره أكثر صعوبة على المحسن في المقابر، يقول أبو محمد، إن رد طلب المتسول في المقبرة وعند دفن عزيز، يكاد يكون مستحيلا، سيما وأن هؤلاء يقتنصون لحظات يغرق فيها أهل الفقيد بحزنهم.
يقول الخرابشة إن التسوّل في المقابر يكتسب صفة القبول الاجتماعي، لأن الطقوس الدينية في المقابر تفرض على المترحمين عدم رد المتسول، بصرف النظر عن حقيقة تسوله، ليحظوا بنصيب من الإكراميات والصدقات.
ويعتبر الخرابشة أن غالبية المتسولين، الذين يقصدون المقابر في أول أيام العيد ويتجمعون أيضا قبالة بوابات المساجد بعد صلاة التراويح والجمع، "ليسوا بفقراء، بل أشخاص امتهنوا التسول"، وهو يؤكد أن "هؤلاء تنشط أعمالهم أيضا في فصل الصيف، بالتزامن مع عودة المغتربين والسياح الوافدين للمملكة".
يفضلون دخل التسول
على صندوق المعونة!
ويلفت الخرابشة إلى أن غالبية المتسولين ممن تحولهم الوزارة إلى صندوق المعونة لمساعدتهم ماليا في حال ثبت استحقاقهم لها، يرفضون الذهاب إلى صندوق المعونة، لأنهم يفضلون جمع المال بطريقة "الشحدة"، كونها تدر عليهم دخلا ماليا كبيرا، يصل أحيانا لدى البعض منهم إلى قرابة 40 دينارا يوميا، فيما لا يتجاوز سقف المعونة الوطنية الأعلى 180 دينارا شهريا.
يقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة مؤتة الدكتور حسين محادين أن المتسولين غالبا ما يستغلون اللحظات الحرجة، التي يضعف بها الإنسان أمام هيبة الموت أو العزاء، وفي لحظات الضعف الإنسانية.
ويعتبر محادين أن التسول نوع من أنواع العمل غير المقبول اجتماعيا، بصرف النظر عن المعيار الأخلاقي له، مشيرا إلى اكتمال عناصر العمل في التسول، وأبرزها الوقت والأداء والعائد الاقتصادي.
لكنه يجد أن البعد الأخلاقي للتسول غير مقبول، ما يحد من سعة انتشار هذه الظاهرة، مبيناً أنه بالرغم من احتكام المجتمع الأردني للمعيار الأخلاقي الرافض لهذا السلوك، فإن الدلائل تشير إلى زيادة في نسبة العاملين في التسول، وأن هؤلاء يحصلون عائدات مالية مرتفعة القيمة، من دون بذل مجهود يكافئ ما جمعوه من أموال.
وأوضح محادين أن عدة عناصر يمكن اعتبارها سببا في زيادة التسول، تتصل بتحول المجتمع الأردني نحو آليات السوق، المبنية على العرض والطلب، فضلا عن ضعف المظلة الاجتماعية التي توفر المعونة الكافية للفقراء والمعوزين.
كما بين أن الخصخصة كانت سببا في تفسيخ الروابط التكافلية والتعاونية لصالح ثقافة الربح وزيادة جمع المال، فبات التسول من الأعمال التي تدر دخلا مرتفعا لدى البعض.
وبعد أن لفت محادين إلى أن التسول "قائم على القبول والإيجاب"، فإنه يدعو إلى ضرورة تنفيذ حملات توعية للمحسنين، تدعوهم ليصبوا أموالهم وحسناتهم للمؤسسات الموثوق بها في إيصال الدعم لمستحقيه.
ويرى أن التسول "عمليا هو إهدار لكرامة الإنسان، واعتداء على قيم العمل المنتج، التي يؤكد عليها ديننا، كما إنها استخفاف بالمحسن".
ويوضح الخرابشة أن بعض المتسولين يحاولون التحايل على القانون، وهؤلاء أغلبهم صغار في السن، ينتشرون في الشوارع وبالقرب من الإشارات الضوئية، ويلجؤون إلى التستر ببيع السلع البسيطة والرخيصة.
ويبين أن هؤلاء يتسترون تحت غطاء بيع السلع لاعتقادهم أن هذه الطريقة تحميهم من العقاب القانوني، ويستخدمون هذه السلع في استدرار عطف الناس الذين يعتبرونها طريقة "مشروعة وكريمة" لكسب العيش.
أغلب المتسولين المضبوطين ليسوا فقراء!
ويلفت الخرابشة إلى أن للمواطن دورا كبيرا في الحد من التسول، إذ إن تعاطف الناس مع المتسولين يدفع بهم للاستمرار في التسول، بالرغم من أن أغلبيتهم ليسوا فقراء، وقال "المواطن يتحمل مسؤولية تجاوبه مع المتسولين وتشجيعهم على التسول".
وبالرغم من النداءات المتكررة بضرورة تقديم أي تبرعات أو صدقات عبر المؤسسات المعنية بالزكاة أو مساعدة الفقراء، كتكية أم علي أو صندوق الزكاة أو الهيئات العاملة التابعة للجمعيات الخيرية والمساجد، فإن المتسولين يلاقون صدى وتجاوبا واسعا، ما يدفع لاستمرارهم في ممارسة التسول، والذي يكون أحيانا عملا منظما تستخدم فيه مجموعات من الأطفال.
ويؤكد الخرابشة أن الفقر "لا يعتبر الدافع الرئيسي للتسول"، لأن غالبية المقبوض عليهم بجرم التسول يتبين أنهم ليسوا فقراء، بل ممتهنو تسول.
