زاد الاردن الاخباري -
أثارت صور التقطتها أقمار صناعية روسية لمنطقة البحر الميت اهتماما دوليا بالقرى المدفونة في تلك المنطقة بعد أن ظهرت آثار لها من خلال صور مسحية.
الاهتمام الدولي دفع الجهات المعنية في المملكة للبدء في البحث عن تلك المدن الضائعة في قاع البحر الميت (سدوم وعموره) والمعروفة بمدن قوم لوط عليه السلام، في وقت أكد فيه خبراء أن العثور على تلك المدن يوفر قيمة مضافة ما يعزز السياحة.
وكان فريق روسي متخصص حصل على الموافقات اللازمة لإجراء أعمال الاستكشاف في الموقع والتي تهدف إلى تحديد مواقع قريتي سدوم وعموره، حيث سيتحمل الفريق الروسي جميع التكاليف المالية المتوقعة للمشروع الذي يحتاج إلى معدات وأجهزة متطورة خاصة لإجراء عمليات المسح والتصوير في مياه البحر الميت المعروفة بشدة ملوحتها.
وتعد (سدوم) و(عمورة) مجموعة من القرى التي ذكرت بشكل مباشر وغير مباشر في الديانات السماوية الثلاث، إذ يعتقد الباحثون وعلماء الدين أنها تقع في منطقة البحر الميت في غور الأردن.
ويشير عميد كلية الملكة رانيا للسياحة والآثار الدكتور محمد وهيب إلى أن عمليات البحث الحالية عن المدينتين تأتي استمرارا للجهود الذي بذلت في السابق للكشف عنهما والتي استغرقت أكثر من 10 سنوات للوصول إلى حقيقة هذه المدن الغارقة.
ويضيف وهيب أن النتائج "مبشرة وإيجابية لدرجة كبيرة وكانت جهود البحث الميداني على اطلاع واسع بما ورد في كتب الجغرافيا، سيما في مؤلفات ابن الفقيه الذي ربط بين ديار قوم لوط والبحر الميت، وكذلك الاصطخري، والزهري، والإدريسي، وياقوت الحموي، والحميري، وناصر خرو، والعبادي، وابن بطوطة، كما ذكر الطبري وغيره أسماء قرى غارقة أسفل البحر الميت ومنها سيدوم وعاموره".
وأشار وهيب إلى أن "بعثات الاستكشاف العلمية من مختلف دول العالم لم تتوقف منذ مطلع القرن الماضي وليومنا الحاضر عن البحث عن المدن الغائرة في البحر الميت والتي اختفت معالمها".
وأشار وهيب إلى أنه "تم الاطلاع على جهود الباحثين الغربيين والمؤرخين القدامى مثل سترابو الذي يشير لوجود عاصمة المدن الغارقة سدوم أسفل البحر الميت وكذلك المؤرخ يوسيفوس، وربونون واستمرت جهودهم بالبحث والتقصي وإجراء مسوحات ميدانية مثل البرايت في منطقة غور الصافي، وكذلك قام لينش في العام 1852 وترسترام في العام 1873، واربي وما نجلاس في العام 1822 وغيرهم.
وأضاف وهيب أن "بعض المؤرخين ذهب للبحث عن المدن الغارقة في موقع تليلان غول قرب سويمة شمال شرق البحر الميت العام 1929، وفي العام 1965 أجريت تنقيبات في موقع باب الذراع في منطقة اللسان في البحر الميت، تلاها إكمال تنقيبات محدودة في عدد من المواقع مثل كهف لوط، ومنطقة اللسان التي كشف فيها عن اويره بيزنطية".
ويقول "الدلائل الأولية تشير الى أن المسوحات والتنقيبات الأثرية تلقي مزيدا من الضوء وتسير بشكل واضح وجلي لا يقبل الشك وهذا مطابق تماماً لما ورد في القرآن الكريم، سورة الذاريات الآية (37) (وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم)".
وبين وهيب أنه "تم الكشف جزئياً عن عدد من القرى والمدن المتهدمة على الشاطئ الشرقي من البحر الميت ومن هذه المدن والقرى، النميرة التي أرخت إلى فترة العصر البرونزي الثالث أي ما يقارب ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد ثم تم الكشف عن قرية باب الذراع وأرخت الى العصر البرونزي الرابع أي ما يعادل 2800 عام قبل الميلاد".
وأشار إلى "الكشف عن مقبرة ضخمة تابعة لتلك القرى على الشاطئ الشرقي تحتوي على أربعين ألف قبر، كما كشف عن مقبرة أخرى أيضاً قرب المقبرة الأولى وتحوي عشرات الآلاف من المدافن وأرخت إلى حوالي 2500-3000 عام قبل الميلاد".
وأوضح أن "نشاطات البحث العلمي الميداني قد اقتربت من نقطة الحسم في شأن اكتشاف تلك المدن الغارقة في الأغوار الجنوبية"، مستشهدا بوصف القزويني في كتابة آثار البلاد وأخبار العباد، حيث وصف إحدى المدن الغارقة قائلا "سدوم قصبة قرى قوم لوط وهي بين الحجاز والشام، كانت أحسن بلاد الله وأكثرها مياها وأشجارا، وحبوبا وثمارا".
وبين وهيب أن "هذه الاكتشافات الأثرية، وأقوال ووصوفات الجغرافيين والرحالة، وما ورد في القرآن الكريم جميعها تتطابق مع أهمية السياحة الدينية وأهمية الاعتبار والعظة في تاريخ حركة الشعوب على سطح الكرة الأرضية، فضلا عن الإضافة النوعية التي ستنعكس على السياحة في منطقة البحر الميت".
وقال وهيب إنه "تمكن من قيادة عدة فرق ميدانية مؤهلة ومدربة للبحث والتنقيب وإجراء المسح الميداني وفق أساليب البحث العلمي، فكان البحث عن تلك المدن الغارقة من فريق أردني بدأ العمل معه وتوجيهه في منطقة الأجزاء الشمالية الشرقية من البحر الميت في العام 1995 وخاصة في سهول الكفرين والدامة وتم الكشف عن خمسة مواقع حينها، ثم العام 1994 عندما بدأ مشروع التنقيب في غور الصافي جنوب شرق البحر الميت لتكتشف مقابر تحتوي على عشرات الآلاف من الموتى في النقع وفي العام 1995 في مشروع وادي النميرة على الشاطئ الشرقي".
وقال "تمكن الفريق آنذاك من اكتشاف أجزاء من مدينة النميرة وكذلك أحد الأبراج الكبيرة العامة، كما تم إجراء مسوحات لمقابر فيفا وخنيزير وللطريق الواصل ما بين لواء عي والبحر الميت قرب غور عسال، كما توجه الفريق ليقوم بالتنقيب في موقع الزارة ليتم اكتشاف أول ميناء على شاطئ البحر الميت الشرقي وكذلك عشرات المواقع في الزارة الشمالية والجنوبية، واستمرت أعمال المسح والتنقيب لتشمل سويمة ومناطق فنادق البحر الميت".
يذكر أنه قام فريق روسي خلال الشهر الحالي بزيارة استكشافية للموقع لتحديد القضايا اللوجستية والمعدات اللازمة للمشروع الذي يهدف إلى تحديد مواقع "المدن الضائعة أو ما يعرف بمدن النبي لوط في قاع البحر الميت وسيتحمل جميع التكاليف المالية المتوقعة للمشروع الذي يحتاج إلى معدات وأجهزة متطورة خاصة بإجراء عمليات المسح والتصوير في مياه البحر الميت المعروفة بشدة ملوحتها".
وبخصوص الخصائص الجيولوجية، يقول نقيب الجيولولجين المهندس بهجت العدوان إن "البحر الميت يعتبر اخفض بقعة في العالم (420 متراً عن سطح البحر) وهو بحر مغلق نشأ نتيجة توسع قاع البحر الأحمر من خليج عدن حتى خليج العقبة، حيث أدى هذا التوسع إلى اندفاع الصفيحة باتجاه الشمال وكونت حفرة الانهدام التي يبلغ طولها من العقبة وحتى تركيا 1300 كم منها 360 كم في الأردن وهي الحد الفاصل بين الصفيحة العربية والصفيحة الأفريقية".