وكان مساعد مفتي المملكة محمد الخلايلة شدد، في تصريحات إلى "الغد"، على أهمية التعاون للحد من ظاهرة التسول، مؤكداً أن "الأصل في المسلم أن يبحث عن الفقير الذي يتعفف".
وبين الخلايلة أن هناك "عائلات مستورة لا يعلم بحالها أحد، وهي الأولى بالمساعدة".
وبحسب دراسة أجرتها دائرة مكافحة التسول لـ235 متسولا ومتسولة قبض عليهم في شهر رمضان من العام 2004 فإن 110 من الحالات تبين أن لديها دخلا من أكثر من مصدر، وأن 50 حالة كانت تتقاضى رواتب من صندوق المعونة الوطنية، فيما وجد أن 75 حالة تتقاضى رواتب تقاعدية من مؤسسة الضمان الاجتماعي أو الجيش، وثبت أن 100 منهم ليس لديهم دخل.
المتسولون المكررون هم المشكلة
وبحسب دراسة إحصائية أخرى للدائرة، فإن هناك أعدادا لا يستهان بها من المتسولين "المكررين"، أي الذين قبض ليهم عدة مرات. ففي الفترة ما بين عامي 1990 و2004 تبين أن هناك 50 متسولا قبض عليهم 45 مرة، و75 متسولا قبض عليهم 35 مرة!
وتشير إحصائيات وزارة التنمية الاجتماعية إلى أن أعداد المتسولين الذين قبض عليهم العام 2000 كان 940 متسولا، ارتفعت إلى 826 في العام 2001، 1684 في 2002، 1228 في 2003، 1800 في 2004 و2095 في 2005.
ويجد قانونيون أن قانون العقوبات، وإن جاء بتعديلات غلظت من عقوبات التسول، إلا أنه "ما يزال عاجزا" عن مكافحة التسول.
يقول الناشط والباحث في حقوق الإنسان المحامي صدام أبو عزام إن أحكام المادة 389 من قانون العقوبات بعد التعديل، فيها العديد من الإشكاليات، التي تضمنها النص، وهذا مرده الآلية التي يتم فيها تعديل التشريعات في الأردن.
ويبين أن تعديل القانون "تم بطرق غير علمية وغير منهجية، إذ من المقرر في الفقه القانوني أن يتضمن أي تعديل مذكرة إيضاحية حول الحاجة إلى التعديل وموجباته ومبرراته حتى يتسنى للقضاء الكشف عن نية المشرع من التعديل".
ويستعرض أبو عزام التعديل على المادة 389 من قانون العقوبات، والخاصة بجريمة التسول، لافتاً إلى أنه واستنادا للقانون المعدل، فإنه من المحال أن يتم معاقبة أي متسول عن المرة الأولى، التي يرتكب فيها جرم التسول.
ويستطرد بالقول "هذا ما كشف عنه الواقع العملي أمام القضاء، إذ يتم إعلان عدم مسؤولية كل من يتم إحالته إلى القضاء لأول مرة بجرم التسول، لأن المشرع أغفل العقاب على المرة الأولى بعد التعديل"، مضيفاً أن حذف فقرة في التعديل "لا يجيز للقضاء إحالة أي مجرم بالتسول إلى أي مؤسسة من مؤسسات وزارة التنمية الاجتماعية".
هل ثمة خلل تشريعي
في التصدي للتسول؟
ويبين أبو عزام أن النص الجديد "يعاقب على حالة التكرار، والتي يستحيل تطبيقها أمام القضاء الأردني، إلا في حالات نادرة".
وبالرجوع إلى نص المادة 102 من قانون العقوبات، والتي تبين العقوبة على المكرر، يجد أبو عزام أنها تنص على "من حكم عليه بالحبس حكما مبرما، ثم ارتكب قبل إنفاذ هذه العقوبة فيه أو في أثناء مدة عقوبته أو في خلال ثلاث سنوات بعد أن قضاها، أو بعد سقوطها عنه بأحد الأسباب القانونية -جنحة مماثلة للجنحة الأولى- حكم عليه بمدة لا تتجاوز ضعف العقوبة التي تستلزمها جريمته الثانية، على أن لا يتجاوز هذا التضعيف خمس سنوات".
وعليه فإنه وحتى يكتسب الحكم الدرجة القطعية فإنه يجب أن يستنفد كافة طرق الطعن، أو أن تفوت كافة مدد الطعن، وفق الإجراءات التي رسمها المشرع بعد تبلغ المشتكى عليه وغيرها.
ويوضح أنه من الناحية العملية فإنه "نادرا ما يتم ذلك، إلا بعد مرور سنة أو سنتين، حتى يكتسب أي حكم جزائي القطعية في الأردن، ولا يستطيع القاضي بسط رقابته على حالة التكرار أيضا، ما لم تكن هناك مشروحات وأوراق تثبت أن هذا الشخص ارتكب جرما، وأصبح قطعيا بحقه"، كما أن نص التكرار فيه إشكالية أخرى، تتعلق بعدم وجود سجل عدلي، وأحيانا التأخر في تنفيذ الأحكام الجزائية.
لذلك، فإن أبو عزام يرى ضرورة المراجعة الفورية للنص القانوني الوارد في قانون العقوبات من قبل الجهات المعنية، والاستعانة بأصحاب الخبرة والاختصاص، خاصة من الأشخاص والقضاة الذين يطبقون النص، وأن يتم فعلا الأخذ بموجبات النص، بما يتفق وفلسفة العقوبة والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، التي صادقت عليها المملكة، وأن يتم اللجوء إلى تطبيق العقوبات الإصلاحية والبديلة.
الغد