ويضيف أن "الأردن يقع في الصفيحة العربية بينما تقع فلسطين في الصفيحة الأفريقية وتمتد حفرة الانهدام حتى تركيا ونتيجة تحرك الصفيحة العربية باتجاه الشمال تكونت جبال طوروس وزاغروس نتيجة ارتطام الصحائف وبلغت المسافة التي قطعتها الصحيفة العربية باتجاه الشمال 107 كم حيث بدأت الحركة قبل 15 مليون سنة في العصر الجيولوجي الثلاثي وما زالت مستمرة".
وبين العدوان أن "البحر الميت يعاني انحساراً شديداً في مساحة المسطح المائي، وانخفاضا في مستوى المياه يبلغ مترا سنويا، بسبب نقص تغذية المياه الواردة له لعدة أسباب منها سرقة مياه نهري اليرموك والأردن من قبل إسرائيل، والسبب الآخر هو إنشاء السدود على ضفتي البحر ما أدى إلى خفض كبير بإمداد المياه للبحر والذي أدى إلى انخفاضه وانحسار مساحته المائية".
وأشار إلى عدد من الظواهر الجيولوجية الخطرة التي تحدث حالياً في البحر الميت، منها الحفر الانخسافية التي بدأت تظهر في غور الحديثة نتيجة انحسار مياه البحر الميت ولن تحل هذه المشكلة، إلا من خلال إعادة مستوى المياه إلى ما كانت عليه قبل العام 1960، لذا فإن إنشاء قناة البحرين لربط البحر الميت مع البحر الأحمر سوف يكون الحل الجذري لتلك المشكلة.
يذكر أن البحر الميت كان يسمى قديما بـ"بحيرة لوط"، وهو بحيرة يعتبر سطحها أعمق نقطة في العالم على اليابسة حيث يقع على عمق 417 مترا تحت سطح البحر بحسب قياسات العام 2003. وتقع ما بين الأردن، وفلسطين. وله عبر التاريخ ذكر في جميع الحضارات التي سكنت حوله، وكلها تنعته بصورة أو بأخرى بصفات تعود إلى شدة ملوحة هذا البحر أو خلوه من الكائنات المائية.
ويمتاز البحر الميت بملوحته الشديدة التي تقارب عشرة أضعاف ملوحة المحيطات، وتتغير بحسب العمق. كما لا تعيش فيه الكائنات الحية بالرغم من وجود بعض أنواع البكتيريا والفطريات الدقيقة فيه.
ويبلغ طول البحر الميت 37 كيلومترا، وعرضه خمسة عشر كيلومترا وسبعمائة متر، أما انخفاض سطحه عن سطح البحر الأبيض المتوسط فيبلغ 417م. وتبلغ مساحة البحر الميت الإجمالية حوالي 945 كيلومتراً مربعاً. وأما أعمق عمق له فيبلغ 401 متر ويقسمه شبه جزيرة اللسان إلى شطرين غير متساويين والشطر الجنوبي هو مستنقع مالح ويبلغ عمقه من 6 إلى 8 أمتار.
يعتبر البحر الميت من مناطق السياحة العلاجية الأكثر نشاطا في المنطقة، حيث يقال إن الأملاح الموجودة به تشفي كثيرا من الأمراض الجلدية مثل الصدفية والحساسيات الجلدية المتنوعة.
كما يعتبر البحر الميت من المراكز الاقتصادية التي تبنى عليها كثير من الصناعات مثل مصانع الملح ومصانع المستحضرات التجميلية والعلاجية. وقد أقيمت الكثير من المنتجعات على كلا شاطئيه الشرقي والغربي. وقد رشح ليكون أحد عجائب الدنيا الطبيعية في نطاق البحيرات.
ومن المشاريع المقترحة لإنقاذ البحر الميت المهدد بالزوال تبرز خطة شق قناة من البحر الأحمر أو البحر الأبيض المتوسط لتسييل المياه المالحة إلى البحر الميت، ولكن هذا المشروع مختلف عليه بسبب خشية الخبراء من تداعيات غير متوقعة قد تكون له على البيئة وعلى تركيبة مياه البحر الميت.
وفي صيف العام 2012 ستكتمل المنظومة السياحية في الميت لإحيائه مجددا كرد على حالة الركود الاقتصادي التي اجتاحت العالم مؤخراً تحت ما يسمّى أزمة العقار، ليصل عدد العاملين في المنشآت السياحية إلى حوالي أربعة آلاف فرصة عمل في مختلف المجالات.
الغد